بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟
 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟


وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٨

فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٥٩

بعد هذه النعمة السابغة , والفضل العظيم من الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله  الرحيم على بني إسرائيل , وعاشوا فترة من الزمان عيشة الملوك المترفين , في ظلٍ ظليل ., وطعام شهي وفير , وشراب حلو المزاق ليس فيه تقطير , بل فيه الشفاء لأسقامهم , ... حتى صحت أجسامهم , وتنّضرت جلودهم .و أسفرت وجوههم عن أثر النعيم , فاخلدوا للراحة مترفين , ولو تُرك القوم على هذه الحالة , لفسدوا فساداً لا يُرجى منه صلاحاً, ولا فلاحاً , ولذلك جاءهم الأمر القدسي ـ ولأول مرة ـ  بالجهاد والقتال في سبيل الله تبارك وتعالى , وفتح هذه القرية الظالم أهلها ووعدهم المزيد من الطعام الرغيد والعيش الهنيء ـ وعداً يتناسب مع قوم تعلقوا بالحياة الدنيا وتعجلوا أمر ربهم  ـ  إن هم قاموا بما أمرو به , عملاً بدخول بابها مططئي  الرؤوس , خاشعين لله تبارك وتعالى , وقولاً ودعاءً محدداً يقولونه عند دخول الباب لتزول عنهم الرهبة والخوف , ويحط عنهم ربهم من ذنوبهم وأوزارهم التي تمكن العدو منهم وللمحسنين منهم فوق ذلك فضلاً عظيماً  ,  ولكنهم نكسو عن تنفيذ الأمر القدسي , وتحيلوا في تغيير القول الذي قيل لهم , وقالوا ما الفائدة في تعريض أنفسنا للموت من أجل الطعام الرغيد , والعيش الهنيء , ونحن لدينا كل ذلك بلا عناء ولا دماء , وقالوا من الأفضل لنا أن نبقى على ما نحن فيه من العبادة والتبتل لله تبارك وتعالى , ونستغفره ونتوب إليه ونحن في عافية والله غفور رحيم , وقالوا هذا ليس بواجبٍ علينا , وإنما دعانا الله تبارك وتعالى إليه إن أردنا المزيد من النعمة , ونحن راضون بما قسم لنا ربنا !!!

وهكذا ... ودائما ً يتم تبديل كلام الله تبارك وتعالى المحكم الواضح بحجة رعاية المصالح والمفاسد , ويبدلونه تبديلاً تحت وطأة التأويل الفاسد , ويعطلونه بحكم الهوى والضرورات التي تبيح المحظورات !!!! والذين يفعلون ذلك ليسوا هم العامة والدهماء , فهؤلاء تبع لحكامهم ولعمائهم , وهذان الصنفان هم بلاء كل الأمم , اذا فسدوا وانحرفوا عن منهج الله تبارك وتعالى , واتباع الناس لهم سبب لكل بلاء ورجز يقع عليهم من السماء بفسوقهم وخروجهم عن منهج الله تبارك وتعالى الواضح الميسر لكل من أراد وجه الله تبارك وتعالى , والدار الآخرة .


الخميس، 10 ديسمبر 2020

آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !

 

آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !
آيات الغمام والمن والسلوى التي كفر بها بنو إسرائيل !


وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٥٧

ثم تنقلنا الآيات الكريمة لمشهد آخر , متسلسل مع مجموعة المشاهد السابقة في السورة الكريمة , إنها سلسلة النعم والعفو والإحسان المتدفق على بني إسرائيل متربطة مع سلسلة آخرى من الآيات الباهرة العظيمة , ومترابطة مع سلسلة آخرى من الجحود والكفران والتجديف الذي يترافق ويتبع كل نعمة وكل آية باهرة  من هؤلاء القوم الظالمين أنفسهم ,

ويبدو أن القوم شكوا لنبيهم الكريم عليه السلام , الحر الشديد والشمس الحارقة للوجوه والجلود في هذه الصحراء القاحلة , و الجهد الذي يعانونه في البحث عن الصيد في هذه الصحراء , فقد أصابهم الجهد والفاقة , وشكوا إليه بكاء الأطفال من الجوع , وقالوا نحن نصبر على الجوع وقلة الصيد ... ولكن الأطفال لا يصبرون ... فدعا الكليم عليه السلام ربه الرؤوف الرحيم .... وقال هؤلاء عبادك قد أصابهم الجهد والبلاء , ولا غنى لنا عن فضلك وإحسانك , اللهم ارزقنا وأنت خير الرازقين , فما كاد كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام ينتهي من دعائه وثناءه على ربه تبارك وتعالى, حتى ساق إليهم ـ الذي لا يرد دعاء رسله وأنبيائه وعباده الصالحين ـ , غمامة بيضاء جميلة المنظر , محملة ٌ برذاذ من الماء البارد , وظلت تدنو منهم في إنسياب وتموضع وحركة رشيقة محسوبة , تسير معهم حيث ساروا , وتقيم معهم حيث قاموا  !  تدل على قدرة العزيز الجبار جل جلاله وتباركت أسمائه , اللطيف بعباده , وهذه الآية الباهرة ما كانت إلا أول الغيث , ثم جاءهم طيرٌ لا يوجد له نظير في هذه الصحراء , بأعداد كبيرة كحال الطيور المهاجرة في أسراب طويلة , ولأنها مرسلة اليهم قاصدةً إياهم طاعة ً للخالق العظيم سبحانه وتعالى , وغذاءً لذيذاً وطعاماً شهياً لبني إسرائيل , فهي تنزل إليهم مستسلمة للذابحين والطاعمين , كلما جاعوا واحتاجوا للطعام , كما أنزل الله تبارك وتعالى عليهم المن وهو نوع من العسل اللذيذ يعمل كمساعد لهضم طعام الطير الدسم , وملطف للمعدة , ومسهل , وفيه شفاء ٌ لأسقامهم وعللهم الجسدية, فأكل القوم أطيب طعام على وجه الأرض يومئذ أكله بشر, وشربوا من العسل المصفى الذي لا نظير له في الأرض كلها,  حتى شبعوا ورعوا ورتعوا وقد عفو وصحت أجسامهم التي كانت شاحبة ً هزيلة , وأسفرت وجوههم من نضرة النعيم , والظل الظليل الذي يرافقهم حيث كانوا ,...... وحيث كان القوم مشغولون بهذا النعيم والراحة من تعب الكد والسعي لطلب الرزق , وأخلدوا للفراغ ـ إلا قليلاً منهم ـ  كان الكليم عليه السلام مشغولاً بشكر مولاه الحق المبين, وكان يتعاهد قومه بالموعظة بين الحين والحين , حتى لا يبطروا ولا يكفروا نعمة الله تبارك وتعالى عليهم , ويذكرهم بالشكر والعمل لله تبارك وتعالى في الرخاء والعبادة والتقوى , كما ذكرهم الله تبارك وتعالى في شدتهم وبلواهم العظيمة في مصر تحت حكم الطاغية التافه الهزيل , ويذكرهم بـأن النعم تزول وتحول عنهم إذا ما أدوا شكرها, وعندئذ لا يلومون إلا أنفسهم , ولا يظلمون إلا أنفسهم .

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

كيف أخذت الصاعقة بني إسرائيل وهم ينظرون ؟

 

كيف أخذت الصاعقة بني إسرائيل وهم ينظرون ؟


وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥

وهذا الداء الوبيل " التجسد والتصوير والتشبيه" تمكن من بني إسرائيل واشربوه في قلوبهم ! رغم أنهم أولاد نبي كريم , وكان يسوسهم الأنبياء , وأصولهم توحيدية , وهكذا لا يكادون يخرجون من هوةٍ سحيقة , حتى ينحدرون إلى هوة آخرى وبيلة , فبعد أن اتخذوا العجل وعكفوا عليه ـ كوسيط وسبب مصور يقربهم إلى الله تبارك وتعالى زلفى ـ ثم تابوا وأنابوا إلى الله تبارك وتعالى , حتى رجعوا وانتكسوا مرة آخرى بشكل مختلف , ولكنهم هذه المرة أظلم وأطغى , إذ بعد أن جاءهم نبيهم الكليم عليه من الله تبارك وتعالى الصلاة والتسليم ,بالكتاب المنير والفرقان المنفلق من الكتاب , ضجروا من هذه الشريعة المحكمة المبينة الحاكمة لكل ما يختلفون فيه ومنهج يحيط بكل تفاصيل حياتهم , وليس فيه أي مجال للهوى والرغبات النفسية ! لأن الشريعة الموسوية كانت كلها عزيمة وصارمة تتناسب مع قومٍ مُسخت فطرتهم , وانحطت آدميتهم , نتيجة الذل والمهانة التي تعودوا عليها تحت حكم الفراعين ! كما اشربوا عبادة العجل أيضاً عندهم ! .... فالمسافة بعيدة جداً بينهم وبين الفطرة  والإستقامة , والخروج من شرنقة التجسيد والتشبيه , فكأنهم قالوا لموسى عليه السلام لما تضّيق علينا ؟ ولما نفعل هذا , وتحتمه علينا , ولما تحّرم علينا هذا ...ولما ... ولما .. فلما قال لهم نبيهم موسى الكليم عليه السلام , لست أنا من يأمركم وينهاكم , إنما هو إلهاكم الله تبارك وتعالى رب العالمين تبارك وتعالى ربي وبكم , فقالوا ـ  ولبئس ما قالوا ـ إذاً أرنا الله تبارك وتعالى جهرةً يأمرنا بذلك وينهانا عن هذا , ونتلقى منه الشريعة مباشرةً , أو يأمرنا بإتباعك وإتباع كتابك ! وعندئذٍ نؤمن لك ونتبعك !! .... ولا عجب فعندما نتتبع خطاب القوم مع نبيهم الكريم موسى عليه السلام في القرآن الكريم نجد نبرة الشك والريبة واضحة في كلامهم ... وما تخفي صدورهم أكبر !!    ثم ماذا بعد ... لقد أخذتهم الصيحةُ المدوية العاتية ... ولكن ....كيف أخذتهم وهم ينظرون !! 

هؤلاء المنافقين الذين تكلموا بهذه الكلمة ـ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ـ كان يحضر معهم هذا المشهد بعضهم ولكنهم لم يتكلموا بمثل كلمتهم , ولكنهم لم ينكروا عليهم هذا التجديف , لذلك القرآن الكريم يتعامل مع كل الملاء الحاضرين للمشهد من تكلم ومن لم ينكر كجزء واحد وكرجل واحد , لذلك يخاطبهم خطاب واحد " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَٰتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَٰفِقِينَ وَالْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" 140 سورة النساء ... فالذين تكلموا بهذه الكلمة أخدتهم الصاعقة من فورهم , والذين حضروا ولم ينكروا كان عذابهم ونكالهم أن يروا هذا العذاب على الذين تكلموا وجدفوا على بعد خطوات منهم فقط وهم ينظرون لهذه الآية في صعق المجدفين المجترئين على رب العالمين تبارك وتعالى .

ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦

ويبدوا أن قوم موسى عليه السلام شفعوا عنده في هؤلاء المجدفين الموتى , وأخذوا يبكون ويقولون هكذا سيفنى بني إسرائيل فما زال العهد قريب بالمقتلة العظيمة التي حصدت الذين عكفوا على العجل , وهذه مقتلة آخرى !! وهكذا خرجنا من مصر هرباً من الفناء ... وها نحن نفنى في هذه الصحراء بأيدينا !... وخيم الحزن والبؤس على بني إسرائيل ... وسألوا نبيهم الكليم عليه الصلاة والسلام أن يشفع فيهم عند ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,,,عندئذ شعر نبي الله تبارك وتعالى موسي عليه السلام ببؤس حالهم , ورثى لبكائهم , واستجاب لرجائهم ,فقام يسأل مولاه وحسيبه , جل جلاله وتباركت أسمائه , باكياً ذليلاً , يثني عليه ثناء الأنبياء ,ويتوسل إليه توسل أولي العزم من الرسل , فأجاب رب العالمين تبارك وتعالى دعاءه وقبل شفاعته في هؤلاء المجدفين , رحمة منه وفضلاً ,ولعلهم يعرفون نعمة الله تبارك وتعالى عليهم فيشكروا ويستقيموا على منهج الله تبارك وتعالى .


أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

 

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟
                          أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟   

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٥٧ 

الشر المستطير والداء الوبيل الذي أدى إلى تهالك الناس في حمئة الشرك والضلال المبين هو " التجسيم والتجسيد " في عبادة الإله الحق سبحانه وتعالى , وكل الشعوب والأمم الغابرة عبر التاريخ البشري المديد كانت تعرف ... بل وتؤمن بالله جل جلاله وتباركت أسمائه .. وتعلم أنه في السماء في علاء العظمة والكبرياء والقدرة العظيمة , وأنه تعالى الخالق لكل شيء , وهذا الإيمان " بالربوبية " مرتكز في فطرة الخلق أجمعين  وقد أكده وزاده تأكيداً الميثاق الذي أخذه رب العزة جل جلاله وتباركت أسمائه على كل ذرية آدم في الملاء الأعلى عندما خُلق آدم عليه السلام ....... لكن من أين يأتيهم الشيطان ليوقهم في شراكه و حمئة الشرك الوبيلة , من خلال فكرة التجسيد الإلهي ... من خلال وسائط تصلهم وتشفع لهم عند الذات الإلهية المتفرد في العلو والعظمة والكبرياء , وهكذا يبدأ الشيطان اللعين دعوته للناس من بداية الإيمان والإقرار , ثم يستدرجهم بخطوات محسوبة ممنهجة عنده خطوة تتبعها آخرى , حتى تأتي الخطوات أكلها وثمرتها المرجوة , ويُخرج الناس من نور الفطرة والإيمان إلى ظلمات  الجحود والكفران , والشرك الماحق لكل الحسنات , يخاطب الناس خطاب الداعي للإيمان , يلقي في روعهم أن الذات الإلهية المقدسة  مشغولة بنفسها عن البشر لأنهم بالنسبة لها ولعظمتها وقدسيتها  مخلوقات ضئيلة وضيعة , وأنهم لابد لهم من شفعاء ووسطاء لهم المكانة الرفيعة عند الله تبارك وتعالى , ليقوموا بقضاء حوائج الخلق , من خلال التفويض الممنوح لهم والقدرة الموهوبة لهم من الذات الإلهية المشغولة بنفسها و لا وقت لديها للنظر في شئون البشر ...... 

وهكذا ـ ومن خلال هذا العرض المختصر الشديد لخطوات الشيطان ـ يلقي الشيطان بذرته الشيطانية في تربة الجهل والتقليد الأعمى وانحطاط التصور عند البشر , ثم يسقيها بماء الأساطير والخرفات التي يفتريها ويبثها في تصورات البشر ومصادرهم المعرفية , ولأنها نبتة شيطانية فهي تخرج مرة وسيطاً وسبباً في شكل عجل , ومرة تخرجه في شكل بقرة , وآخرى في شكل حجراً مصوراً " صنماً " أو حجر غير متشكل " وثناً" ,و أخرى في شكل قبر ومقام لولي أو حتى لحمار !! حتى عندما دعاهم الشيطان لعبادة الشمس " كوسيط " قوى ونافع وقريب المنزلة من الذات الإلهية ,أو الملائكة الذين جعلوهم بنات للذات الإلهية , أو الكواكب والنجوم في السماء ,  صّور لهم صوراً لها لتكون في معابدهم  , في الأرض !!  ولابد أن تكون في الأرض ...!! وهكذا........  حتى لا يرفع الإنسان بصره للسماء أبداً , ولا يتجه إليها أبداً في سؤال حاجاته ودفع بلائه !!  رغم اعترافهم وإقرارهم بان هؤلاء جميعاً من خلق الإله الحق العظيم المتفرد في علاه ـ وهى عندهم ذات الهيه مقدسة مشغولة بنفسها عن البشرـ  وقد لا تكون مبالغةً وشططاً , اذا قلت إن الشيطان يتخذُ منهجاً في غواية البشر ذو نسق وترتيب وخطوات مدروسة تتناسب مع الزمان والمكان وطبيعة الناس فيهما , بل ويضع منهجاً للناس مضاهي لمنهج الله تبارك وتعالى , بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم !! فما من  أمرٍلله تبارك وتعالى بداية من التوحيد وإخلاص الدين لله تبارك وتعالى حتى إماطة الأذى عن الطريق , إلا وجعل الشيطان اللعين له أمر مضاهياً ولكن بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم , كما أن أوامر الله تبارك وتعالى صدق وعدل واستقامة ونور شفاء .


الاثنين، 7 ديسمبر 2020

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم

 

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم
محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم 


عاد موسى بمعونة ربه جل جلاله وتباركت أسمائه إلى قومه , فاسقط في يده من هول ما رآه ,,,, وجد قومه عاكفون على العجل !!...... بعد كل هذه الآيات .... بعد كل هذه الإنعامات والتكريم , يعكفون على عجل القوم الكافرين الذين ساموهم سوء العذاب , فاشتد غضب نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , وكاد يبطش بأخيه هارون عليه السلام ,. ولو فعل لقتله ...! ولكن الله تبارك وتعالى عصمه وقوّاه على تحمل الأمر المشين غاية الشنآن ! فجمع  قومه أجمعين , ثم  قام فيهم خطيباً , منكسراً ذليلاً لمولاه , باكياً بالدمع السكيب كأنه المطر بلل ثوبه الخشن وفاض إلى قدماه , معتذراً للرب الحليم العظيم , مما كان من قومه إذ دنسوا الماء والهواء والأرض واسماك البحر بشرك عظيم جسيم .. كيف ينساه ؟!

 خاطبهم وصاح فيهم صيحة جلجلت بهم الأرض , وتردد في الأفق صداه , ياأيها الناس ما الذي غركم بالله جل جلاله وتباركت أسمائه , منذ قليل كنتم تمشون على الماء خاشعين لله تبارك وتعالى , ورأيتم بأس الله تبارك وتعالى بالقوم الكافرين , ثم  إلى ماذا صرتم  اليوم ... في وحل الشرك وحمئة الضلال , مالكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً , مالكم اخلفتم عهدي معكم , يصيح بهم مالكم  ويبكي ثم يبكي ,,. حتى جثى القوم على ركبهم باكين منكسي رءوسهم  , ومنهم من حمل التراب يهله على رأسه ووجهه , ونادوا نبي الله تبارك وتعالى , هل لنا من توبة , يارب هدنا إليك, فهب لنا توبة تطهرنا من آثامنا , يارب ظلمنا أنفسنا , وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين , ... فلما رأى نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , ذلك من قومه , أعرض عنهم بوجهه , وغاب عنهم بجسده المتعثر في حجارة الوادي , يتكأ على عصاه وما تكاد تحمله من ثقل همه وعظيم حزنه على حق مولاه الحق المبين ... كيف هان على قومه  ... رب العالمين تبارك وتعالى ... ؟!!! 

ثم جثى على ركبتيه والليل يطويه عن قومه , ولا يسمعون إلا صوت شاحب متهدج بالنحيب والبكاء , رافعاً يديه إلى السماء , يسأل مولاه وليس له مولاً سواه , أن يتوب على قومه , ولا يمحقهم من الوجود بعدل الجزاء ... وأن يقبل شفاعته فيهم ...فهم عبيده .. ويفعل بهم ما يشاء  فأوحى إليه ربه ومولاه , والقى في روعه , وحياً صادقاً يتردد في الكون صداه , يا موسى .. يا موسى .... صاح موسى باكياً .. لبيك يا مولاي .. لبيك ..عبدك وبين يديك ... وعاد الوحي الصادق يتردد في الكون صداه ... يا موسى .. هؤلاء الذين اتخذوا العجل قد أسخطوني ... ولولا أن رحمتي سبقت عضبي , لمحقتهم محقاً ولجعلتهم عبرة للعالمين  , يا موسى ... مرهم  لكي أتوب عليهم , وينالوا رضاي بعد غضبي , أن يقدموا لي قرباناً من أنفسهم التي سولت لهم عبادة غيري , وتلك الدماء التي ضختها قلوبهم النجسة بمحبة غيري , لابد وأن تسيل على صخور الوادي الذي عكفوا فيه على عبادة غيري ... يا موسى ... وعزتي وجلالي .. لو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم صاروا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .... ولو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم  صاروا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد من ملكي شيئاً ... ولكني خلقتهم ليعرفوني ... فإذا عرفوني احبوني ملاء قلوبهم حتى تفيض من عيونهم دموعاً كالمطر يغسل أدرانهم ويمحوا ذنوبهم ... ثم صمت الوحي ... وخلا الوادي من صدى الوحي , وقام موسى عليه السلام  راجعاً إلى قومه يبشرهم ويأمرهم بأمر ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ....  

وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ  ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٥٤

عاد موسى عليه السلام إلى قومه بأمر ربه , ليلقي أليهم بما أوحاه الله تبارك وتعالى إليه بأمر فيه عذابٌ ظاهرٌ ورحمةٍ باطنةٍ , عاد إليهم فوجدهم ملقون أنفسهم إلى الأرض بين شريد وهائم ,وعازب الفكر متحامل , وجدهم آيسون قد أُسقط في أيديهم , ينظرون للسماء من أين يأتيهم العذاب ؟!! .... فنادهم كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام , فاجتمعوا إليه ينظرون إلى حركة شفتيه أتكون مبشرة ً ... ام تحق عليهم كلمة العذاب , وقال يا قومي أما وقد ظلمتم أنفسكم هذا الظلم البين, بتعريضها لمقت الله تبارك وتعالى وسخطه باتخاذكم  العجل , والشرك ظلم عظيم وقد قبل رب العالمين تبارك وتعالى شفاعتي فيكم ولكم , وأمرني أن أخبركم أنكم إذا كنتم صادقين في طلب التوبة , وعازمين على تطهير أنفسكم مما سولت لكم , فقدموها قربناً لله تبارك وتعالى , واقتلوا أنفسكم بأنفسكم فتلقوا ربكم شهداء التوبة والإنابة , مغفوراً لكم .... فنظر القوم بعضهم  إلى بعض نظر الحائرين ... فلما رأى كليم الله تبارك وتعالى ترددهم  .... وأرواحهم قد غارت في أجسامهم .....  وذهب كل أثر للدم في وجههم ... فقام مولياً وجهه عنهم .. وبعد خطوات قليلة إلتفت إليهم , وعيناه تبرق بالوعد وتقذف بالوعيد ! ثم قال لهم كأنه مودعٌ لهم ... وإلا تفعلوا فما أنا عليكم بحفيظ.... ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً..... ثم مضى كليم الله تبارك وتعالى مبتعداً عنهم لينظر ماذا يفعلون , وبعد لحظات قليلة من الصمت الرهيب ... كأنها سنين من الدهر على القوم البائسين .... فقام من بينهم الذين لم يتخذوا العجل معهم , ونهوهم كما نهاهم هارون عليه السلام , قاموا من بينهم .... وتركوا بقية قومهم الذين اتخذوا العجل بائسين حاسرين رؤوسهم  .... ورجعوا إلى انفسهم ملومين ... ماذا تنتظرون , إن لم نمت بأيدينا قتلاً لأنفسنا وصرنا شهداء عند الله تبارك وتعالى , هلكنا بعذاب اليم , وصرنا إلى العذاب المقيم  ... ثم صاح بعضهم ببعض هلموا إلى الشهادة ... هلموا إلى جنات النعيم ... ثم قاموا إلى بعضهم البعض  يتعانقون  يودع بعضهم بعضاً باكين  ... ثم نظروا ..... وقد أظلتهم غمامة بيضاء يتساقط منها قطرات من ماء عليل ,  ونظر القوم حولهم وقد أحاط بهم الغمام حتى توارى كل شيء عنهم ... إلا أجسامهم تبدوا كأشباح في ليل بهيم ... ثم استلوا سيوفهم وخناجرهم  قاصدين بعضهم بعضاً , مستسلمين للقتل لا يتبارزون ... كلما طعن احدهم أخاه  قال غفر الله تبارك وتعالى لك ... وامتلأت الأرض بأجسادهم , وتخضبت الصخور بدمائهم ...ولكن هل تفانوا فلم يبقى منهم أحد , أم تداركهم كليم الله تبارك وتعالى بالعفو من ربهم عمن بقى منهم ... لا ندري ولا نجزم في أمر يحتمل الوجهين .


كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

 

كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟
كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

عاد موسى عليه الصلاة والسلام من لقاء ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ومواعدته , عاد معه الكتاب والمنهج الشامل لكل شيء يحتاج إليه بني إسرائيل لتستقيم حياتهم على الفطرة وفق منهج الله تبارك وتعالى , كما عاد ومعه الفرقان وهو الروح الكاشفة والنور النافذ الفالق لكل الأسماء والصور فتكشف حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , ليخرج بني إسرائيل من الظلمات إلى النور بإذن الله تبارك وتعالى , وبهداية الكتاب والفرقان اللذان آتاهما له مولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه , عاد موسى عليه السلام مملوءً بروح القدس , وهيبة الحق, وجلال الوعد ,..... ثم ماذا بعد .... ينبغي أن نمسك عن محاولة الوصف.....! وكيف يمكن أن نصف من عاد للتو من مواعدة الرب , وسماع كلام من يقول للشيء كن فيكون ؟! كيف ....؟ بأي حروف وكلمات وجمل ....؟ كيف .....؟ وهل نستطيع ....؟ هل نطيق ذلك حقاً....؟ 

تنكسر الأقلام ... وتطيش العقول والأفهام .... وتسجد الحروف والكلمات والجمل ...... هذا أقل تصور لما يمكن حدوثه لو حاولنا .... مجرد محاولة!!!!

وأقسم بالله العظيم غير مستثنىً لا أدري كيف عاد موسى عليه من الله تبارك وتعالى الصلاة والسلام ؟!...... كيف عاد للدنيا مرة ً آخرى ؟!..  كيف تحمل الخروج من غمام الهيبة القدسية ؟!..... كيف تحمل قلبه ولم يتوقف نبضه , عند سماع الكلمة الأخيرة من رب العالمين تبارك وتعالى  ..ثم ...... ثم .... ... ثم ينتهي الوقت المحدد , وينتهي السماع .... ويفقد الأُنس , يهبط فجاءة من العلا إلي الأرض ! في سرعة البرق !  وهل تظن أن موسى عليه السلام عاد من نفسه  وبنفسه إلى نفسه ؟!.... والله وتالله ما عاد نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام إلا بإمر ربه له ... وقد أقامه في نفسه مرة أخرى , وقواه وأعانه وأمضاه ليعود لقومه مرة أخرى , ولولا ذلك ما إستطاع العودة وما حملته رجلاه ..,, 


الأحد، 6 ديسمبر 2020

هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟

 


هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟
هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟


وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ٥٣

ولما ذهب موسى عليه السلام للقاء ربه , تتابعت عليه وعلى بني إسرائيل أنعم الله تبارك وتعالى , وآتاه المنهج الرباني المفصل , والفارق بين الحق والباطل , وليخرجهم من ظلمات الشرك والضلال الذي كانوا فيه مع القبط المصريين , والله جل جلاله وتباركت أسمائه لا يترك الناس في الحياة الدنيا حيث الامتحان والإختبار الذي خلقوا من أجله , لا يتركهم من غير منهج مفصّل وميسر لكل البشر , ليتذكروا العهد والميثاق الأول الذى واثقوه مع رب العالمين تبارك وتعالى ,ويهتدوا إلى الحق المبين والصراط المستقيم , وبهذا تمت كلمات ربنا تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً , وتمت حجة الله تبارك وتعالى على العالمين, فلا حجة لأحد على الله تبارك وتعالى بعد هذا , وأصبحت كل نفس ٍ بما كسبت رهينة . والآية الكريمة جمعت بين الكتاب والفرقان بواو عطف بينهما وهما معرفان , وواو العطف والتعريف يقتضى عدم المثلية والمطابقة بينهما , بأن يكون الكتاب هو هو الفرقان , والفرقان هو هو الكتاب , وكذلك واو العطف والتعريف لا يتوافق مع تفسير الفرقان في الآية الكريمة بأنه مجرد صفة ً للكتاب , كما ورد في كتب التفسير ! ومما لا أشك فيه أن الكتاب يحتوي على الفرقان والميزان والحق بحذافيره والهدى والتنوير, ولكن الفرقان في الآية الكريمة جاء معطوفاً على الكتاب ومعرفاً ؟! وهذا يقتضى تغايراً في الدلالة , وأن بينهما علاقة خصوص وعموم وشمول , لقد وجدنا في القرآن الكريم  الكتاب " التوراة " يختص بموسى عليه السلام , بينما يشترك معه أخاه هارون عليه السلام في الفرقان , قال تعالى :  " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٨" سورة الأنبياء  , ففي هذه الآية الكريمة لا يمكننا أن نقول أن الفرقان هو هو نفس الكتاب , لأن الكتاب أختص به موسى عليه السلام ,  كما وجدنا الفرقان ينفصل عن الكتاب في الذكر وفي التنزيل قال تعالى :" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا" 1 سورة الفرقان , وفي هذه الآية الكريمة ورد ذكر الفرقان مستقلاً بصيغة التنزيل , وهذا يقتضى أن الفرقان هنا هو الكتاب الذي نزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو القرآن الكريم , ولكن ... لماذا ذُ كر وسمى بالفرقان هنا في الآية الكريمة  ولم يذكر بالكتاب أو القرآن الكريم كما في كثير من الآيات الكريمة ؟ ألا يقتضي ذلك زيادة في المعنى ؟

وقد ذكر الفرقان أيضا مستقلاً في الإنزال مقترناً بنزول الكتب السماوية الثلاث القرآن الكريم والتوراة والإنجيل, قال الله تبارك وتعالى :    

" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَىٰةَ وَالْإِنجِيلَ  3  مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِءَايَٰتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" 4 سورة آل عمران , ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم والتوراة والإنجيل كلها فرقاناً يفرق بين الحق والباطل , ولكن إستقلال الفرقان في الآية الكريمة بالنزول بعد إنزال الكتب السماوية الثلاث , يعني معنىً زائداً وتابعاً للكتاب , لأن الفرقان يأتي بعد الكتاب في الذكر والتنزيل , ... وبعد هذه الرحلة القصيرة في آيات القرآن الكريم حول العلاقة بين الكتاب والفرقان  , أقول مستعيناً  بمولاي الحق المبين ورب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه , وهو حسبي ونعم الوكيل , الذي يبدو لي والله تعالى اعلم أن الكتب السماوية المنزلة من عند الله تبارك وتعالى , وخصوصاً القرآن الكريم , ليست حروف وكلمات جافة مرصوصة بين دفتي الكتاب , وإن كانت كذلك في ظاهرها , ولكن لها روحاً عظيمة مهيمنة على سائر الأرواح , ينبثق منها نوراً نافذا ً ثاقباَ يفلق صور  الأشياء فيكشف عن حقيقتها , ويفلق الكلام فيكشف حقيقته ومعناه , روحاً قوية نافذه تفلق كل ظواهر الصور والأسماء , وكل ما يتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وآثارها وهيئة تمثلها بهذه الحياة الدنيا التي تخَفَى فيها حقائق الأشياء وجواهر المعاني والأفكار تحت ركام الزينة التي تتحلى بها الحياة الدنيا لتخفي حقيقتها التافهه  , وتتوارى تلك الحقائق والجواهر خلف أستار ساحات اللعب واللهو والشهوات ,التي يرتع فيها الناس ! 

إذاً كلمات الله تبارك وتعالى لها سلطان قاهر تحيط بالخلق أجمعين إحاطة علو ونفاذ وهيمنة لا يجاوزها برٌ ولا فاجر, كما أن لها فرقاناً نافذا فالقاً للصور والأسماء كاشفاً لحقائقها وجوهرها الفذ كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى , وهذا الفرقان لخواص الخلق , كلٌ حسب درجته في سلم الولاية والقرب من الله تبارك وتعالى , فقد آتاه الله تبارك وتعالى لأنبيائه ورسله بنصيب وافر وحظ عظيم , وخصوصاً الرسل الكرام أصحاب الكتب السماوية والصحف كذلك , لأن الفرقان روحٌ متعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وينبثق منها في أنحاء الوجود نوراً ثاقباً نافذاً يكشف معاني كلمات الله تبارك وتعالى كما هي حياتها وحركتها بيننا في الحياة الدنيا , بقدر ما تحتمله تصوراتنا وقلوبنا  , ولكنها يوم القيامة تكشف عن الحقائق المطلقة الكاملة التامة لكلمات الله تبارك وتعالى , كما هي علم الله تبارك وتعالى , وهذا هو الوعد الصادق الذي وعدنا الله تبارك وتعالى إياه يوم القيامة , أن يكشف لنا عن تأويل حقائق القرآن الكريم المطلقة كما هي في علم الله تبارك وتعالى , ولا يعلمها ولا يكشفها الله تبارك وتعالى , قال جل جلاله وتباركت أسمائه "  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّٰسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَٰبِ " 7 آل عمران  , ثم يوم القيامة يأتي الوعد الحق المبين  :" هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ"  53سورة الأعراف .

وهذه الروح النافذة الفالقة التي تسمى في كتاب الله تبارك وتعالى " الفرقان" تمت واكتملت بتمام كلمات الله تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً بنزول كلمته الأخيرة  للعالمين من المكلفين من الإنس والجن " القرآن الكريم "  قال تعالى " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "115 سورة الأنعام , ولذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , كان له الحظ الأوفر والأتم والأكمل من هذه الروح والفرقان , فقد نزّل الله تبارك وتعالى الفرقان عليه تنزّيلا كما نزّل القرآن الكريم تنزّيلاً , وبثه في روعه  صلى الله عليه وسلم  وحياً  ولم يكن له بصورة الإيتاء كما آتاه الله تبارك وتعالى موسى وهارون عليهما السلام , قال الله تبارك وتعالى " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا 1 سورة الفرقان  وقال تعالى "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَٰبُ وَلَا الْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ" 52 سورة الشورى

وهذه الآية الكريمة من سورة الشورى تكشف لنا هذا المعنى الجليل لهذه الروح الفرقانية , وهى ضرورية ولازمة لكل رسول له كتاب من الله تبارك وتعالى يحتوي كلمات الله تبارك وتعالى , لأنها كاشفة ومبينة لحقائق المعاني المتعلقة بكلمات الله تبارك وتعالى وهيئة تصورها في الواقع  وكاشفة لكل مفردات الصور والأسماء التي تحيط بنا ـ والنفس البشرية جزء منها ـ 

فهذه الروح الفرقانية الفالقة الكاشفة التي أوحها الله تبارك وتعالى للرسول محمد صلى الله علية وسلم  ونفثها في روعه , كشفت له حقائق معانى الكتاب وجوهر الحق المشع في الوجود كله من كلمات الله تبارك وتعالى ونفوذها وفلقها لكل الأسماء والصور لتكشف عن حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , كما فلقت له الأسماء والعبارات الدالة على الإسلام والإيمان وكشفت له حقائقها كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى  وكذلك أتباع الرسل الكرام والمقتدين بهم , المتمسكون بكتاب الله تبارك وتعالى , المؤمنون بكلمات الله تبارك وتعالى , الموقنون بتمامها وكمالها وعزتها وعلوها على كل ما سواها , واستغنائها عن كل ما سواها وافتقار كل ما سواها إليها , وكفايتها وصدقها وعدلها ونورها التام النافذ الفالق لكل الأسماء والصور كاشفاً لحقيقتها في كلمات الله تبارك وتعالى , هؤلاء لهم نصيب من هذه الروح بحسب دراجاتهم في سلم الولاية والتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى , والتسليم المطلق لها , فيجعل الله تبارك وتعالى لهم سبباً يدنيهم من فِنائها ويضربون بخيامهم حول سورها العظيم . 

قال تعالى" يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّءَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " 29 سورة الأنفال 

نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم أن يجعلنا حبلاً أو وتداً في إحدى خيامهم فيصيبنا من رذاذ صيبها ,أو وميضاً من نورها الكاشف . 

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين

 

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين


  وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ 51 ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٢ 

يبدو لنا من الآية الكريمة أن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام قد دعا ربه عزوجل وطلب لقاء المناجاة مع الله تبارك وتعالى ليشكر الله تبارك وتعالى على نعمه وآلائه في نجاة بني إسرائيل من العذاب المهين , وليتزود من كلام الله تبارك وتعالى وهيبة القدس ليستعين بهذا الزاد على أداء رسالته لبني إسرائيل , وقيادة وهداية قومه الذين خرجوا من التوحيد إلى الوثنية تحت وطأة معاشرة القبط المصريين الذين اتخذوا آلهة شتى, وعبدوا الحكام والملوك بزعم أن دمائهم من دماء الآلهة المزعومة , ولذلك الآية الكريمة من خلال كلمة "واعدنا" تصف مشهداً لموسى عليه السلام وهو يدعو الله تبارك وتعالى ضارعاً خاشعاً ذليلاً منكسراً لمولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه على نعمة النجاة العظيمة التي أنقذت قومه من الهلاك المحقق والفناء المحتوم الذي كان يسعى إليه الطاغية وقومه , ويسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمن عليه بوعد وموعد يخلو فيه بمناجاته وسماع كلام الله تبارك وتعالى ,ليقدم شكره وخضوعه لمولاه , ويتزود من مناجاته وكلامه القدسي والحضور في ساحة الهيبة القدسية , لإداء رسالته وتمام مهمته مع قومه الذين ضلوا بعد الهداية , وأشركوا بعد التوحيد الذي كان عليه أباءهم الأولين ,  وقد منّ الله تبارك وتعالى على عبده الكليم موسي عليه من الله تبارك وتعالى التسليم , وأجاب دعاءه , وواعده ثلاثين ليلة من المناجاة وسماع كلام الله تبارك وتعالى , وياله من فضل عظيم لا يستطيع وصفه الواصفون , ولكن الكليم عليه السلام رغم سروره  وغبطته بهذا الوعد الحق المبين , إلا إنه طمع في المزيد لما رأى من فضل ربه ومولاه وإجابة دعائه , فسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمد له في الوقت ويبسط له في الوقت لينعم بالقرب من هيبة القدس , وما إن ذهب موسى لميقات ربه تعالى , حتى عبد قومه العجل وعكفوا عليه ! في مشهد غاية في الخسة والانحطاط , هؤلاء القوم الذين كانوا قبل قليل يسامون سوء العذاب على يد المصريين , فمن الله تبارك وتعالى عليهم ورحمهم ومن عليهم بهذا الإنجاء والسلامة والخروج من بين القوم الظالمين , فالقوم أحبوا عبادة العجل " ولد البقرة " بكل قلوبهم , وكانوا عاكفين عليه من قبل مع القبط المصريين , فعبادة العجل كانت معروفة عند المصريين وكانوا يسمونه " هاتون " و"أبيس "  وهذه العبادة منقوشة على جدران معابدهم الشركية   فما بال القوم الذين من نسل النبي الكريم يعقوب عليه السلام يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة من الشرك والضلال البعيد ! يصنعون العجل بأيديهم ثم يعكفون عليه! ورغم ذلك فإن الله تبارك وتعالى لم يعاجلهم بالمحق والهلاك , حتى دعاهم نبيهم للتوبة من ذلك بعدما ندموا على ما فعلوا وفعلوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى به ليتوب عليهم , وليعفوا عنهم , وقد كان لعل القوم يشكرون الله تبارك وتعالى ويخلصوا الدين كله لله تبارك وتعالى . 

السبت، 5 ديسمبر 2020

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

 

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل
الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

بعد خروج بني إسرائيل من مصر تبعاً لخطة مسبقة يرعاها رب العالمين تبارك وتعالى ويقوم على تنفيذها وقيادة بني إسرائيل في كل مراحلها نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام الذي من الله تبارك وتعالى به على بني إسرائيل ونجاهم به من العذاب المهين , وهذا الخروج والإنسلال من بين براثن ظلوم غشوم كفرعون , الذى حول مصر كلها في زمنه الغابر البئيس إلي عيون وجواسيس بعضهم على بعض , وتسليط بعضهم على بعض ولولا ذلك ما تمكن فرعون الظلوم الغشوم القصير الهزيل ,من حكم مصر وهي بلد ذات وزن جغرافي وتاريخي عميق , لذلك لم يكن هذا الخروج والإنسلال هيناً سهلاً , بدلالة كلمة " نجّيناكم " بالتشديد في الآية الكريمة السابقة معنا , فهذه الكلمة القرآنية  التي تصور لنا مشاهد التخطيط والإعداد والترتيب وتقسيم الأدوار وتحديد المراحل الزمانية , وفوق كل ذلك وقبله إخلاص العبودية لله تبارك وتعالى , والتضرع واللجوء إليه سبحانه وتعالى , وصدق التوكل على الله تبارك وتعالى , وتسليم الأمر إليه , والأخذ بأسباب الحيطة والحذر التام , فإن الجدران في مصر يومئذ لها آذان ! ..... لقد تم كتم الأنفاس خلال فترة الإعداد لهذا الخروج والإنسلال ! وتمت كلمة الله تبارك وتعالى الحسنى على بني إسرائيل ونجحت خطة الخروج والإنسلال أيمّا نجاح , وكانت الفرحة والبهجة والسرور تبدو على وجوه القوم دموعاً تنهمر , وأصوات شاحبة من العناء والجهد تتبادل التحية وبث الأمل وتثبيت القلوب حتى يتم الإنسلال تماماً من شرنقة الموت المحقق لو فشلت الخطة , وانكشف أمرها ...... وهذه بعض من المشاهد المصورة التي تعرضها لنا الشاشة القرآنية الكونية من خلال الكلمة المصورة " نجّيناكم "

وفي هذه الآية الكريمة نجد المشاهد المصورة المتممة لمشاهد الخروج والإنسلال , وهي مشاهد مصورة لمعجزة رهيبة , وآية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى ..... لقد اسقط في يدي بني إسرائيل عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة البحر الهادر العميق , الذي لم يكن له أي حساب في خطة الخلاص والإنسلال ! كيف النجاة ؟! وما السبيل ؟! ولماذا لم يكن له حسباناً في الخطة المحكمة التي نجحت بشكل باهر حتي هذه اللحظة البائسة التي ضاعت فيها الثقة , وغابت فيها الفرحة التي مازالت في مهدها , وانقطعت الآمال مع انقطاع الأرض من تحت أقدامهم بسبب البحر , فقد اصبحوا مسجونين خلف هذا الحاجز المائي , ويالا لقوة الصدمة , وعمق الحسرة , وفداحة الخطب لما رأى بني إسرائيل الجيش العرمرم للفرعون , والغبار الذي سد أفق السماء من بعيد من كثافة جيش الفرعون وسرعته في الطلب , وحرصه على الغنيمة التي أصبحت على مرمى البصر ! 

ولكن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام كان له شأنٌ آخر, لقد كان على موعدٍ مع البحر! , لكنه لم يخبر بني إسرائيل بذلك لأسباب قد تكون متعلقة بالخطة وسلامتها وسريتها , وقد يكون بأمر من الله تبارك وتعالى أن تكون الخطة المعلومة لبني إسرائيل على قدر حدود البر , ولا وجود لأي سبب مادي للعبور والخلاص للناحية الأخرى من البحر , وفي ذلك من الحكم العظيمة الباهرة لتدبير الله تبارك وتعالى لهذا الأمر مالا تحيط به العبارة , ولا تطيقه أفهامنا وتصوراتنا المحدودة ! 

كان كليم الله تبارك وتعالى على موعد مع البحر الهادر العميق, وكان البحر على موعدٍ مع كليم الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام وقومه ! ....لقد كان في إنتظارهم !! لقد كان يرقبهم من بعيد , ويدعو الله تبارك وتعالى أن يسلمهم ويحفظهم حتي يصلوا إليه ويحلوا ضيوفاً كراماً عليه!

وقد أعد عدته وأخذ كامل إستعداداته  لتسليم أمانته وعهدته وهم بني إسرائيل كلهم , بكامل متاعهم وأغراضهم إلى صاحبه " البر " من الناحية الأخرى , ليس هذا فحسب أيها الناظر لهذا المشهد الرهيب ,, ولكن دقق النظر جيداً , هذا البحر العجيب نراه في ترقبه لبني إسرائيل في مرمى الأفق البعيد نراه خاشعاً ومستبشراً بوجه حسن ٍ جميل , وعندما ينظر ناحية فرعون الذميم وجيشه العرمرم في أقصى الشرق , نراه  بوجه غير الوجه , غاضب ٌ قد احتدت ملامحه , واشتد نظره وصوبه لهؤلاء القوم المجرمين , وينتظرهم إنتظار الهيم للماء البارد , وقد شكر لربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,أن أذن له في حيازة شرف إبادة هذا الكافر العنيد وجيشه وعتاده أجمعين , لقد سجد البحر شكراً لله تبارك وتعالى على هذه النعمة , أن ينتقم لله تبارك وتعالى أولاً , ثم لهؤلاء المساكين من عباد الله تبارك وتعالى من هؤلاء القوم المجرمين , لكنه أُمر بأمر قدسي علويٍ حكيم , أن يلقي بجثة فرعون,ـ هذا القزم الهزيل , المنتفخ الذميم ـ , إلى صاحبه البر من ناحية مصر , ليكون عبرةً ومثلاً للأولين والآخرين , وآية باقية لكل هزيل منتفخ ذميم مثله !!


الجمعة، 4 ديسمبر 2020

هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟

 


هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟
هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟


إن القرآن الكريم له عمق حركي مصور على شاشة كونية عملاقة , ليس للتاريخ وقصصه فحسب ـ وإن كان هذا الجانب أكثر ظهوراً وأشد وضوحاً ـ ولكن أيضاً لكل موضوعات القرآن الكريم ومحاوره, خصوصاً مشاهد يوم القيامة , كما نجد عرضاً مصوراً لأعماق النفس البشرية وأغوارها ـ وهذه المشاهد أعمقها وأبعدها عن عامة الناظرين في القرآن الكريم, إلا خواص المتدبرين , نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم ...والعرض المصور في الآية الكريمة التي معنا نرى فيه أعمال السخرة التي فرضت على شعب إسرائيل, نجدها ونرها أعمال شاقة ومريرة تم سوقهم أليها سوقاً عنيفاً مهيناً بشوكة السلطة الغاشمة وتعاون الشعب الخانع من القبط المصريين ـ وهذا ديدنهم منذ ذلك الحين ـ والعمل المستمر بلا أي مقابل مادي أو حتي معنوي, لا غذاء يكفي الأجساد المهزولة من هذا العناء, ولا علاج لأمراضهم المستعصية نتيجة الظروف القاسية التي أحاطت بهم , ترحيل قسري لأماكن العمل المصطنعة خصيصاً لشعب إسرائيل وشتات عن الأهل والأولاد, ... ورغم كل ذلك لما لم يغني هذا عنهم شيئاً في إفناء بني إسرائيل والخلاص منهم بالسرعة المطلوبة , شرعوا في توسيع رقعة العذاب وإدخال فئات أخري في حمئة الحقد اللعين, فتوصلوا إلى أن أسرع طريقة لإفناء هؤلاء المستضعفين هو عبر قطع نسلهم تماماً بلا رحمة , وكأنهم في حمئة حقدهم المجنون صاروا وحوشاً قدت قلوبهم من حديد ! فهم يذبحون أبناء شعب إسرائيل ـ بنين وبنات ـ كما يذبحون الخراف والشياه , وهذه جرائم يندى لها جبين البشرية , ووصمة عار لكل من عاصر وحضر أو حتي سمع بهذه المثلات ولم يتبرأ ويخجل منها , 

أما القول بأن التذبيح كان للبنين فقط دون الإناث , فهذا تخصيص للمعنى دون دليل , لأن كلمة "أبناءكم " تشمل البنين والبنات يعبر بها القرآن الكريم عنهما معاً وأحياناً يعبر بها عن البنين فقط , وأحياناً آخرى عن البنات , وإستحياء النساء الوارد في الآية الكريمة ليس معناها  البنات , وكيف تسمى الوليدة الرضيعة حديثة الولادة امرأة  ومن النساء !!, ولو سرنا مع هذا التفسير لضللنا ضلال بعيدا, إذ أننا سنسقط كل أحكام النساء الواردة في القرآن الكريم على البنات الرضيعة والأطفال ! والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وهذا المعني والتفسير أقرب لروح هذه المأساة, والهدف المنشود من ورائها, فهو بالمفهوم الحديث " تطهير عرقي " ومحاولة إفناء شعب وأمة, وإستحياء النساء المصور في هذه المشاهد, المفعمة بالأسى والأنين , فهو غاية العناء ونهاية الليل المظلم البهيم , الذى احتوي شعب إسرائيل , واللهيب الذي اكتوت منه أفئدة هؤلاء المستضعفين , وأفنت ما بقي لديهم من كرامة وماءاً في الوجه الكالح الحزين , إن إيقاع الأذى والمهانة بالنساء شيمة كل لئيم عارٍ من كل الفضائل حقير وذميم , فما بالك بما نراه في هذه المشاهد المفجعة المصورة من خلال شاشة القرآن الكريم الكونية نساء من ذوات الخدور , وأرباب الحجاب , وعنوان العفة والفضيلة يساقونهم اللئام المجرمين للخدمة في بيوت العتاة من حاشية فرعون وباطنته والملاء من القوم المجرمين , وما يصاحب هذا السوق من مهازل يندى لها الجبين , وانتهاك لحيائهن , وذبح لعفتهن يضاهي ذبح الأبناء والبنين , هؤلاء الطغاة اللئام يستحيون نساء الشعب العريق في النسب , كريم الأصل , نجباء الخصيلة , طاهرةً دمائهم من كل نطفة آثمةً وبيلةً 

وقد كان ذلك إبتلاء وإختبار من الله تبارك وتعالى لشعب بني إسرائيل , وهي سنة الله تبارك وتعالى فيمن يريد تطهيرهم وإصطفائهم على العالمين , والتمكين لهم في الأرض , دعاة للحق مخلصين , ولا يفسدوا في الأرض متجبرين , وتأتي النجاة بعد الغرق في حمئة العذاب المهين , ويأتي الخلاص الموعود به في الكتاب الأول من ربقة الإستعباد , وعودتهم للحياة من جديد , وكيف يمكن لفئةٍ من الناس تعرضت لكل هذا الهلاك المحقق مادياً ومعنوياً , ثم ينجوا ويتخلص ويتعافى , ثم .... يعود للحياة الكريمة من جديد ! ... إنها قدرة الله تبارك وتعالى القاهرة لكل الظروف والأسباب ومكر الطغاة المجرمين ,إنها رحمة الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله  البر الرحيم , تداركت شعب إسرائيل , وجعلتهم فوق الطغاة المجرمين , والبلاء المذكور في الآية الكريمة يعنى ويتضمن الاختبار من ناحية العذاب على بني إسرائيل , ويعنى كذلك النعمة العظيمة الوافرة الجسمية التي كانت في إنجاء بني إسرائيل , فهو بلاء عظيم من ناحية ونعمة عظيمة من ناحية آخرى في التطهير والإرتقاء للذرية التي تركت ما كان عليه أسلافهم من التوحيد إلى الوثنية والتنديد , وما كان لهم ذلك أبداً ولا يليق بأولاد الأنبياء ذوات النسب الكريم . 

مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين الفراعنة

 


مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين
مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين


            وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيم 49 وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

الآية الكريمة تذكر بني إسرائيل ـ ونحن معهم  ـ بحدث تاريخي هائل ومأسوي ومفجع ,هم لا يستطيعون نسيانه ولا إنكاره , حتى يكون هذا القصص آية لهم على صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  , فيأمنوا به ويتبعونه فتكون نجاتهم من الكفر والضلال الذي ولغوا فيه منذ زمن بعيد , والآية الكريمة تقدم لنا مشاهد حية متحركة مفعمة بالأسى , نسمع من خلالها أصوات الأنين , ونرى الدموع تترقق في محاجرها , والآهات تشق صمت الليل الحزين , مأساة أمة وشعب , على يد أمة وشعب آخر , الآية الكريمة تنبئنا أن الذى أقام لبني إسرائيل  محافل التعذيب الهمجية هذه هم ءال فرعون , وهم كل المؤمنين بفرعون كحاكم له الحق على الشعب , وليس لاحد من الشعب عليه حق , وكل معاونيه وأوليائه وجنوده أجمعين , ولذلك نرى الآية الكريمة تصف مشاهد التطهير العرقي بصيغة الجمع المضارع  , يسومونكم  ,يذبحون  , يستحيون , وهذا يدل على أن فرعون إستطاع تجنيد قطاع كبير من القبط المصريين للمعاونة والمساندة والدعم اللوجستي والمعلوماتي في هذه الهجمة البربرية المجرمة على شعب بني إسرائيل , ولا ندري الأسباب التي كانت من وراء حملة " التطهير العرقي " هذه , ولكننا نستطيع أن نؤكد على السبب الديني , كسبب رئيس لهذه الحملة المجرمة على شعب بأكمله أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً , رغم أن بني إسرائيل في هذه الفترة من تاريخهم كانوا قد خرجوا من التوحيد إلي الوثنية, التي اكتسبوها ودخلت عليهم من مخالطة الوثنين المصريين , ولكنهم ظلوا محتفظين بعادتهم وتقاليدهم , المخالفة لتقاليد وعادات القبط المصريين , وسبب آخر يمكننا أن نلمحه من خلال هذه المشاهد القرآنية المعجزة , أن الطغاة المجرمون من الحكام أمثال فرعون ـ وأمثاله كثير في التاريخ القديم والمعاصر ـ يريدون إشغال الشعب في ملهاة مصطنعة , أو مأساة مختلقة وملفقة , التي على أثرها يفترق الناس ويختلفون ... وهكذا يستبدون بالملك , ويملكون الناس كما يملكون المتاع الرخيص ! ...

هل صحيح ان سبب حملة التطهيرالعرقي  ضد شعب اسرائيل  رؤيا لفرعون؟

أما ما ذكر في كتب التفسير من أن السبب في ذلك تلك الرؤيا التي رءاها فرعون أنه يولد لبني إسرائيل ولد يكون زول ملكه على يده ! فهذا ليس عليه دليل , وليس له أي ذكر سواء تصريحاً أو تلميحاً في الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكريمة التي صورت لنا المشهد من زوايا مختلفة  ولو كان هذا حقاً لقصه الله تبارك وتعالى علينا كما قص علينا رؤيا ملك مصر من قبل في زمن يوسف عليه السلام !.... ولو كان ذلك حقاً لما أبقى فرعون الطاغية الضنين على ملكه والشعب الخانع الذليل , لما أبقي على موسى عليه السلام , وهو في المهد رضيع ! وأين هذه الرؤيا منه وهو يقوم بتربية غلام ذكر من بني إسرائيل !!, هل نسيها ؟!! أم فقد الذاكرة وهو زميم ؟!! 

والقرآن الكريم يقدم لكل الناس من خلال هذا القصص البالغ التأثير, الوجه الكالح العبوس, للجاهلية عندما تحكم وتسود مجتمعاً يخضع ويرضى بحكم الطاغوت, والحقيقة البائسة, والعاقبة الوخيمة التي تنتظر المجتمعات التي تنتكس في حمأة الشرك والوثنية, وتتردى في معتقدتها وتصوراتها الدينية لربها ومعبودها الحق جل جلاله وتباركت أسمائه, وليس لذلك من عاقبة إلا الذل الهوان تحت أقدام الطواغيت, والعذاب الأليم في الآخرة  فماذا أغنت عنهم طواغيتهم ومعبوداتهم من دون الله تبارك وتعالى ؟ وماذا كسبوا إلا خسران الدنيا والآخرة , قال الله تبارك وتعالى " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين , ولقد أرسلنا فيهم منذرين "

والآية الكريمة تصف هذه الملحمة التي ظللت بني إسرائيل ووسعتهم كباراً وصغاراً, وصفاً حركياً بليغاً مؤثراً  للمشاهد ـ وهو المتدبر لعمق المشاهد المصورة بعين البصيرة ـ وللسامع الذى أنصت للذكر وأقبل بقلبه عليه


الخميس، 3 ديسمبر 2020

هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟

 


هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟
هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟


و الشفاعة هي أكثر ما يروج عند عامة الناس وخاصتهم ويتعلقون به تعلق الغريق بالقشة , ويروّن فيها روايات مأثورة غير صحيحة بالمرة لأنها تخالف ما قرره كتاب الله تبارك وتعالى في مسألة الشفاعة , والأصل في باب الشفاعة هو هذه الآية الكريمة والآية الكريمة الأخرى التي تليها في نفس السورة الكريمة "  وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْءًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ 123‏" وهذه الآيات الكريمة

 " يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَٰعَةٌ وَالْكَٰفِرُونَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ 254‏ البقرة

" وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "51 الأنعام

‏"وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ ‏وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ‏‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ  70"الأنعام‏

‏"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ ‏فِيكُمْ شُرَكَٰؤُا لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ 94" الأنعام

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ ‏فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ 43" الأعراف

‏"وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَٰؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّءُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي ‏السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" 18 يونس

‏"فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ" 100 الشعراء ‏"وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَٰؤُا وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَٰفِرِينَ" 13 الروم

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ 4" السجدة

‏"ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا وَلَا يُنقِذُونِ "23 يس

" أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْءًا وَلَا يَعْقِلُونَ "43 الزمر

" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر 

‏"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْءَازِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَ مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ" 18 غافر

‏"فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَٰعَةُ الشَّٰفِعِينَ" 48 المدثر 

هذه الآيات الكريمة تنفي تعلق الشفاعة بغير الله تبارك وتعالى نفياً قاطعاً حاسماً باتاً , وهي الأصل في باب الشفاعة لأنها لم ترد بأي إستثناء من أي نوع لا متصل ولا منفصل , وتثبت تعلق الشفاعة بالله جل جلاله وتباركت أسمائه وحده وفقط وليس لأي أحد حج فيها مدخل كائناً من كان .  كما وردت الشفاعة في آيات أخرى مقيدةً بإستثناء ذو حيثيات معينة , لا تعارض الآيات الكريمة السابقة الذكر , ولا تخصصها , وإنما تزيدها تأكيداً وبياناً وتوضيحاً , وهي كما يلى حسب ترتيب المصحف الشريف : 

  ‏"اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ ‏إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ ‏وَلَا يَءُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "255 البقرة ‏ 

‏"إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن ‏بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" 3 يونس  ‏"لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا87" مريم

‏"يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" 109 طه

‏"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ"28 الأنبياء

‏"وَلَا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"23 سبأ

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف

‏"وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَٰوَٰتِ لَا تُغْنِي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ"26 النجم

فكما نرى أن الشفاعة في هذه الآيات الكريمة متعلقة بإذن الله تبارك وتعالى , أو اتخذ عند الرحمن جل جلاله عهداً , أو أذن له الرحمن جل جلاله  ورضى له قولاً , أو شفاعة الملائكة الكرام لمن ارتضى الرحمن جل جلاله  , ... أما الإستثناء الوارد في سورة الزخرف الآية الكريمة 

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف  , فنراه استثناء منقطعاً  لأنه وارد على المشركين وشركائهم الذين يدعونهم من دون الله تبارك وتعالى  ,

 إذاً هذه الآيات الكريمة الأخيرة التي وردت فيها الشفاعة مقيدة بحيثيات كلها ترجع إلى الله تبارك وتعالى , كما امرنا الله تبارك وتعالى أن نقول ذلك ونؤمن به إيماناً لا شك فيه كما في الآية الكريمة   ‏" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر ‏  ... وهذه الحيثيات الواردة في الآيات الكريمة السابقة الذكر كلها من الغيب الذي لا نعلمه ولا نتقدم فيها بين يدي الله تبارك وتعالى بشيء فالإذن والعهد والرضى كشرط للشفاعة كلها تابعة لمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة . 

إذاً القرآن الكريم  لا يثبت شفاعة مطلقة محققة الوقوع يوم القيامة ,  لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب , بلا قيد أو شرط , وهو كذلك لا ينفي مطلق الشفاعة , بل يثبتها لله تبارك وتعالى وحده ومن أذن له ومن رضى له قولاً وهذه شروط متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى , فهي قد تقع يوم القيامة من الله تبارك وتعالى من نفسه إلى نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , أو من الملائكة المقربين , أو من أولي العزم من الرسل  , أو من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو أحقهم وأولاهم لما له من القدر والمكانة عند الله تبارك وتعالى , وهو صاحب المقام المحمود يوم القيامة , لكننا لا نجزم بها كوعد محقق الوقوع , ولا ننفيها مطلق النفي , لأنها متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة , وهي من الغيب الذي لا نعلمه , والأمر كله راجع لله تبارك وتعالى ولمشيئته , ولا مشيئة لأحد يوم القيامة معه , بل كلهم مستسلمون , لا يتكلمون إلا بإذنه , ولو قدر الله تبارك وتعالى أن تكون شفاعة وشفعاء يوم القيامة فإن ذلك لا يكون بطلب من أحدٍ ولا حق لإحدٍ في ذلك , وإنما يكون ذلك بدايةً من الله تبارك وتعالى إذناً وأمراً , ولذلك لا ينبغي لإحدٍ أن يتعلق بأمر الشفاعة ويركن إليه كأمرٍ واقع لا محالة , لأننا لا ندري ما الله تبارك وتعالى فاعلٌ في هذا الأمر , فينبغي لكل مسلم صادق الإيمان أن يقدم لنفسه العمل الصالح والتوحيد الخالص لله تبارك وتعالى , وليكن على رجاءٍ في الله تبارك وتعالى وحده , أن يقبل شفاعة أعماله الصالحة الخالصة لله تبارك وتعالى , وأن يعامله بالفضل والعفو والمسامحة , فهو سبحانه وتعالى أهلٌ لذلك وأحق به جل جلاله وتباركت أسمائه , وأن يكون في خوفٍ شديد لا يتملل منه ولا يفارقه ليلاً ونهاراً ,... وإلا فما لكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً  , استغفر الله تبارك وتعالى وأتوب إليه والحمد لله تبارك وتعالى .  

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى علىمعنىاليقين؟

 

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟
هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟


ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

الظن يرد في لغة العرب على محمل الشك والريب والتهمة , ومجمل ورود الكلمة في كتاب الله تبارك وتعالى يَرد على محمل الإعتقاد المحمول على دعامتي الرجاء والتمني,  القائم على مقدمات صحيحة أو باطلة ,الإعتقاد الصحيح المبني على مقدمات صحيحة, أو الإعتقاد الباطل الخاطئ تبعاً لمقدماته الخاطئة وفي هذه الحالة فإن الأنسان يعتقد أيضاً أنه على صواب ,ففي الحالة الأولى يقين أشبه بالظن من حيث الرجاء والتمني والخوف  الذي يحمله , وفى الحالة الثانية ظن وتخَرص أشبه باليقين من حيث كونه إعتقاداً مبني على مقدمات ولكنها فاسدة ,   ولكن القرآن الكريم يحدثنا عن حقائق مطلقة لا تخضع لتصوراتنا وأوهمنا , ولا تخضع لقوانين الرؤية والتصور في عالم المادة والأسباب , ويقدم لنا حقائق المسائل والحادثات من حيث هي في حقيقتها المطلقة في عالمها , أما في عالمنا المادي المحسوس فإننا نتعامل مع أسمائها وصورها بالمنطق المادي البحت , ولا نستطيع النفاذ إلى عمق الحقائق إلا بتزكية أنفسنا والإرتقاء بمدركاتها وحواسها النفسية , ولا يمكننا ذلك إلا بطهارة الباطن و بالعمل الصالح, والتفقه والتدبر لكتاب الله تبارك وتعالى ,كمصدر وحيد وكافي وشامل للحقائق المطلقة من حيث هي في عالمها .

والقرآن الكريم يصف ويعبر عن هذه الحقائق المطلقة بالكلمة ورسمها وصوتها ورنينها, وبوضع الكلمة نفسها في سياق الآية الكريمة, وسياق الآية الكريمة في نسيج السورة القرآنية وفي مجموع ورود الكلمة في سياق الآيات الأخرى ؟ 

و الآية الكريمة تصف لنا الخاشعين الذين استعانوا بالصبر والصلاة التامة بأنهم " ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ " وهذا الظن في الآية الكريمة ينطبق عليه التعريف الأول للظن في القرآن الكريم , وهو الإعتقاد المبني على مقدمات صحيحة ويحمله الرجاء والخوف كدعامتين  وورود الآية الكريمة بهذا السياق يدل على أن المقصود باللقاء والرجوع  إنما هو لقاء الجزاء الأوفى ووعد المغفرة , ورجوعهم إليه سبحانه وتعالى رجوع الغريب إلى داره والشريد إلى مأواه , كما قيل في الأثر "القيامة عرس المتقين " " ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله تبارك وتعالى لهذا المعنى جاءت الآية الكريمة  بهذا السياق ولم تأت في سياق يوقنون كما وردت في الآية الكريمة  "  وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ " ٤ في أول السورة الكريمة , لأن الآية الكريمة في أول السورة الكريمة تصف الإيمان باليوم الآخر وهذا لابد فيه من اليقين الجازم الذي لا شك فيه , وإلا فلا إيمان ولا إسلام أصلاً , أما الآية الكريمة التي نحن في رحابها الآن فهي تصف إيمان المؤمنين بالوعد والجزاء الأوفى للعمل الصالح الذي وعدهم به رب العالمين تبارك وتعالى , فهم على يقين بالوعد وصدق الواعد جل جلاله وتباركت أسمائه , ولكنهم من ناحية آخرى على غير ثقة بإيمانهم و بأعمالهم أن تقبل عند الله تبارك وتعالى وتنجيهم من الوعيد وتكون سبباً في تحقق الوعد الكريم  لذلك نرى أن الآية الكريمة جاءت بهذا السياق لتدل على هذه المعنى , فهو إعتقاد قائم على مقدمات صحيحة وهو وعد الله تبارك وتعالى للمؤمنين بالمغفرة والنعيم , وهذا يقين لا شك فيه ,  وفي نفس الوقت هم بين الرجاء أن يكونوا أهلاً لذلك الوعد , والخوف من عدم قبول أعمالهم وقُرباتهم وبالتالي يلحقهم الوعيد , و الله تبارك وتعالى أعلى وأعلم , واستغفره سبحانه وتعالى وأتوب إليه . 


يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤٨

بعد النداء الأول الذي سبق معنا , والذي كان دعوة إلى الإيمان بالمنهج الأخير المنزل من السماء على خاتم الأنبياء محمد صلى الله علية وسلم  وترك العناد والكفر الذي تمادوا فيه منذ تاريخهم البعيد , في أسلوب قرآني فريد يخاطبهم جماعات وفرادى وأمم وشعوب ـ ومن ورائهم ومعهم هذه الأمة المحمدية وسائر الأمم إلى يوم الدين ـ في أسلوب دعويٌ يُحتذى يجمع بين الترغيب والترهيب , والماضي والحاضر , وقد بين لنا مولانا الحق جل جلاله وتباركت أسمائه أسباب الضلال وسبل الغواية وأصحابها وأهلها ومن هم أحق بها ممن هم سبب ضلال الناس في الماضي والحاضر , ويدعو الناس عامة وخاصةً إلى التوبة والإنابة لله تبارك وتعالى . 

ومعنا هذه الآية الكريمة وتحمل النداء الثاني العذب الرخيم يذكرهم بنسبهم لهذا النبي الكريم يعقوب عليه السلام, ثم يعقب النداء بموعظة بليغة لهم ولكل مؤمن بالقرآن الكريم , كأنها موعظة الوداع والنداء الأخير .... ثم كل نفس على نفسها بصيرةً ولو ألقى معاذيره ! 

كلمات قليلة لكنها في العمق البياني والدلالي تملئ ما بين السماء والأرض عبراً ومشاهد مبكية تخلع القلوب وتحطم أقفلها ,وتصك الأسماع صكاً يزيل صممها , يالله  كيف لا تنهمر دموعنا أنهاراً حزناً على قسوة قلوبنا وبلادة حسّنا وتفريطنا في جنب الله تبارك وتعالى فيما مضى من أعمرنا وخوفاً مما هو آت علينا فيغشانا ويسربلنا بسرباله , وينزعنا نزعاً شديد من بين أهلنا وأحبتنا ثم يُفضي بنا إلى ما قدمنا لأنفسنا ونصبح بما كسبنا رهائن مغّلالين في السلاسلا  مسجونين , أو مكرمين في هيئة حسنةٍ نزلا من غفور رحيم , نسأل الله تبارك وتعالى عفواً وتجاوزاً عنا  ..والآية الكريمة تنفي أربعة أشياء عن يوم القيامة  أن تعطي نفسا نفساً آخرى شيئاً من أجرها , وعدم قبول أي شفاعة , وعدم أخذ الفداء من احد يفتدي به نفسه , وعدم النصرة  فلا ينصر أحداٌ أحدا , إنه اليوم الرهيب , يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله تبارك وتعالى بقلب سليم , والآية الكريمة تنفي هذه الأمور وهذه العناصر الأربعة نفياً باتاً قاطعاً , لا يبقي أي أثر لأي آمال معلقة ., ولا لأي أماني مؤجلة , وتغلق أبواب الرجاء في أي سبيل للنجاة إلا باب الرجاء في رحمة الله تبارك وتعالى وشفاعته لعبده عند نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , وباب الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص , هذان بابان فقط يمر منهما وخلالهما عباد الله تبارك وتعالى المؤمنين الصالحين ,والباب الأول عام لكل الناس , أما الثاني فمن داخلة الباب الأول ومن بعده والطريق إليه مرسوم وموسوم بوسم خاص يعرفه المؤمنين وهذا الباب خاص بالأنبياء والمرسلين وأتباعهم  , وسائر الناس بعد ذلك في أرض المحشر هائمون على وجوههم لا يلوي احد على احد 

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "

 

   

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "
جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "  

 

                                      

وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢

وتستمر الآيات الكريمة في مخاطبة القوم الذين يزعمون الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر ـ ومن ورائهم كل زاعم وداعٍ ـ يأمرهم في نبرةٍ صارمة ٍ أن ينتهوا عن الأفك العظيم والضلال المبين الذي ارتكسوا فيه ورتعوا في حمئته , طوال القرون الماضية , إنه التلبيس ... وما ادراك ما التلبيس ؟! إنه فعل إبليس اللعين , ومن ورائه علماء البلاط والسلاطين , الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويأكلون أموال الناس بالباطل , ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى , ويبغونها عوجاً, ولكن لماذا تلبيس الباطل بثوب الحق؟

لأن الباطل لا قوام له بنفسه , ولا تقبله النفوس محضاً خالصاً , فهو معاكس لفطرة الكون والناس ,مناقض للعقل الصحيح , ولكنه موافق للأهواء والشهوات البهيمية , فالباطل لا يرتع إلا في ساحة الأهواء والغواية التي تسكنها الشياطين , وكل غاوٍ أفاكٍ أثيم , وكل من إتجهت إرادته للدنيا طلباً لها وحرصاً عليها بل وتكالب وتصارع من أجلها , فإن الشياطين تستولي عليه , وتأخذهم لهذه الساحات , ليرتع في الباطل الملبس والمزخرف مع الذين سبقوه , ويخوض معهم في الضلال المبين , وهؤلاء هم المتصارعون على الدنيا بأسبابها حلالاً أو حراماً   أما الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويزينون للناس أهوائهم , ويزينون للحكام فسوقهم عن منهج الله تبارك وتعالى , وظلمهم للناس , فهؤلاء ليسوا ممن تستولي عليهم الشياطين وتحضرهم إلى ساحات الغواية , ... بل هم ممن تطيعهم الشياطين وتعمل بأمرهم , فهم القادة الذين تبوء المكانة والصدارة في ساحات التزيين والتلبيس للباطل ببعض الحق !! ومن خلال النظر السريع في كتاب الله تبارك وتعالى نجد أن هؤلاء الصنف من الناس لهم أشد العذاب والإهانة والإبعاد , وذلك لأنهم سبب مؤثر وبالغ في ضلال الأمم والشعوب والأتباع , وهل أفسد يني إسرائيل وأضلهم إلا الحكام والملوك من ناحية والعلماء من ناحية أخرى والجنود المجندة للطاغوت,  للصنفين الحكام والعلماء , فالجنود للحكام الفاسقون , والأتباع العميان للعلماء الغاوون , والرسم القرآني لكلمة الباطل بغير الألف الحنجرية , لأنه من المسائل المعنوية , وليست له حقيقة مادية محسوسة .

وكتمان الحق كله أو بعضه, كذلك هو من أكبر الكبائر , وأشنع الذنوب المتعدية آثارها على الأفراد والشعوب , وهو المقتضى الطبيعي لإظهار الباطل ونشره بين الناس , لأنه يكون على حساب الحق حقيقةً ووجوداً , فكل باطل مزين وملبس بشبه الحق وهيئته يقتضي حتماً إخفاء الحق وكتمانه لأنه لا يجتمع مع الباطل في نفس المكان والزمان , لأن الحق ـ ما دام خالصاً ـ إذا جاء في كامل صورته وهيئته , فإن الباطل يفر مولياً دبره خاسئاً حسيراً زاهقاً , وما رتع الباطل وانتفش واستطال إلا في غياب الحق وكتمانه . 

وختام الآية دالٌ على أن المعنيون بهذا الخطاب بالأساس هم العلماء الذين شرفهم الله تبارك وتعالى بالعلم ثم هم يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة ويخلدون للأرض وللحياة الدنيا فلهم شر مثل في كتاب الله تبارك وتعالى , فهم أمثال الكلاب العاوية ! 

      

۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٤٤وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

    ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

مازال الخطاب في هذه الآية الكريمة للذين آتاهم الله تعالى العلم والكتاب ـ وللناس من ورائهم ـ والاستفهام  للتعجيب من أمرهم , إذ يأمرون غيرهم بالبر ثم ينسون أنفسهم ولا يأتمرون بما يأمرون به الناس , إنه الفصام النكد بين القول والنصح والوعظ  من ناحية , والعمل والتخلق بما يأمرون به من ناحية آخرى , والبر اسم جامع لكل خير ظاهرٍ وباطن , لذلك الدين كله في البر , والبر كله في الدين . وجهان لعملة واحدة , والآية الكريمة تكشف عن داء ومرض خبيث بين الناس عامتهم وخاصتهم , وخاصةً الموسومون برسم العلم ومن حملته ,الذين احترفوا مهنة الوعظ والإرشاد وهم عارون مما يدعون إليه غيرهم , ولا يلزمون أنفسهم به منهجاً عملياً , إن الخطب والمواعظ على رؤوس الناس تلقى هوىً عميقاً في النفوس , وتستلذ بذلك لذة غامرة ً, تنسيها نفسها وتجعلها كالشمعة تحرق نفسها لتضيئ لآخرين , وجسر يعبر عليه الناس ثم ينكسر ويهوي بعد حين ! ... إن النفس البشرية مفعمة بالأهواء والطغيان, تأمر بالسوء وهي متوشحة بوشاح الدين والصلاح , وتخلد للدنيا وملذاتها وهى تتمنى على الله تبارك وتعالى ,

 ولذلك جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم " وهذا يدل على أن مخالفة النفس نجاةٌ , ودالٌ على سلامة العقل , و القرآن الكريم يحمل على أمثال هؤلاء حملةً ضارية في كثير من آياته , لأنهم يأمرون للبر بألسنتهم ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى بأعمالهم وحالهم , فهم في حقيقة حالهم لا دين عندهم ولا تقوى , ولكن يأمرون بالبر لتحقيق أغراض نفسية وشهوانية وطلباً للدنيا وحطامها من غير أبوابها , ويأكلون أموال الناس بالباطل مقابل هذه المواعظ والخطب البليغة المؤثرة !  ...والآية الكريمة تصكهم صكاً في ختامها , وتقرعهم على رؤوسهم ونواصيهم الفارغة من التعقل , أفلا تعقلون !        

وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

وفى هذه الآية الكريمة توجيه للمنهج العملي القويم , الذي يهذب النفس ويزكيها ويرتقي بالروح ويصلها بخالقها العظيم سبحانه , وقوام هذه المنهج في الصلة بالله تعالى ودوام مراقبته في السر والعلانية , والصلاة ذات الخشوع معراج روحي للمؤمنين ,وطهارة للوجدان والضمير , والمداومة عليها في أوقاتها المعلومة يجعلها روحاً وكياناً نورانياً قائماً بذاته تأمر صاحبها بالمعروف وتنهاه عن المنكر , والصلاة ذات الخشوع لله تبارك وتعالى  والتي ينتج عنها كياناً روحياً نورانياً متعلقة بصاحبها وملازمة له, تنير له السبيل القويم , وتأمره بالخُلق الكريم , تحتاج للصبر الجميل في المداومة عليها والخشوع فيها , فالصبر خُلق معين على كل غاية , وتحصيل المكرمات والفضائل , وتحمل مصائب الحياة الدنيا وبلوائها , .. فكأنه قيل وكيف السبيل إلي تحصيل الغايات المرجوة من الطهر والفضيلة والعمل الصالح المقبول وردع الهوى المستطير في النفس وإلجام الشهوات المزينة بالوهم والتضليل ؟ فتأتي الآية الكريمة تبين السبيل وترشد لأسباب النجاة والفلاح وتحقيق مرضاة الله تبارك وتعالى ,وهذه النصيحة وهذا الإرشاد الذي تقدمه الآية الكريمة يبدو أمرا في غاية الصعوبة والمشقة على الذين سيطرة عليهم أهوائهم , واستعبدتهم شهواتهم وأغراضهم العاجلة فهم مشغولون بتحصيلها وينفقون العمر في تحصيلها , حتى الصلاة أصبحت عندهم مجرد حركات وتسبيحات وقراءة لا حضور فيها للقلب ولا خشوع , لذلك هذه الصلاة بهذه الصورة المزرية لا ينتج عنها ومنها روحاً وكياناً نورانيا , لأنها صلاة ميتةً بلا روح , وإنما ينتج عنها كياناً شبحياً  مشوهاً مظلماً, يظل جاثما على صدروهم, فتزداد ضيقاً إلى ضيقها, وحرجاً إلى حرجها! ..... لأنهم لا يقومون للصلاة إلا كسالى ولا يذكرون الله تبارك وتعالى فيها إلا قليلاً, إضافةً إلى جزعهم عند حلول المصائب وخوارهم النفسي تجاه مصاعب الحياة.


القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق

 

القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق



والسورة الكريمة ,بعدما حملت عجلة التاريخ مسرعة ً تطوي المراحل والقرون , ثم هاهي , تبطئ سرعتها , ثم تتئد رويداً  رويداً وعلى مهل عند محطة بني إسرائيل ! لقد جاءت عجلة التاريخ الموجهة مسرعة حتى زمن التنزيل والوحي , ثم استدارة لتعود مرة أخرى للزمن الماضي , فسارت قاصدة ديار وزمن بني إسرائيل , ثم توغلت في تفاصيل حياتهم , لتعرض لنا مشاهد تصوير حية , من تفاعلهم  مع الوحي , وكتاب الله تعالى  الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام , مشاهد تعكس التفاعل الحركي الظاهري , والتفاعل النفسي الباطني ,    النفسية الكامنة وراء التفاعل الظاهري  , وتسليط الضوء على قضية الميثاق والعهد ‏ مما يجعل قصص بني ‏إسرائيل مرتبطة بقصة آدم عليه ‏ السلام التي كانت معنا منذ قليل من خلال السورة الكريمة                

يا أبناء إسرائيل , نبي الله الكريم يعقوب عليه السلام , وهذه  براعة وروعة  الاستفتاح البياني في خطاب هؤلاء القوم الضالين عن أصلهم وطريقة أسلفهم المؤمنين , فلا يبهتهم ويصفعهم بيا أيها الضالون , رغم ضلالهم , ولا ياأيها الكافرون , رغم كفرهم  , ولكن القرآن يخاطبهم خطاب رحيماً رخيماً بصوت عذب رقاق ,وفي نفس الوقت لا يداهن ولا يداعب فسوقهم , ولكن ينطق بالحق ويدعوهم إليه في أسلوب متصاعد الوتيرة ويدعوهم دعوة خاصة , بعد الدعوة العامة التي سبقت في السورة الكريمة " ياأيها الناس اعبدوا ربكم ....."  وذلك تأليفاً لقلوبهم , التي قست من بعد ما جاءتهم البينات من ربهم ! 

وكل دعوة في القرآن الكريم لأهل الكتاب , ليس معناها مخصوص باليهود والنصرى حصراً , ومن يظن ذلك فهو لم يفهم بعد أساليب القرآن الدعوية , والبيانية , فهو بعيد من القرآن لا يرى إلا ظاهر الجدار , ولا يرى ما وراءه ! 

ونرى أن القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق , وكل نص يبدو من ظاهره خصوص , فهو يحتوي عموم مطلق تحت هذا الخصوص الظاهر وفي أعماقه دلالات وإشارات وإيحاءات مطلقة عن الأشخاص  والزمان والمكان , ولكن يمكننا القول أن ذلك بعض من آثار الأساليب البيانية المتنوعة في القرآن الكريم , تفصيلاً للآيات وتصريفاً للقول من زوايا مختلفة وإطارات متنوعة , إثارة للعقول , وتبصرة للقلوب , وذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد  .


" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٤٠﴾"

يا أبناء النبي الكريم , ألا تذكرون نعمائي عليكم وعلى آباءكم من قبل , والبدء بحديث النعم له أثر بالغ على كل إنسان لم تزل فيه بقية  من روح الله تعالى ومحبته سبحانه , والعهد عام وخاص , العهد العام الذي كان من عموم البشر كأنفس مجردة , والعهد الخاص الذي كان من أهل الكتاب , وأسلوب المشاكلة في القران الكريم , له أثر بالغ على النفس , ولا تطيق العبارة وصفه , والإمساك ارجى للسلامة , وحسن مآب , يدعوهم رب العالمين سبحانه وهو الغني عنهم وعن العالمين للوفاء بالعهد والميثاق الذى اخذ عليهم , فسيجدوا الله تعالى تواباً رحيماً بهم , يقيل عثراتهم , ويكشف ضرهم , ويهدي قلوبهم للحق الذي تركوه منذ زمن بعيد , بل عادوه وابغضوه ! ,, 

وإلا تفعلوا فاحذروا بأسي وإنتقامي , ... وسبحان من هذا كلامه !  أسلوب يأخذ بتلبيب النفس أخذاً , ويحيط بالقلب من كل جهاته !

لين ورفق في بداية الحديث , وتذكير بالنعم  , والعهود والمواثيق , والمقايضة في الوفاء وصدق الوعد , فكأنهم ما أنصتوا وما اهتموا بهذا الخطاب القدسي ـ كعادتهم الذميمة  ـ فإذا بالخطاب يزمجر بهم  ويصفعهم بصوت عالي جليل ,له صدىً يتردد في ساحتهم المكانية والنفسية ,  يخلع القلوب اللاهية , ويبهت الأسماع الساهية  !  "  وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " 

          

وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗالِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١﴾

ثم نرى وتيرة الخطاب في تصاعد  مملوس , يأخذهم من حضيض الفسق والعصيان , إلي أفق الطاعة والإيمان بالله تعالي وبرسوله صلى الله عليه وسلم , يأمرهم بالإيمان بهذا القرآن الكريم , حيث أنه الفرصة الأخيرة للإٌيمان , فلا كتاب بعده من السماء , ولا رسول يأتي بعد هذا النبي الكريم عليه صلوات الله تعالى وسلامه , وقد جاء القرآن الكريم بتصديق الكتب والرسالات السابقة عليه , ويبطل ما افتراه المبطلون الضالون على رسالات الله تعالى ورسله عليهم صلوات الله تعالى وتسليمه , 

جاء القران الكريم مصدقاً ومهيمناَ وحاكماً على ما سبقه , وما يأتي بعده من عصور وأزمنة وأنس ٌ وجانٌ إلى يوم القيامة , أليس هو الخطاب الأخير من الله تعالى لكل المكلفين الممتحنين إلى يوم الدين , لذلك القران الكريم جمع كل العلوم والمعارف , والهداية والرشاد , والحكمة والسداد , بشيراً ونذيراً , وسراجاً منيراً , وشفاء ورحمة للمؤمنين به , الآميّن إلى رحابه , الطآئفين بمعانيه ودلالاته .

‏‏يقول ربنا تبارك وتعالى , يا من أنتم أهل كتاب منزل من السماء , من عند الله تبارك وتعالى , آمنوا بما نزل من عند الله تبارك وتعالى على خير الأنبياء وخاتم النبيين , النبي صلى الله عليه وسلم  , وقد كان أدعى بكم أن تكونوا أول المؤمنين به , المنافحين عنه ضد كل كفار عنيد , ألستم تزعمون الإيمان بالله وباليوم الآخر , وانكم خير الناس وأحبهم إلى الله تبارك وتعالى , فكيف بكم أن تكونوا أول الكافرين به ! ويلكم ...كيف تشترون الضلالة بالهدى , وتستبدلون الذى هو أدنى بالذي هو خير , و القرآن الكريم خير لكم مما سواه مما حرفتموه وزيفتموه ثم نسبتموه لله تبارك وتعالى , ولا تشتروا بكفركم بهذا القرآن الكريم ثمناً قليلاً ـ والدنيا كلها من أولها لأخرها ثمناً قليلاً ـ  فإن هذا القرآن الكريم  أعظم من كل حطام الدنيا الفانية , وهو حظكم من الله تبارك وتعالى , فإن أخذتموه بقوة أخذتم بالحظ الأوفر , وإن تركتموه خسرتم كل شيء , و الله تبارك وتعالى يعظكم لعلكم تذكرون , وتعلمون أنه تعالى شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهياه , فَمَنّ غيُر الله تبارك وتعالى ترهبون  وتجعلون له على أنفسكم ألف حساب وحساب , وختام الآية يزمجر بهم في نبرة عالية تلفح قلوبهم العاتية , وتصفع أحاسيسهم المتبلدة  , وقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.   

الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟

 

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟
طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟


قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٣٨﴾

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿٣٩

لمن الخطاب هنا في الآية الكريمة, ولمن الهبوط؟ وليس هناك تكرار في القران الكريم بالمعنى الحرفي , وإنما مشاهد معادة من زوايا تصويرة مختلفة , تؤدى معنىً خاصاً بسياقه ,إضافةً إلى المعاني الأخرى في السياقات الأخرى , وهذا من إعجاز القرآن البياني , لا يقذف بالمعاني  والحكم والمواعظ جملة واحدةً , وينتهى من موضوع أو قضية ما  ,ليبدء في موضوع وقضية أخرى ... وهكذا ! 

إن القرآن لا يفعل ذلك , ولا يشبه ذلك , إنه ينثر المعاني والحكم المتعلقة بالقضية الواحدة عبر آياته المتفرقة في السور , تشويقاً وإثارة للحس , فتتنوع داخل السورة الواحدة الموضوعات والحكم والمواعظ , تنوع البستان بأزهاره , حمراء وصفراء تسر الناظرين , في نسيج ملتحم يتلألأ بنجوم تومض , كوميض النجوم في السماء , وكل ذلك تيسيراً للذكر , وتقريباً للفهم , وإحياءً للقلب , ومعراجاً للروح , وترويحاً للنفس , ... هكذا وقعها وحسها عند المؤمن , أما بليد الحس , بعيد الفهم , حطيط الهمة , سقيم القلب , ضعيف العقل  فيراها مكررة ومعادة ً بلا فائدةً , ويرها اختلافا وتناقضاً يشتت الفكر!   وسبحان الله العظيم " يهدي به كثير ويضل به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين "  ما نراه في الآية الكريمة أنه خطاب لنا جمعياً نحن البشر , وهذا الهبوط لابد منه لكل واحدٍ منا , فقد تم خلقنا جميعاً "كأنفس مصورة" مع خلق آدم عليه السلام , ومنذ ذلك الوقت ونحن في موات مؤقت أشبه بالحياة , فإذا جاءت لحظة البداية لبدء الامتحان , في ساحة الإبتلاء في عالم الحياة الدنيا , يأمر رب العزة والجلال تعالى النفس بالهبوط والتلبس بجسدها المعد لها لضرورة الإختبار , ثم يتفضل عليها المولى تعالى , بإعطائها الدفعة القوية الأخيرة في الإتجاه والطريق الممهد لها والمسخر بين يديها بأسبابه , وهذه الدفعة هي الروح العلوية الطاهرة الزكية التي تنفخ فيها , وهى الفطرة التي ينفطر كل الناس منها وعنها .

ثم ماذا بعد أن يملك الإنسان أمره , ويصبح قيما على نفسه بصيراً , يبدأ إمتحانه , ويجري عليه القلم بكل شيء , ولابد أن يختار بين سبيلين ومسارين إما شاكراً , وإما كافوراً .... القدر يحيط به , فأين المفر , لا وزر , إلى ربك يومئذ المستقر  , لا رجوع للوراء , فمحور الزمن يحملنا جميعاً اضطرار وقهراً إلى نقطة النهاية , لآبد من الإختيار , وأن تتحمل عاقبة القرار بنفسك , لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله , وجل الله تعالى أن يقذف بنا في أرحام إمهاتنا بعد الهبوط المقدر المحتوم , ثم  يتركنا هملاً بلا منهجٍ ولا دليل ,  ولكن الله أرحم بنا من أنفسنا بأنفسنا , فقد خاطبنا خطاباً مباشراً , في الزمن الماضي البعيد , بعد خلق أنفسنا وتصويرها , ووعظنا وذكرنا بحقيقتنا , وأخذ علينا الميثاق وأشهدنا على أنفسنا , واعترفنا  بعبوديتنا وفقرنا إليه , وربوبيته وقيوميته على كل شيء , وهذا الخطاب هو الذى أحيانا وأبقانا أحياء في عالمنا الأول المجرد  , وإن كنا من منظور الحياة الدنيا أموات ,   ثم منّ علينا مرة أخرى , فنفخ فينا من روحه , كدفعة قوية تغالب طغيان المادة , وتطفئ لهيبها , وأثر باقٍ فينا من أمر الله تعالى , نفيئ إليه كلما استزلنا الشيطان , ونأوي إليه إذا غابت شمس الدليل وجاء الليل البهيم ,... ثم تتابعت المننّ الربانية , وتسابقت إلينا العطاءات الرحمانية , فقد علم الله تعالى ضعفنا , فرحمنا وتفضل علينا بمنهج علوىٌ سماويٌ , منزه عن الأهواء , بل هو العصمة منها  , يفيض بالهدى فيضاً غامراً دفاقاً , يجمع شملنا فليس بعده إفتراقاً , يعلي شأننا ويرفع ذكرنا , فيا ويح من حرم , ويا سعد من ذاقا , يهدي للتي هي أقوم , ويحكم بالحق , ويقذف به الباطل فيندحر زهوقا , هو كلام الله تعالى الذى قامت به السموات والأرض , ومن خشيته اندكت الجبال وصارت ترابا, فيا ويح من أعرض عنه , كيف يرجوا سعادةً , كيف ينجوا من طغيانه , أم كيف يهتدي من يمشي مكباً على وجهه , فلا يزداد إلا احتراقا  ؟

كتاب الله تعالى المنزل , هو المنهج الأقوم , وهو الصراط المستقيم , من تبعه قاده إلى رضوان الله تعالى والجنة , حيث لا خوف عليهم من أي شيء , لا سقم , ولا موت ,. ولا فوت لكل ما تتمناه النفوس , ولا حزن فيها على شيء فات ومضى  , فهم في جنات النعيم , يتساءلون عن الكافرين المجرمين الذين كذبوا بالكتاب وبما أُرسل به المرسلون , هؤلاء الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة , بأعراضهم عن كتاب ربهم شريعة ومنهاجاً , وحكماً قيماً لا عوج فيه , يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم , فمن اتخذ آيات الله تعالى هزواً , كأن يعتقد أنه كتاب وعظ وإرشاد روحي فقط , ولا شأن له بتنظيم حياتنا الدنيا , كأفراد  أو جماعات  أو دول وشعوب , فهذا مكذب بآيات الله تعالى وهو من الكافرين , ,, ومن آمن ببعضه وحكم به , ثم كفر ببعضه فلم يحكم به , تحت أي دعوى , أو  أهواء ملتبسة بلباس العلم , كدعوى المنسوخ , أو التخصيص , أو التشابه , بلا دليل  أو برهان  ولا سلطان من الله تعالى , فهو أيضاً من المكذبين بآيات الله تعالى ومن الكافرين . وأبواب الكفر غير محصورة , لكن أصلها ومنبعها وجذرها هو التكذيب والجحود بآيات الله تعالى كلها أو بعضها , تحت أي دعوى أو مسميات ما أنزل الله بها من سلطان , ولا فرق بينهما إلا في درجة الكفر وزيادته .



يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ﴿٤٠  وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢﴾ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴿٤٣﴾ْ

إن عجلة التاريخ تأتي إلينا ـ عبر السورة الكريمة ـ بخطى سريعة ونقلة هائلة فوق محور الزمان الكوني , فقد بدأت السورة الكريمة التأريخ في الملاء الأعلى , عبر أحداث الخلق والتكوين , ثم نقلة آخري نوعية إلي خلق آدم عليه السلام , فتمهلت عجلة التاريخ قليلاً ـ من خلال السورة ـ عند هذه المرحلة , ثم انطلقت مسرعة تطوي الزمان طياً عبقرياً , تصور وتسجل كل تفاصيل التفاعل البشري مع الزمان والمكان وهدى الله تعالى , كل الحركات , كل الكلمات , بل كل الهماسات!  وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴿٥٢﴾ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴿٥٣﴾‏
والقرآن الكريم الذي يحمل عجلة التاريخ هذه , ويمسكها ويطلقها كيف يشاء تبعاً لضرورة العرض المخصوص من زوايا معينة , لمراحل زمانية ومكانية معينة , فهو يقلبها كيف يشاء في عرض تصويري ثلاثي الأبعاد , تبعاً للحكمة البالغة والقدرة المطلقة لله تعالى .

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام

 

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام
الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام


فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ

 وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ﴿٣٦

 وكان الهبوط المدوي , والسقوط المريع , بالأمر القدسي , وعالج آدم وزوجه مرارة الآسي , وامتلاء عن آخره بالحزن , وفاضت نفسه من الألم وبكى كثيراً كثيراً  على ذنبه يعتصره الندم , ولنا أن نتصور مدى إحساس آدم عليه السلام بالفجيعة والخجل من الله تعالى , وقد فقد الأنس الذى كان يشعر به في الجنة بقربه من مولاه , واستولى عليه الحزن , كيف كان ؟ ثم كيف هو الآن؟


فَتَلَقَّىٰٓءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾

ولولا أن تداركه ربه برحمته وعظيم فضله لهلك آدم أسفاً وحزناً على ما فرط في جوار ربه ومولاه , إن حزن آدم عليه السلام وآساه  لم يكن على فقد متاع الجنة الحسي من مطعم ومشرب سهل ميسور , معاذ الله أن تكون هذه همة من خلقه الله تعالى بيده , وكيف وقد أحسن الله تعالى إليه وكرمه ونشر فضله بين المقربين في الملاء الأعلى  , ولكن خجله من ربه ومولاه ,وكيف عصى أمره , في طاعة عدوه المطرود من رحمة الله تعالى , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى الحزن الذى ملكه وأسال دمعه منهمراً , أن فقد جوار ربه ومولاه تعالى , ففقد الأنس والسكينة التي كانت تحيط به وتغشاه , فقد النور الذى يجلله ويهدى خطاه , ألم يحرم من الخطاب , وسماع النداء القدسي إذ ناداه ! تالله لولا أن تداركته رحمة ربه ومولاه , لهلك آدم منذ أن وطأة الأرض قدماه , فيا ترى  ماذا كانت هذه  " الكلمات" القدسية التي انتشت آدم عليه السلام من همه وكربه الذى اجتواه  , لم يخبرنا السياق في الآية الكريمة بسرد هذه الكلمات , ولكن ... اليست هي من كلام رب العالمين ربه ومولاه , فهذا الذى شفاه وقد شرف على الموت حزناً , وهذه الكلمات صارت سلواه في وحشته تهدى في الأرض خطاه , والأنس الذى فقده , عاد إليه متشوقاً , تبرق أساريره , فقد تاب عليه مولاه واجتباه , وقد ملك آدم حبه , فكيف يطيق الحياة بغير كلمات الله ؟! 

وهذا هو الدرس الذى يقدمه القرآن لكل إنسان على وجه الحياة , من نعمة الطاعة والإجتباء , إلى ذل المعصية والخروج عن أمر الله تعالى حيث الهبوط المتحتم مكانةً وقدرا , وذلاً وانكسارا  , إلى ظلال التوبة وفيئها , وبرد الحياة بعد لهيبها , 

وهذه هي معجزات القصص القرآني , مشاهد حية تطرق الحس طرقاً ليستيقظ , وتجذب العقل بلطفٍ ليتدبر , وتأسر القلب ليرى العبرا , وتملك الوجدان ليمتلئ بهجةً وسروراَ .



لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة