بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟
 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟


وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٨

فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٥٩

بعد هذه النعمة السابغة , والفضل العظيم من الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله  الرحيم على بني إسرائيل , وعاشوا فترة من الزمان عيشة الملوك المترفين , في ظلٍ ظليل ., وطعام شهي وفير , وشراب حلو المزاق ليس فيه تقطير , بل فيه الشفاء لأسقامهم , ... حتى صحت أجسامهم , وتنّضرت جلودهم .و أسفرت وجوههم عن أثر النعيم , فاخلدوا للراحة مترفين , ولو تُرك القوم على هذه الحالة , لفسدوا فساداً لا يُرجى منه صلاحاً, ولا فلاحاً , ولذلك جاءهم الأمر القدسي ـ ولأول مرة ـ  بالجهاد والقتال في سبيل الله تبارك وتعالى , وفتح هذه القرية الظالم أهلها ووعدهم المزيد من الطعام الرغيد والعيش الهنيء ـ وعداً يتناسب مع قوم تعلقوا بالحياة الدنيا وتعجلوا أمر ربهم  ـ  إن هم قاموا بما أمرو به , عملاً بدخول بابها مططئي  الرؤوس , خاشعين لله تبارك وتعالى , وقولاً ودعاءً محدداً يقولونه عند دخول الباب لتزول عنهم الرهبة والخوف , ويحط عنهم ربهم من ذنوبهم وأوزارهم التي تمكن العدو منهم وللمحسنين منهم فوق ذلك فضلاً عظيماً  ,  ولكنهم نكسو عن تنفيذ الأمر القدسي , وتحيلوا في تغيير القول الذي قيل لهم , وقالوا ما الفائدة في تعريض أنفسنا للموت من أجل الطعام الرغيد , والعيش الهنيء , ونحن لدينا كل ذلك بلا عناء ولا دماء , وقالوا من الأفضل لنا أن نبقى على ما نحن فيه من العبادة والتبتل لله تبارك وتعالى , ونستغفره ونتوب إليه ونحن في عافية والله غفور رحيم , وقالوا هذا ليس بواجبٍ علينا , وإنما دعانا الله تبارك وتعالى إليه إن أردنا المزيد من النعمة , ونحن راضون بما قسم لنا ربنا !!!

وهكذا ... ودائما ً يتم تبديل كلام الله تبارك وتعالى المحكم الواضح بحجة رعاية المصالح والمفاسد , ويبدلونه تبديلاً تحت وطأة التأويل الفاسد , ويعطلونه بحكم الهوى والضرورات التي تبيح المحظورات !!!! والذين يفعلون ذلك ليسوا هم العامة والدهماء , فهؤلاء تبع لحكامهم ولعمائهم , وهذان الصنفان هم بلاء كل الأمم , اذا فسدوا وانحرفوا عن منهج الله تبارك وتعالى , واتباع الناس لهم سبب لكل بلاء ورجز يقع عليهم من السماء بفسوقهم وخروجهم عن منهج الله تبارك وتعالى الواضح الميسر لكل من أراد وجه الله تبارك وتعالى , والدار الآخرة .


الخميس، 10 ديسمبر 2020

آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !

 

آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !
آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !


وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٥٧

ثم تنقلنا الآيات الكريمة لمشهد آخر , متسلسل مع مجموعة المشاهد السابقة في السورة الكريمة , إنها سلسلة النعم والعفو والإحسان المتدفق على بني إسرائيل متربطة مع سلسلة آخرى من الآيات الباهرة العظيمة , ومترابطة مع سلسلة آخرى من الجحود والكفران والتجديف الذي يترافق ويتبع كل نعمة وكل آية باهرة  من هؤلاء القوم الظالمين أنفسهم ,

ويبدو أن القوم شكوا لنبيهم الكريم عليه السلام , الحر الشديد والشمس الحارقة للوجوه والجلود في هذه الصحراء القاحلة , و الجهد الذي يعانونه في البحث عن الصيد في هذه الصحراء , فقد أصابهم الجهد والفاقة , وشكوا إليه بكاء الأطفال من الجوع , وقالوا نحن نصبر على الجوع وقلة الصيد ... ولكن الأطفال لا يصبرون ... فدعا الكليم عليه السلام ربه الرؤوف الرحيم .... وقال هؤلاء عبادك قد أصابهم الجهد والبلاء , ولا غنى لنا عن فضلك وإحسانك , اللهم ارزقنا وأنت خير الرازقين , فما كاد كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام ينتهي من دعائه وثناءه على ربه تبارك وتعالى, حتى ساق إليهم ـ الذي لا يرد دعاء رسله وأنبيائه وعباده الصالحين ـ , غمامة بيضاء جميلة المنظر , محملة ٌ برذاذ من الماء البارد , وظلت تدنو منهم في إنسياب وتموضع وحركة رشيقة محسوبة , تسير معهم حيث ساروا , وتقيم معهم حيث قاموا  !  تدل على قدرة العزيز الجبار جل جلاله وتباركت أسمائه , اللطيف بعباده , وهذه الآية الباهرة ما كانت إلا أول الغيث , ثم جاءهم طيرٌ لا يوجد له نظير في هذه الصحراء , بأعداد كبيرة كحال الطيور المهاجرة في أسراب طويلة , ولأنها مرسلة اليهم قاصدةً إياهم طاعة ً للخالق العظيم سبحانه وتعالى , وغذاءً لذيذاً وطعاماً شهياً لبني إسرائيل , فهي تنزل إليهم مستسلمة للذابحين والطاعمين , كلما جاعوا واحتاجوا للطعام , كما أنزل الله تبارك وتعالى عليهم المن وهو نوع من العسل اللذيذ يعمل كمساعد لهضم طعام الطير الدسم , وملطف للمعدة , ومسهل , وفيه شفاء ٌ لأسقامهم وعللهم الجسدية, فأكل القوم أطيب طعام على وجه الأرض يومئذ أكله بشر, وشربوا من العسل المصفى الذي لا نظير له في الأرض كلها,  حتى شبعوا ورعوا ورتعوا وقد عفو وصحت أجسامهم التي كانت شاحبة ً هزيلة , وأسفرت وجوههم من نضرة النعيم , والظل الظليل الذي يرافقهم حيث كانوا ,...... وحيث كان القوم مشغولون بهذا النعيم والراحة من تعب الكد والسعي لطلب الرزق , وأخلدوا للفراغ ـ إلا قليلاً منهم ـ  كان الكليم عليه السلام مشغولاً بشكر مولاه الحق المبين, وكان يتعاهد قومه بالموعظة بين الحين والحين , حتى لا يبطروا ولا يكفروا نعمة الله تبارك وتعالى عليهم , ويذكرهم بالشكر والعمل لله تبارك وتعالى في الرخاء والعبادة والتقوى , كما ذكرهم الله تبارك وتعالى في شدتهم وبلواهم العظيمة في مصر تحت حكم الطاغية التافه الهزيل , ويذكرهم بـأن النعم تزول وتحول عنهم إذا ما أدوا شكرها, وعندئذ لا يلومون إلا أنفسهم , ولا يظلمون إلا أنفسهم .

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

كيف أخذت الصاعقة بني إسرائيل وهم ينظرون ؟

 

كيف أخذت الصاعقة بني إسرائيل وهم ينظرون ؟


وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥

وهذا الداء الوبيل " التجسد والتصوير والتشبيه" تمكن من بني إسرائيل واشربوه في قلوبهم ! رغم أنهم أولاد نبي كريم , وكان يسوسهم الأنبياء , وأصولهم توحيدية , وهكذا لا يكادون يخرجون من هوةٍ سحيقة , حتى ينحدرون إلى هوة آخرى وبيلة , فبعد أن اتخذوا العجل وعكفوا عليه ـ كوسيط وسبب مصور يقربهم إلى الله تبارك وتعالى زلفى ـ ثم تابوا وأنابوا إلى الله تبارك وتعالى , حتى رجعوا وانتكسوا مرة آخرى بشكل مختلف , ولكنهم هذه المرة أظلم وأطغى , إذ بعد أن جاءهم نبيهم الكليم عليه من الله تبارك وتعالى الصلاة والتسليم ,بالكتاب المنير والفرقان المنفلق من الكتاب , ضجروا من هذه الشريعة المحكمة المبينة الحاكمة لكل ما يختلفون فيه ومنهج يحيط بكل تفاصيل حياتهم , وليس فيه أي مجال للهوى والرغبات النفسية ! لأن الشريعة الموسوية كانت كلها عزيمة وصارمة تتناسب مع قومٍ مُسخت فطرتهم , وانحطت آدميتهم , نتيجة الذل والمهانة التي تعودوا عليها تحت حكم الفراعين ! كما اشربوا عبادة العجل أيضاً عندهم ! .... فالمسافة بعيدة جداً بينهم وبين الفطرة  والإستقامة , والخروج من شرنقة التجسيد والتشبيه , فكأنهم قالوا لموسى عليه السلام لما تضّيق علينا ؟ ولما نفعل هذا , وتحتمه علينا , ولما تحّرم علينا هذا ...ولما ... ولما .. فلما قال لهم نبيهم موسى الكليم عليه السلام , لست أنا من يأمركم وينهاكم , إنما هو إلهاكم الله تبارك وتعالى رب العالمين تبارك وتعالى ربي وبكم , فقالوا ـ  ولبئس ما قالوا ـ إذاً أرنا الله تبارك وتعالى جهرةً يأمرنا بذلك وينهانا عن هذا , ونتلقى منه الشريعة مباشرةً , أو يأمرنا بإتباعك وإتباع كتابك ! وعندئذٍ نؤمن لك ونتبعك !! .... ولا عجب فعندما نتتبع خطاب القوم مع نبيهم الكريم موسى عليه السلام في القرآن الكريم نجد نبرة الشك والريبة واضحة في كلامهم ... وما تخفي صدورهم أكبر !!    ثم ماذا بعد ... لقد أخذتهم الصيحةُ المدوية العاتية ... ولكن ....كيف أخذتهم وهم ينظرون !! 

هؤلاء المنافقين الذين تكلموا بهذه الكلمة ـ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ـ كان يحضر معهم هذا المشهد بعضهم ولكنهم لم يتكلموا بمثل كلمتهم , ولكنهم لم ينكروا عليهم هذا التجديف , لذلك القرآن الكريم يتعامل مع كل الملاء الحاضرين للمشهد من تكلم ومن لم ينكر كجزء واحد وكرجل واحد , لذلك يخاطبهم خطاب واحد " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَٰتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَٰفِقِينَ وَالْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" 140 سورة النساء ... فالذين تكلموا بهذه الكلمة أخدتهم الصاعقة من فورهم , والذين حضروا ولم ينكروا كان عذابهم ونكالهم أن يروا هذا العذاب على الذين تكلموا وجدفوا على بعد خطوات منهم فقط وهم ينظرون لهذه الآية في صعق المجدفين المجترئين على رب العالمين تبارك وتعالى .

ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦

ويبدوا أن قوم موسى عليه السلام شفعوا عنده في هؤلاء المجدفين الموتى , وأخذوا يبكون ويقولون هكذا سيفنى بني إسرائيل فما زال العهد قريب بالمقتلة العظيمة التي حصدت الذين عكفوا على العجل , وهذه مقتلة آخرى !! وهكذا خرجنا من مصر هرباً من الفناء ... وها نحن نفنى في هذه الصحراء بأيدينا !... وخيم الحزن والبؤس على بني إسرائيل ... وسألوا نبيهم الكليم عليه الصلاة والسلام أن يشفع فيهم عند ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,,,عندئذ شعر نبي الله تبارك وتعالى موسي عليه السلام ببؤس حالهم , ورثى لبكائهم , واستجاب لرجائهم ,فقام يسأل مولاه وحسيبه , جل جلاله وتباركت أسمائه , باكياً ذليلاً , يثني عليه ثناء الأنبياء ,ويتوسل إليه توسل أولي العزم من الرسل , فأجاب رب العالمين تبارك وتعالى دعاءه وقبل شفاعته في هؤلاء المجدفين , رحمة منه وفضلاً ,ولعلهم يعرفون نعمة الله تبارك وتعالى عليهم فيشكروا ويستقيموا على منهج الله تبارك وتعالى .


أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

 

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟
                          أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟   

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٥٧ 

الشر المستطير والداء الوبيل الذي أدى إلى تهالك الناس في حمئة الشرك والضلال المبين هو " التجسيم والتجسيد " في عبادة الإله الحق سبحانه وتعالى , وكل الشعوب والأمم الغابرة عبر التاريخ البشري المديد كانت تعرف ... بل وتؤمن بالله جل جلاله وتباركت أسمائه .. وتعلم أنه في السماء في علاء العظمة والكبرياء والقدرة العظيمة , وأنه تعالى الخالق لكل شيء , وهذا الإيمان " بالربوبية " مرتكز في فطرة الخلق أجمعين  وقد أكده وزاده تأكيداً الميثاق الذي أخذه رب العزة جل جلاله وتباركت أسمائه على كل ذرية آدم في الملاء الأعلى عندما خُلق آدم عليه السلام ....... لكن من أين يأتيهم الشيطان ليوقهم في شراكه و حمئة الشرك الوبيلة , من خلال فكرة التجسيد الإلهي ... من خلال وسائط تصلهم وتشفع لهم عند الذات الإلهية المتفرد في العلو والعظمة والكبرياء , وهكذا يبدأ الشيطان اللعين دعوته للناس من بداية الإيمان والإقرار , ثم يستدرجهم بخطوات محسوبة ممنهجة عنده خطوة تتبعها آخرى , حتى تأتي الخطوات أكلها وثمرتها المرجوة , ويُخرج الناس من نور الفطرة والإيمان إلى ظلمات  الجحود والكفران , والشرك الماحق لكل الحسنات , يخاطب الناس خطاب الداعي للإيمان , يلقي في روعهم أن الذات الإلهية المقدسة  مشغولة بنفسها عن البشر لأنهم بالنسبة لها ولعظمتها وقدسيتها  مخلوقات ضئيلة وضيعة , وأنهم لابد لهم من شفعاء ووسطاء لهم المكانة الرفيعة عند الله تبارك وتعالى , ليقوموا بقضاء حوائج الخلق , من خلال التفويض الممنوح لهم والقدرة الموهوبة لهم من الذات الإلهية المشغولة بنفسها و لا وقت لديها للنظر في شئون البشر ...... 

وهكذا ـ ومن خلال هذا العرض المختصر الشديد لخطوات الشيطان ـ يلقي الشيطان بذرته الشيطانية في تربة الجهل والتقليد الأعمى وانحطاط التصور عند البشر , ثم يسقيها بماء الأساطير والخرفات التي يفتريها ويبثها في تصورات البشر ومصادرهم المعرفية , ولأنها نبتة شيطانية فهي تخرج مرة وسيطاً وسبباً في شكل عجل , ومرة تخرجه في شكل بقرة , وآخرى في شكل حجراً مصوراً " صنماً " أو حجر غير متشكل " وثناً" ,و أخرى في شكل قبر ومقام لولي أو حتى لحمار !! حتى عندما دعاهم الشيطان لعبادة الشمس " كوسيط " قوى ونافع وقريب المنزلة من الذات الإلهية ,أو الملائكة الذين جعلوهم بنات للذات الإلهية , أو الكواكب والنجوم في السماء ,  صّور لهم صوراً لها لتكون في معابدهم  , في الأرض !!  ولابد أن تكون في الأرض ...!! وهكذا........  حتى لا يرفع الإنسان بصره للسماء أبداً , ولا يتجه إليها أبداً في سؤال حاجاته ودفع بلائه !!  رغم اعترافهم وإقرارهم بان هؤلاء جميعاً من خلق الإله الحق العظيم المتفرد في علاه ـ وهى عندهم ذات الهيه مقدسة مشغولة بنفسها عن البشرـ  وقد لا تكون مبالغةً وشططاً , اذا قلت إن الشيطان يتخذُ منهجاً في غواية البشر ذو نسق وترتيب وخطوات مدروسة تتناسب مع الزمان والمكان وطبيعة الناس فيهما , بل ويضع منهجاً للناس مضاهي لمنهج الله تبارك وتعالى , بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم !! فما من  أمرٍلله تبارك وتعالى بداية من التوحيد وإخلاص الدين لله تبارك وتعالى حتى إماطة الأذى عن الطريق , إلا وجعل الشيطان اللعين له أمر مضاهياً ولكن بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم , كما أن أوامر الله تبارك وتعالى صدق وعدل واستقامة ونور شفاء .


الاثنين، 7 ديسمبر 2020

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم

 

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم
محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم 


عاد موسى بمعونة ربه جل جلاله وتباركت أسمائه إلى قومه , فاسقط في يده من هول ما رآه ,,,, وجد قومه عاكفون على العجل !!...... بعد كل هذه الآيات .... بعد كل هذه الإنعامات والتكريم , يعكفون على عجل القوم الكافرين الذين ساموهم سوء العذاب , فاشتد غضب نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , وكاد يبطش بأخيه هارون عليه السلام ,. ولو فعل لقتله ...! ولكن الله تبارك وتعالى عصمه وقوّاه على تحمل الأمر المشين غاية الشنآن ! فجمع  قومه أجمعين , ثم  قام فيهم خطيباً , منكسراً ذليلاً لمولاه , باكياً بالدمع السكيب كأنه المطر بلل ثوبه الخشن وفاض إلى قدماه , معتذراً للرب الحليم العظيم , مما كان من قومه إذ دنسوا الماء والهواء والأرض واسماك البحر بشرك عظيم جسيم .. كيف ينساه ؟!

 خاطبهم وصاح فيهم صيحة جلجلت بهم الأرض , وتردد في الأفق صداه , ياأيها الناس ما الذي غركم بالله جل جلاله وتباركت أسمائه , منذ قليل كنتم تمشون على الماء خاشعين لله تبارك وتعالى , ورأيتم بأس الله تبارك وتعالى بالقوم الكافرين , ثم  إلى ماذا صرتم  اليوم ... في وحل الشرك وحمئة الضلال , مالكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً , مالكم اخلفتم عهدي معكم , يصيح بهم مالكم  ويبكي ثم يبكي ,,. حتى جثى القوم على ركبهم باكين منكسي رءوسهم  , ومنهم من حمل التراب يهله على رأسه ووجهه , ونادوا نبي الله تبارك وتعالى , هل لنا من توبة , يارب هدنا إليك, فهب لنا توبة تطهرنا من آثامنا , يارب ظلمنا أنفسنا , وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين , ... فلما رأى نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , ذلك من قومه , أعرض عنهم بوجهه , وغاب عنهم بجسده المتعثر في حجارة الوادي , يتكأ على عصاه وما تكاد تحمله من ثقل همه وعظيم حزنه على حق مولاه الحق المبين ... كيف هان على قومه  ... رب العالمين تبارك وتعالى ... ؟!!! 

ثم جثى على ركبتيه والليل يطويه عن قومه , ولا يسمعون إلا صوت شاحب متهدج بالنحيب والبكاء , رافعاً يديه إلى السماء , يسأل مولاه وليس له مولاً سواه , أن يتوب على قومه , ولا يمحقهم من الوجود بعدل الجزاء ... وأن يقبل شفاعته فيهم ...فهم عبيده .. ويفعل بهم ما يشاء  فأوحى إليه ربه ومولاه , والقى في روعه , وحياً صادقاً يتردد في الكون صداه , يا موسى .. يا موسى .... صاح موسى باكياً .. لبيك يا مولاي .. لبيك ..عبدك وبين يديك ... وعاد الوحي الصادق يتردد في الكون صداه ... يا موسى .. هؤلاء الذين اتخذوا العجل قد أسخطوني ... ولولا أن رحمتي سبقت عضبي , لمحقتهم محقاً ولجعلتهم عبرة للعالمين  , يا موسى ... مرهم  لكي أتوب عليهم , وينالوا رضاي بعد غضبي , أن يقدموا لي قرباناً من أنفسهم التي سولت لهم عبادة غيري , وتلك الدماء التي ضختها قلوبهم النجسة بمحبة غيري , لابد وأن تسيل على صخور الوادي الذي عكفوا فيه على عبادة غيري ... يا موسى ... وعزتي وجلالي .. لو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم صاروا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .... ولو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم  صاروا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد من ملكي شيئاً ... ولكني خلقتهم ليعرفوني ... فإذا عرفوني احبوني ملاء قلوبهم حتى تفيض من عيونهم دموعاً كالمطر يغسل أدرانهم ويمحوا ذنوبهم ... ثم صمت الوحي ... وخلا الوادي من صدى الوحي , وقام موسى عليه السلام  راجعاً إلى قومه يبشرهم ويأمرهم بأمر ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ....  

وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ  ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٥٤

عاد موسى عليه السلام إلى قومه بأمر ربه , ليلقي أليهم بما أوحاه الله تبارك وتعالى إليه بأمر فيه عذابٌ ظاهرٌ ورحمةٍ باطنةٍ , عاد إليهم فوجدهم ملقون أنفسهم إلى الأرض بين شريد وهائم ,وعازب الفكر متحامل , وجدهم آيسون قد أُسقط في أيديهم , ينظرون للسماء من أين يأتيهم العذاب ؟!! .... فنادهم كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام , فاجتمعوا إليه ينظرون إلى حركة شفتيه أتكون مبشرة ً ... ام تحق عليهم كلمة العذاب , وقال يا قومي أما وقد ظلمتم أنفسكم هذا الظلم البين, بتعريضها لمقت الله تبارك وتعالى وسخطه باتخاذكم  العجل , والشرك ظلم عظيم وقد قبل رب العالمين تبارك وتعالى شفاعتي فيكم ولكم , وأمرني أن أخبركم أنكم إذا كنتم صادقين في طلب التوبة , وعازمين على تطهير أنفسكم مما سولت لكم , فقدموها قربناً لله تبارك وتعالى , واقتلوا أنفسكم بأنفسكم فتلقوا ربكم شهداء التوبة والإنابة , مغفوراً لكم .... فنظر القوم بعضهم  إلى بعض نظر الحائرين ... فلما رأى كليم الله تبارك وتعالى ترددهم  .... وأرواحهم قد غارت في أجسامهم .....  وذهب كل أثر للدم في وجههم ... فقام مولياً وجهه عنهم .. وبعد خطوات قليلة إلتفت إليهم , وعيناه تبرق بالوعد وتقذف بالوعيد ! ثم قال لهم كأنه مودعٌ لهم ... وإلا تفعلوا فما أنا عليكم بحفيظ.... ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً..... ثم مضى كليم الله تبارك وتعالى مبتعداً عنهم لينظر ماذا يفعلون , وبعد لحظات قليلة من الصمت الرهيب ... كأنها سنين من الدهر على القوم البائسين .... فقام من بينهم الذين لم يتخذوا العجل معهم , ونهوهم كما نهاهم هارون عليه السلام , قاموا من بينهم .... وتركوا بقية قومهم الذين اتخذوا العجل بائسين حاسرين رؤوسهم  .... ورجعوا إلى انفسهم ملومين ... ماذا تنتظرون , إن لم نمت بأيدينا قتلاً لأنفسنا وصرنا شهداء عند الله تبارك وتعالى , هلكنا بعذاب اليم , وصرنا إلى العذاب المقيم  ... ثم صاح بعضهم ببعض هلموا إلى الشهادة ... هلموا إلى جنات النعيم ... ثم قاموا إلى بعضهم البعض  يتعانقون  يودع بعضهم بعضاً باكين  ... ثم نظروا ..... وقد أظلتهم غمامة بيضاء يتساقط منها قطرات من ماء عليل ,  ونظر القوم حولهم وقد أحاط بهم الغمام حتى توارى كل شيء عنهم ... إلا أجسامهم تبدوا كأشباح في ليل بهيم ... ثم استلوا سيوفهم وخناجرهم  قاصدين بعضهم بعضاً , مستسلمين للقتل لا يتبارزون ... كلما طعن احدهم أخاه  قال غفر الله تبارك وتعالى لك ... وامتلأت الأرض بأجسادهم , وتخضبت الصخور بدمائهم ...ولكن هل تفانوا فلم يبقى منهم أحد , أم تداركهم كليم الله تبارك وتعالى بالعفو من ربهم عمن بقى منهم ... لا ندري ولا نجزم في أمر يحتمل الوجهين .


كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

 

كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟
كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

عاد موسى عليه الصلاة والسلام من لقاء ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ومواعدته , عاد معه الكتاب والمنهج الشامل لكل شيء يحتاج إليه بني إسرائيل لتستقيم حياتهم على الفطرة وفق منهج الله تبارك وتعالى , كما عاد ومعه الفرقان وهو الروح الكاشفة والنور النافذ الفالق لكل الأسماء والصور فتكشف حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , ليخرج بني إسرائيل من الظلمات إلى النور بإذن الله تبارك وتعالى , وبهداية الكتاب والفرقان اللذان آتاهما له مولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه , عاد موسى عليه السلام مملوءً بروح القدس , وهيبة الحق, وجلال الوعد ,..... ثم ماذا بعد .... ينبغي أن نمسك عن محاولة الوصف.....! وكيف يمكن أن نصف من عاد للتو من مواعدة الرب , وسماع كلام من يقول للشيء كن فيكون ؟! كيف ....؟ بأي حروف وكلمات وجمل ....؟ كيف .....؟ وهل نستطيع ....؟ هل نطيق ذلك حقاً....؟ 

تنكسر الأقلام ... وتطيش العقول والأفهام .... وتسجد الحروف والكلمات والجمل ...... هذا أقل تصور لما يمكن حدوثه لو حاولنا .... مجرد محاولة!!!!

وأقسم بالله العظيم غير مستثنىً لا أدري كيف عاد موسى عليه من الله تبارك وتعالى الصلاة والسلام ؟!...... كيف عاد للدنيا مرة ً آخرى ؟!..  كيف تحمل الخروج من غمام الهيبة القدسية ؟!..... كيف تحمل قلبه ولم يتوقف نبضه , عند سماع الكلمة الأخيرة من رب العالمين تبارك وتعالى  ..ثم ...... ثم .... ... ثم ينتهي الوقت المحدد , وينتهي السماع .... ويفقد الأُنس , يهبط فجاءة من العلا إلي الأرض ! في سرعة البرق !  وهل تظن أن موسى عليه السلام عاد من نفسه  وبنفسه إلى نفسه ؟!.... والله وتالله ما عاد نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام إلا بإمر ربه له ... وقد أقامه في نفسه مرة أخرى , وقواه وأعانه وأمضاه ليعود لقومه مرة أخرى , ولولا ذلك ما إستطاع العودة وما حملته رجلاه ..,, 


الأحد، 6 ديسمبر 2020

هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟

 


هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟
هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟


وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ٥٣

ولما ذهب موسى عليه السلام للقاء ربه , تتابعت عليه وعلى بني إسرائيل أنعم الله تبارك وتعالى , وآتاه المنهج الرباني المفصل , والفارق بين الحق والباطل , وليخرجهم من ظلمات الشرك والضلال الذي كانوا فيه مع القبط المصريين , والله جل جلاله وتباركت أسمائه لا يترك الناس في الحياة الدنيا حيث الامتحان والإختبار الذي خلقوا من أجله , لا يتركهم من غير منهج مفصّل وميسر لكل البشر , ليتذكروا العهد والميثاق الأول الذى واثقوه مع رب العالمين تبارك وتعالى ,ويهتدوا إلى الحق المبين والصراط المستقيم , وبهذا تمت كلمات ربنا تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً , وتمت حجة الله تبارك وتعالى على العالمين, فلا حجة لأحد على الله تبارك وتعالى بعد هذا , وأصبحت كل نفس ٍ بما كسبت رهينة . والآية الكريمة جمعت بين الكتاب والفرقان بواو عطف بينهما وهما معرفان , وواو العطف والتعريف يقتضى عدم المثلية والمطابقة بينهما , بأن يكون الكتاب هو هو الفرقان , والفرقان هو هو الكتاب , وكذلك واو العطف والتعريف لا يتوافق مع تفسير الفرقان في الآية الكريمة بأنه مجرد صفة ً للكتاب , كما ورد في كتب التفسير ! ومما لا أشك فيه أن الكتاب يحتوي على الفرقان والميزان والحق بحذافيره والهدى والتنوير, ولكن الفرقان في الآية الكريمة جاء معطوفاً على الكتاب ومعرفاً ؟! وهذا يقتضى تغايراً في الدلالة , وأن بينهما علاقة خصوص وعموم وشمول , لقد وجدنا في القرآن الكريم  الكتاب " التوراة " يختص بموسى عليه السلام , بينما يشترك معه أخاه هارون عليه السلام في الفرقان , قال تعالى :  " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٨" سورة الأنبياء  , ففي هذه الآية الكريمة لا يمكننا أن نقول أن الفرقان هو هو نفس الكتاب , لأن الكتاب أختص به موسى عليه السلام ,  كما وجدنا الفرقان ينفصل عن الكتاب في الذكر وفي التنزيل قال تعالى :" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا" 1 سورة الفرقان , وفي هذه الآية الكريمة ورد ذكر الفرقان مستقلاً بصيغة التنزيل , وهذا يقتضى أن الفرقان هنا هو الكتاب الذي نزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو القرآن الكريم , ولكن ... لماذا ذُ كر وسمى بالفرقان هنا في الآية الكريمة  ولم يذكر بالكتاب أو القرآن الكريم كما في كثير من الآيات الكريمة ؟ ألا يقتضي ذلك زيادة في المعنى ؟

وقد ذكر الفرقان أيضا مستقلاً في الإنزال مقترناً بنزول الكتب السماوية الثلاث القرآن الكريم والتوراة والإنجيل, قال الله تبارك وتعالى :    

" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَىٰةَ وَالْإِنجِيلَ  3  مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِءَايَٰتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" 4 سورة آل عمران , ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم والتوراة والإنجيل كلها فرقاناً يفرق بين الحق والباطل , ولكن إستقلال الفرقان في الآية الكريمة بالنزول بعد إنزال الكتب السماوية الثلاث , يعني معنىً زائداً وتابعاً للكتاب , لأن الفرقان يأتي بعد الكتاب في الذكر والتنزيل , ... وبعد هذه الرحلة القصيرة في آيات القرآن الكريم حول العلاقة بين الكتاب والفرقان  , أقول مستعيناً  بمولاي الحق المبين ورب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه , وهو حسبي ونعم الوكيل , الذي يبدو لي والله تعالى اعلم أن الكتب السماوية المنزلة من عند الله تبارك وتعالى , وخصوصاً القرآن الكريم , ليست حروف وكلمات جافة مرصوصة بين دفتي الكتاب , وإن كانت كذلك في ظاهرها , ولكن لها روحاً عظيمة مهيمنة على سائر الأرواح , ينبثق منها نوراً نافذا ً ثاقباَ يفلق صور  الأشياء فيكشف عن حقيقتها , ويفلق الكلام فيكشف حقيقته ومعناه , روحاً قوية نافذه تفلق كل ظواهر الصور والأسماء , وكل ما يتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وآثارها وهيئة تمثلها بهذه الحياة الدنيا التي تخَفَى فيها حقائق الأشياء وجواهر المعاني والأفكار تحت ركام الزينة التي تتحلى بها الحياة الدنيا لتخفي حقيقتها التافهه  , وتتوارى تلك الحقائق والجواهر خلف أستار ساحات اللعب واللهو والشهوات ,التي يرتع فيها الناس ! 

إذاً كلمات الله تبارك وتعالى لها سلطان قاهر تحيط بالخلق أجمعين إحاطة علو ونفاذ وهيمنة لا يجاوزها برٌ ولا فاجر, كما أن لها فرقاناً نافذا فالقاً للصور والأسماء كاشفاً لحقائقها وجوهرها الفذ كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى , وهذا الفرقان لخواص الخلق , كلٌ حسب درجته في سلم الولاية والقرب من الله تبارك وتعالى , فقد آتاه الله تبارك وتعالى لأنبيائه ورسله بنصيب وافر وحظ عظيم , وخصوصاً الرسل الكرام أصحاب الكتب السماوية والصحف كذلك , لأن الفرقان روحٌ متعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وينبثق منها في أنحاء الوجود نوراً ثاقباً نافذاً يكشف معاني كلمات الله تبارك وتعالى كما هي حياتها وحركتها بيننا في الحياة الدنيا , بقدر ما تحتمله تصوراتنا وقلوبنا  , ولكنها يوم القيامة تكشف عن الحقائق المطلقة الكاملة التامة لكلمات الله تبارك وتعالى , كما هي علم الله تبارك وتعالى , وهذا هو الوعد الصادق الذي وعدنا الله تبارك وتعالى إياه يوم القيامة , أن يكشف لنا عن تأويل حقائق القرآن الكريم المطلقة كما هي في علم الله تبارك وتعالى , ولا يعلمها ولا يكشفها الله تبارك وتعالى , قال جل جلاله وتباركت أسمائه "  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّٰسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَٰبِ " 7 آل عمران  , ثم يوم القيامة يأتي الوعد الحق المبين  :" هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ"  53سورة الأعراف .

وهذه الروح النافذة الفالقة التي تسمى في كتاب الله تبارك وتعالى " الفرقان" تمت واكتملت بتمام كلمات الله تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً بنزول كلمته الأخيرة  للعالمين من المكلفين من الإنس والجن " القرآن الكريم "  قال تعالى " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "115 سورة الأنعام , ولذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , كان له الحظ الأوفر والأتم والأكمل من هذه الروح والفرقان , فقد نزّل الله تبارك وتعالى الفرقان عليه تنزّيلا كما نزّل القرآن الكريم تنزّيلاً , وبثه في روعه  صلى الله عليه وسلم  وحياً  ولم يكن له بصورة الإيتاء كما آتاه الله تبارك وتعالى موسى وهارون عليهما السلام , قال الله تبارك وتعالى " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا 1 سورة الفرقان  وقال تعالى "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَٰبُ وَلَا الْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ" 52 سورة الشورى

وهذه الآية الكريمة من سورة الشورى تكشف لنا هذا المعنى الجليل لهذه الروح الفرقانية , وهى ضرورية ولازمة لكل رسول له كتاب من الله تبارك وتعالى يحتوي كلمات الله تبارك وتعالى , لأنها كاشفة ومبينة لحقائق المعاني المتعلقة بكلمات الله تبارك وتعالى وهيئة تصورها في الواقع  وكاشفة لكل مفردات الصور والأسماء التي تحيط بنا ـ والنفس البشرية جزء منها ـ 

فهذه الروح الفرقانية الفالقة الكاشفة التي أوحها الله تبارك وتعالى للرسول محمد صلى الله علية وسلم  ونفثها في روعه , كشفت له حقائق معانى الكتاب وجوهر الحق المشع في الوجود كله من كلمات الله تبارك وتعالى ونفوذها وفلقها لكل الأسماء والصور لتكشف عن حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , كما فلقت له الأسماء والعبارات الدالة على الإسلام والإيمان وكشفت له حقائقها كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى  وكذلك أتباع الرسل الكرام والمقتدين بهم , المتمسكون بكتاب الله تبارك وتعالى , المؤمنون بكلمات الله تبارك وتعالى , الموقنون بتمامها وكمالها وعزتها وعلوها على كل ما سواها , واستغنائها عن كل ما سواها وافتقار كل ما سواها إليها , وكفايتها وصدقها وعدلها ونورها التام النافذ الفالق لكل الأسماء والصور كاشفاً لحقيقتها في كلمات الله تبارك وتعالى , هؤلاء لهم نصيب من هذه الروح بحسب دراجاتهم في سلم الولاية والتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى , والتسليم المطلق لها , فيجعل الله تبارك وتعالى لهم سبباً يدنيهم من فِنائها ويضربون بخيامهم حول سورها العظيم . 

قال تعالى" يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّءَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " 29 سورة الأنفال 

نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم أن يجعلنا حبلاً أو وتداً في إحدى خيامهم فيصيبنا من رذاذ صيبها ,أو وميضاً من نورها الكاشف . 

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة