|
محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم |
عاد موسى بمعونة ربه جل جلاله وتباركت أسمائه إلى قومه , فاسقط في يده من هول ما رآه ,,,, وجد قومه عاكفون على العجل !!...... بعد كل هذه الآيات .... بعد كل هذه الإنعامات والتكريم , يعكفون على عجل القوم الكافرين الذين ساموهم سوء العذاب , فاشتد غضب نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , وكاد يبطش بأخيه هارون عليه السلام ,. ولو فعل لقتله ...! ولكن الله تبارك وتعالى عصمه وقوّاه على تحمل الأمر المشين غاية الشنآن ! فجمع قومه أجمعين , ثم قام فيهم خطيباً , منكسراً ذليلاً لمولاه , باكياً بالدمع السكيب كأنه المطر بلل ثوبه الخشن وفاض إلى قدماه , معتذراً للرب الحليم العظيم , مما كان من قومه إذ دنسوا الماء والهواء والأرض واسماك البحر بشرك عظيم جسيم .. كيف ينساه ؟!
خاطبهم وصاح فيهم صيحة جلجلت بهم الأرض , وتردد في الأفق صداه , ياأيها الناس ما الذي غركم بالله جل جلاله وتباركت أسمائه , منذ قليل كنتم تمشون على الماء خاشعين لله تبارك وتعالى , ورأيتم بأس الله تبارك وتعالى بالقوم الكافرين , ثم إلى ماذا صرتم اليوم ... في وحل الشرك وحمئة الضلال , مالكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً , مالكم اخلفتم عهدي معكم , يصيح بهم مالكم ويبكي ثم يبكي ,,. حتى جثى القوم على ركبهم باكين منكسي رءوسهم , ومنهم من حمل التراب يهله على رأسه ووجهه , ونادوا نبي الله تبارك وتعالى , هل لنا من توبة , يارب هدنا إليك, فهب لنا توبة تطهرنا من آثامنا , يارب ظلمنا أنفسنا , وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين , ... فلما رأى نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , ذلك من قومه , أعرض عنهم بوجهه , وغاب عنهم بجسده المتعثر في حجارة الوادي , يتكأ على عصاه وما تكاد تحمله من ثقل همه وعظيم حزنه على حق مولاه الحق المبين ... كيف هان على قومه ... رب العالمين تبارك وتعالى ... ؟!!!
ثم جثى على ركبتيه والليل يطويه عن قومه , ولا يسمعون إلا صوت شاحب متهدج بالنحيب والبكاء , رافعاً يديه إلى السماء , يسأل مولاه وليس له مولاً سواه , أن يتوب على قومه , ولا يمحقهم من الوجود بعدل الجزاء ... وأن يقبل شفاعته فيهم ...فهم عبيده .. ويفعل بهم ما يشاء فأوحى إليه ربه ومولاه , والقى في روعه , وحياً صادقاً يتردد في الكون صداه , يا موسى .. يا موسى .... صاح موسى باكياً .. لبيك يا مولاي .. لبيك ..عبدك وبين يديك ... وعاد الوحي الصادق يتردد في الكون صداه ... يا موسى .. هؤلاء الذين اتخذوا العجل قد أسخطوني ... ولولا أن رحمتي سبقت عضبي , لمحقتهم محقاً ولجعلتهم عبرة للعالمين , يا موسى ... مرهم لكي أتوب عليهم , وينالوا رضاي بعد غضبي , أن يقدموا لي قرباناً من أنفسهم التي سولت لهم عبادة غيري , وتلك الدماء التي ضختها قلوبهم النجسة بمحبة غيري , لابد وأن تسيل على صخور الوادي الذي عكفوا فيه على عبادة غيري ... يا موسى ... وعزتي وجلالي .. لو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم صاروا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .... ولو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم صاروا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد من ملكي شيئاً ... ولكني خلقتهم ليعرفوني ... فإذا عرفوني احبوني ملاء قلوبهم حتى تفيض من عيونهم دموعاً كالمطر يغسل أدرانهم ويمحوا ذنوبهم ... ثم صمت الوحي ... وخلا الوادي من صدى الوحي , وقام موسى عليه السلام راجعاً إلى قومه يبشرهم ويأمرهم بأمر ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ....
وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٥٤
عاد موسى عليه السلام إلى قومه بأمر ربه , ليلقي أليهم بما أوحاه الله تبارك وتعالى إليه بأمر فيه عذابٌ ظاهرٌ ورحمةٍ باطنةٍ , عاد إليهم فوجدهم ملقون أنفسهم إلى الأرض بين شريد وهائم ,وعازب الفكر متحامل , وجدهم آيسون قد أُسقط في أيديهم , ينظرون للسماء من أين يأتيهم العذاب ؟!! .... فنادهم كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام , فاجتمعوا إليه ينظرون إلى حركة شفتيه أتكون مبشرة ً ... ام تحق عليهم كلمة العذاب , وقال يا قومي أما وقد ظلمتم أنفسكم هذا الظلم البين, بتعريضها لمقت الله تبارك وتعالى وسخطه باتخاذكم العجل , والشرك ظلم عظيم وقد قبل رب العالمين تبارك وتعالى شفاعتي فيكم ولكم , وأمرني أن أخبركم أنكم إذا كنتم صادقين في طلب التوبة , وعازمين على تطهير أنفسكم مما سولت لكم , فقدموها قربناً لله تبارك وتعالى , واقتلوا أنفسكم بأنفسكم فتلقوا ربكم شهداء التوبة والإنابة , مغفوراً لكم .... فنظر القوم بعضهم إلى بعض نظر الحائرين ... فلما رأى كليم الله تبارك وتعالى ترددهم .... وأرواحهم قد غارت في أجسامهم ..... وذهب كل أثر للدم في وجههم ... فقام مولياً وجهه عنهم .. وبعد خطوات قليلة إلتفت إليهم , وعيناه تبرق بالوعد وتقذف بالوعيد ! ثم قال لهم كأنه مودعٌ لهم ... وإلا تفعلوا فما أنا عليكم بحفيظ.... ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً..... ثم مضى كليم الله تبارك وتعالى مبتعداً عنهم لينظر ماذا يفعلون , وبعد لحظات قليلة من الصمت الرهيب ... كأنها سنين من الدهر على القوم البائسين .... فقام من بينهم الذين لم يتخذوا العجل معهم , ونهوهم كما نهاهم هارون عليه السلام , قاموا من بينهم .... وتركوا بقية قومهم الذين اتخذوا العجل بائسين حاسرين رؤوسهم .... ورجعوا إلى انفسهم ملومين ... ماذا تنتظرون , إن لم نمت بأيدينا قتلاً لأنفسنا وصرنا شهداء عند الله تبارك وتعالى , هلكنا بعذاب اليم , وصرنا إلى العذاب المقيم ... ثم صاح بعضهم ببعض هلموا إلى الشهادة ... هلموا إلى جنات النعيم ... ثم قاموا إلى بعضهم البعض يتعانقون يودع بعضهم بعضاً باكين ... ثم نظروا ..... وقد أظلتهم غمامة بيضاء يتساقط منها قطرات من ماء عليل , ونظر القوم حولهم وقد أحاط بهم الغمام حتى توارى كل شيء عنهم ... إلا أجسامهم تبدوا كأشباح في ليل بهيم ... ثم استلوا سيوفهم وخناجرهم قاصدين بعضهم بعضاً , مستسلمين للقتل لا يتبارزون ... كلما طعن احدهم أخاه قال غفر الله تبارك وتعالى لك ... وامتلأت الأرض بأجسادهم , وتخضبت الصخور بدمائهم ...ولكن هل تفانوا فلم يبقى منهم أحد , أم تداركهم كليم الله تبارك وتعالى بالعفو من ربهم عمن بقى منهم ... لا ندري ولا نجزم في أمر يحتمل الوجهين .