![]() |
هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟ |
,
إن القرآن الكريم له عمق حركي مصور على شاشة كونية عملاقة , ليس للتاريخ وقصصه فحسب ـ وإن كان هذا الجانب أكثر ظهوراً وأشد وضوحاً ـ ولكن أيضاً لكل موضوعات القرآن الكريم ومحاوره, خصوصاً مشاهد يوم القيامة , كما نجد عرضاً مصوراً لأعماق النفس البشرية وأغوارها ـ وهذه المشاهد أعمقها وأبعدها عن عامة الناظرين في القرآن الكريم, إلا خواص المتدبرين , نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم ...والعرض المصور في الآية الكريمة التي معنا نرى فيه أعمال السخرة التي فرضت على شعب إسرائيل, نجدها ونرها أعمال شاقة ومريرة تم سوقهم أليها سوقاً عنيفاً مهيناً بشوكة السلطة الغاشمة وتعاون الشعب الخانع من القبط المصريين ـ وهذا ديدنهم منذ ذلك الحين ـ والعمل المستمر بلا أي مقابل مادي أو حتي معنوي, لا غذاء يكفي الأجساد المهزولة من هذا العناء, ولا علاج لأمراضهم المستعصية نتيجة الظروف القاسية التي أحاطت بهم , ترحيل قسري لأماكن العمل المصطنعة خصيصاً لشعب إسرائيل وشتات عن الأهل والأولاد, ... ورغم كل ذلك لما لم يغني هذا عنهم شيئاً في إفناء بني إسرائيل والخلاص منهم بالسرعة المطلوبة , شرعوا في توسيع رقعة العذاب وإدخال فئات أخري في حمئة الحقد اللعين, فتوصلوا إلى أن أسرع طريقة لإفناء هؤلاء المستضعفين هو عبر قطع نسلهم تماماً بلا رحمة , وكأنهم في حمئة حقدهم المجنون صاروا وحوشاً قدت قلوبهم من حديد ! فهم يذبحون أبناء شعب إسرائيل ـ بنين وبنات ـ كما يذبحون الخراف والشياه , وهذه جرائم يندى لها جبين البشرية , ووصمة عار لكل من عاصر وحضر أو حتي سمع بهذه المثلات ولم يتبرأ ويخجل منها ,
أما القول بأن التذبيح كان للبنين فقط دون الإناث , فهذا تخصيص للمعنى دون دليل , لأن كلمة "أبناءكم " تشمل البنين والبنات يعبر بها القرآن الكريم عنهما معاً وأحياناً يعبر بها عن البنين فقط , وأحياناً آخرى عن البنات , وإستحياء النساء الوارد في الآية الكريمة ليس معناها البنات , وكيف تسمى الوليدة الرضيعة حديثة الولادة امرأة ومن النساء !!, ولو سرنا مع هذا التفسير لضللنا ضلال بعيدا, إذ أننا سنسقط كل أحكام النساء الواردة في القرآن الكريم على البنات الرضيعة والأطفال ! والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وهذا المعني والتفسير أقرب لروح هذه المأساة, والهدف المنشود من ورائها, فهو بالمفهوم الحديث " تطهير عرقي " ومحاولة إفناء شعب وأمة, وإستحياء النساء المصور في هذه المشاهد, المفعمة بالأسى والأنين , فهو غاية العناء ونهاية الليل المظلم البهيم , الذى احتوي شعب إسرائيل , واللهيب الذي اكتوت منه أفئدة هؤلاء المستضعفين , وأفنت ما بقي لديهم من كرامة وماءاً في الوجه الكالح الحزين , إن إيقاع الأذى والمهانة بالنساء شيمة كل لئيم عارٍ من كل الفضائل حقير وذميم , فما بالك بما نراه في هذه المشاهد المفجعة المصورة من خلال شاشة القرآن الكريم الكونية نساء من ذوات الخدور , وأرباب الحجاب , وعنوان العفة والفضيلة يساقونهم اللئام المجرمين للخدمة في بيوت العتاة من حاشية فرعون وباطنته والملاء من القوم المجرمين , وما يصاحب هذا السوق من مهازل يندى لها الجبين , وانتهاك لحيائهن , وذبح لعفتهن يضاهي ذبح الأبناء والبنين , هؤلاء الطغاة اللئام يستحيون نساء الشعب العريق في النسب , كريم الأصل , نجباء الخصيلة , طاهرةً دمائهم من كل نطفة آثمةً وبيلةً
وقد كان ذلك إبتلاء وإختبار من الله تبارك وتعالى لشعب بني إسرائيل , وهي سنة الله تبارك وتعالى فيمن يريد تطهيرهم وإصطفائهم على العالمين , والتمكين لهم في الأرض , دعاة للحق مخلصين , ولا يفسدوا في الأرض متجبرين , وتأتي النجاة بعد الغرق في حمئة العذاب المهين , ويأتي الخلاص الموعود به في الكتاب الأول من ربقة الإستعباد , وعودتهم للحياة من جديد , وكيف يمكن لفئةٍ من الناس تعرضت لكل هذا الهلاك المحقق مادياً ومعنوياً , ثم ينجوا ويتخلص ويتعافى , ثم .... يعود للحياة الكريمة من جديد ! ... إنها قدرة الله تبارك وتعالى القاهرة لكل الظروف والأسباب ومكر الطغاة المجرمين ,إنها رحمة الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله البر الرحيم , تداركت شعب إسرائيل , وجعلتهم فوق الطغاة المجرمين , والبلاء المذكور في الآية الكريمة يعنى ويتضمن الاختبار من ناحية العذاب على بني إسرائيل , ويعنى كذلك النعمة العظيمة الوافرة الجسمية التي كانت في إنجاء بني إسرائيل , فهو بلاء عظيم من ناحية ونعمة عظيمة من ناحية آخرى في التطهير والإرتقاء للذرية التي تركت ما كان عليه أسلافهم من التوحيد إلى الوثنية والتنديد , وما كان لهم ذلك أبداً ولا يليق بأولاد الأنبياء ذوات النسب الكريم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق