الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل |
وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50
بعد خروج بني إسرائيل من مصر تبعاً لخطة مسبقة يرعاها رب العالمين تبارك وتعالى ويقوم على تنفيذها وقيادة بني إسرائيل في كل مراحلها نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام الذي من الله تبارك وتعالى به على بني إسرائيل ونجاهم به من العذاب المهين , وهذا الخروج والإنسلال من بين براثن ظلوم غشوم كفرعون , الذى حول مصر كلها في زمنه الغابر البئيس إلي عيون وجواسيس بعضهم على بعض , وتسليط بعضهم على بعض ولولا ذلك ما تمكن فرعون الظلوم الغشوم القصير الهزيل ,من حكم مصر وهي بلد ذات وزن جغرافي وتاريخي عميق , لذلك لم يكن هذا الخروج والإنسلال هيناً سهلاً , بدلالة كلمة " نجّيناكم " بالتشديد في الآية الكريمة السابقة معنا , فهذه الكلمة القرآنية التي تصور لنا مشاهد التخطيط والإعداد والترتيب وتقسيم الأدوار وتحديد المراحل الزمانية , وفوق كل ذلك وقبله إخلاص العبودية لله تبارك وتعالى , والتضرع واللجوء إليه سبحانه وتعالى , وصدق التوكل على الله تبارك وتعالى , وتسليم الأمر إليه , والأخذ بأسباب الحيطة والحذر التام , فإن الجدران في مصر يومئذ لها آذان ! ..... لقد تم كتم الأنفاس خلال فترة الإعداد لهذا الخروج والإنسلال ! وتمت كلمة الله تبارك وتعالى الحسنى على بني إسرائيل ونجحت خطة الخروج والإنسلال أيمّا نجاح , وكانت الفرحة والبهجة والسرور تبدو على وجوه القوم دموعاً تنهمر , وأصوات شاحبة من العناء والجهد تتبادل التحية وبث الأمل وتثبيت القلوب حتى يتم الإنسلال تماماً من شرنقة الموت المحقق لو فشلت الخطة , وانكشف أمرها ...... وهذه بعض من المشاهد المصورة التي تعرضها لنا الشاشة القرآنية الكونية من خلال الكلمة المصورة " نجّيناكم "
وفي هذه الآية الكريمة نجد المشاهد المصورة المتممة لمشاهد الخروج والإنسلال , وهي مشاهد مصورة لمعجزة رهيبة , وآية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى ..... لقد اسقط في يدي بني إسرائيل عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة البحر الهادر العميق , الذي لم يكن له أي حساب في خطة الخلاص والإنسلال ! كيف النجاة ؟! وما السبيل ؟! ولماذا لم يكن له حسباناً في الخطة المحكمة التي نجحت بشكل باهر حتي هذه اللحظة البائسة التي ضاعت فيها الثقة , وغابت فيها الفرحة التي مازالت في مهدها , وانقطعت الآمال مع انقطاع الأرض من تحت أقدامهم بسبب البحر , فقد اصبحوا مسجونين خلف هذا الحاجز المائي , ويالا لقوة الصدمة , وعمق الحسرة , وفداحة الخطب لما رأى بني إسرائيل الجيش العرمرم للفرعون , والغبار الذي سد أفق السماء من بعيد من كثافة جيش الفرعون وسرعته في الطلب , وحرصه على الغنيمة التي أصبحت على مرمى البصر !
ولكن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام كان له شأنٌ آخر, لقد كان على موعدٍ مع البحر! , لكنه لم يخبر بني إسرائيل بذلك لأسباب قد تكون متعلقة بالخطة وسلامتها وسريتها , وقد يكون بأمر من الله تبارك وتعالى أن تكون الخطة المعلومة لبني إسرائيل على قدر حدود البر , ولا وجود لأي سبب مادي للعبور والخلاص للناحية الأخرى من البحر , وفي ذلك من الحكم العظيمة الباهرة لتدبير الله تبارك وتعالى لهذا الأمر مالا تحيط به العبارة , ولا تطيقه أفهامنا وتصوراتنا المحدودة !
كان كليم الله تبارك وتعالى على موعد مع البحر الهادر العميق, وكان البحر على موعدٍ مع كليم الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام وقومه ! ....لقد كان في إنتظارهم !! لقد كان يرقبهم من بعيد , ويدعو الله تبارك وتعالى أن يسلمهم ويحفظهم حتي يصلوا إليه ويحلوا ضيوفاً كراماً عليه!
وقد أعد عدته وأخذ كامل إستعداداته لتسليم أمانته وعهدته وهم بني إسرائيل كلهم , بكامل متاعهم وأغراضهم إلى صاحبه " البر " من الناحية الأخرى , ليس هذا فحسب أيها الناظر لهذا المشهد الرهيب ,, ولكن دقق النظر جيداً , هذا البحر العجيب نراه في ترقبه لبني إسرائيل في مرمى الأفق البعيد نراه خاشعاً ومستبشراً بوجه حسن ٍ جميل , وعندما ينظر ناحية فرعون الذميم وجيشه العرمرم في أقصى الشرق , نراه بوجه غير الوجه , غاضب ٌ قد احتدت ملامحه , واشتد نظره وصوبه لهؤلاء القوم المجرمين , وينتظرهم إنتظار الهيم للماء البارد , وقد شكر لربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,أن أذن له في حيازة شرف إبادة هذا الكافر العنيد وجيشه وعتاده أجمعين , لقد سجد البحر شكراً لله تبارك وتعالى على هذه النعمة , أن ينتقم لله تبارك وتعالى أولاً , ثم لهؤلاء المساكين من عباد الله تبارك وتعالى من هؤلاء القوم المجرمين , لكنه أُمر بأمر قدسي علويٍ حكيم , أن يلقي بجثة فرعون,ـ هذا القزم الهزيل , المنتفخ الذميم ـ , إلى صاحبه البر من ناحية مصر , ليكون عبرةً ومثلاً للأولين والآخرين , وآية باقية لكل هزيل منتفخ ذميم مثله !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق