بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 ديسمبر 2020

مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين الفراعنة

 


مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين
مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين


            وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيم 49 وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

الآية الكريمة تذكر بني إسرائيل ـ ونحن معهم  ـ بحدث تاريخي هائل ومأسوي ومفجع ,هم لا يستطيعون نسيانه ولا إنكاره , حتى يكون هذا القصص آية لهم على صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  , فيأمنوا به ويتبعونه فتكون نجاتهم من الكفر والضلال الذي ولغوا فيه منذ زمن بعيد , والآية الكريمة تقدم لنا مشاهد حية متحركة مفعمة بالأسى , نسمع من خلالها أصوات الأنين , ونرى الدموع تترقق في محاجرها , والآهات تشق صمت الليل الحزين , مأساة أمة وشعب , على يد أمة وشعب آخر , الآية الكريمة تنبئنا أن الذى أقام لبني إسرائيل  محافل التعذيب الهمجية هذه هم ءال فرعون , وهم كل المؤمنين بفرعون كحاكم له الحق على الشعب , وليس لاحد من الشعب عليه حق , وكل معاونيه وأوليائه وجنوده أجمعين , ولذلك نرى الآية الكريمة تصف مشاهد التطهير العرقي بصيغة الجمع المضارع  , يسومونكم  ,يذبحون  , يستحيون , وهذا يدل على أن فرعون إستطاع تجنيد قطاع كبير من القبط المصريين للمعاونة والمساندة والدعم اللوجستي والمعلوماتي في هذه الهجمة البربرية المجرمة على شعب بني إسرائيل , ولا ندري الأسباب التي كانت من وراء حملة " التطهير العرقي " هذه , ولكننا نستطيع أن نؤكد على السبب الديني , كسبب رئيس لهذه الحملة المجرمة على شعب بأكمله أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً , رغم أن بني إسرائيل في هذه الفترة من تاريخهم كانوا قد خرجوا من التوحيد إلي الوثنية, التي اكتسبوها ودخلت عليهم من مخالطة الوثنين المصريين , ولكنهم ظلوا محتفظين بعادتهم وتقاليدهم , المخالفة لتقاليد وعادات القبط المصريين , وسبب آخر يمكننا أن نلمحه من خلال هذه المشاهد القرآنية المعجزة , أن الطغاة المجرمون من الحكام أمثال فرعون ـ وأمثاله كثير في التاريخ القديم والمعاصر ـ يريدون إشغال الشعب في ملهاة مصطنعة , أو مأساة مختلقة وملفقة , التي على أثرها يفترق الناس ويختلفون ... وهكذا يستبدون بالملك , ويملكون الناس كما يملكون المتاع الرخيص ! ...

هل صحيح ان سبب حملة التطهيرالعرقي  ضد شعب اسرائيل  رؤيا لفرعون؟

أما ما ذكر في كتب التفسير من أن السبب في ذلك تلك الرؤيا التي رءاها فرعون أنه يولد لبني إسرائيل ولد يكون زول ملكه على يده ! فهذا ليس عليه دليل , وليس له أي ذكر سواء تصريحاً أو تلميحاً في الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكريمة التي صورت لنا المشهد من زوايا مختلفة  ولو كان هذا حقاً لقصه الله تبارك وتعالى علينا كما قص علينا رؤيا ملك مصر من قبل في زمن يوسف عليه السلام !.... ولو كان ذلك حقاً لما أبقى فرعون الطاغية الضنين على ملكه والشعب الخانع الذليل , لما أبقي على موسى عليه السلام , وهو في المهد رضيع ! وأين هذه الرؤيا منه وهو يقوم بتربية غلام ذكر من بني إسرائيل !!, هل نسيها ؟!! أم فقد الذاكرة وهو زميم ؟!! 

والقرآن الكريم يقدم لكل الناس من خلال هذا القصص البالغ التأثير, الوجه الكالح العبوس, للجاهلية عندما تحكم وتسود مجتمعاً يخضع ويرضى بحكم الطاغوت, والحقيقة البائسة, والعاقبة الوخيمة التي تنتظر المجتمعات التي تنتكس في حمأة الشرك والوثنية, وتتردى في معتقدتها وتصوراتها الدينية لربها ومعبودها الحق جل جلاله وتباركت أسمائه, وليس لذلك من عاقبة إلا الذل الهوان تحت أقدام الطواغيت, والعذاب الأليم في الآخرة  فماذا أغنت عنهم طواغيتهم ومعبوداتهم من دون الله تبارك وتعالى ؟ وماذا كسبوا إلا خسران الدنيا والآخرة , قال الله تبارك وتعالى " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين , ولقد أرسلنا فيهم منذرين "

والآية الكريمة تصف هذه الملحمة التي ظللت بني إسرائيل ووسعتهم كباراً وصغاراً, وصفاً حركياً بليغاً مؤثراً  للمشاهد ـ وهو المتدبر لعمق المشاهد المصورة بعين البصيرة ـ وللسامع الذى أنصت للذكر وأقبل بقلبه عليه


الخميس، 3 ديسمبر 2020

هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟

 


هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟
هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟


و الشفاعة هي أكثر ما يروج عند عامة الناس وخاصتهم ويتعلقون به تعلق الغريق بالقشة , ويروّن فيها روايات مأثورة غير صحيحة بالمرة لأنها تخالف ما قرره كتاب الله تبارك وتعالى في مسألة الشفاعة , والأصل في باب الشفاعة هو هذه الآية الكريمة والآية الكريمة الأخرى التي تليها في نفس السورة الكريمة "  وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْءًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ 123‏" وهذه الآيات الكريمة

 " يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَٰعَةٌ وَالْكَٰفِرُونَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ 254‏ البقرة

" وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "51 الأنعام

‏"وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ ‏وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ‏‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ  70"الأنعام‏

‏"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ ‏فِيكُمْ شُرَكَٰؤُا لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ 94" الأنعام

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ ‏فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ 43" الأعراف

‏"وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَٰؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّءُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي ‏السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" 18 يونس

‏"فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ" 100 الشعراء ‏"وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَٰؤُا وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَٰفِرِينَ" 13 الروم

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ 4" السجدة

‏"ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا وَلَا يُنقِذُونِ "23 يس

" أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْءًا وَلَا يَعْقِلُونَ "43 الزمر

" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر 

‏"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْءَازِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَ مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ" 18 غافر

‏"فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَٰعَةُ الشَّٰفِعِينَ" 48 المدثر 

هذه الآيات الكريمة تنفي تعلق الشفاعة بغير الله تبارك وتعالى نفياً قاطعاً حاسماً باتاً , وهي الأصل في باب الشفاعة لأنها لم ترد بأي إستثناء من أي نوع لا متصل ولا منفصل , وتثبت تعلق الشفاعة بالله جل جلاله وتباركت أسمائه وحده وفقط وليس لأي أحد حج فيها مدخل كائناً من كان .  كما وردت الشفاعة في آيات أخرى مقيدةً بإستثناء ذو حيثيات معينة , لا تعارض الآيات الكريمة السابقة الذكر , ولا تخصصها , وإنما تزيدها تأكيداً وبياناً وتوضيحاً , وهي كما يلى حسب ترتيب المصحف الشريف : 

  ‏"اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ ‏إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ ‏وَلَا يَءُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "255 البقرة ‏ 

‏"إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن ‏بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" 3 يونس  ‏"لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا87" مريم

‏"يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" 109 طه

‏"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ"28 الأنبياء

‏"وَلَا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"23 سبأ

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف

‏"وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَٰوَٰتِ لَا تُغْنِي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ"26 النجم

فكما نرى أن الشفاعة في هذه الآيات الكريمة متعلقة بإذن الله تبارك وتعالى , أو اتخذ عند الرحمن جل جلاله عهداً , أو أذن له الرحمن جل جلاله  ورضى له قولاً , أو شفاعة الملائكة الكرام لمن ارتضى الرحمن جل جلاله  , ... أما الإستثناء الوارد في سورة الزخرف الآية الكريمة 

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف  , فنراه استثناء منقطعاً  لأنه وارد على المشركين وشركائهم الذين يدعونهم من دون الله تبارك وتعالى  ,

 إذاً هذه الآيات الكريمة الأخيرة التي وردت فيها الشفاعة مقيدة بحيثيات كلها ترجع إلى الله تبارك وتعالى , كما امرنا الله تبارك وتعالى أن نقول ذلك ونؤمن به إيماناً لا شك فيه كما في الآية الكريمة   ‏" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر ‏  ... وهذه الحيثيات الواردة في الآيات الكريمة السابقة الذكر كلها من الغيب الذي لا نعلمه ولا نتقدم فيها بين يدي الله تبارك وتعالى بشيء فالإذن والعهد والرضى كشرط للشفاعة كلها تابعة لمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة . 

إذاً القرآن الكريم  لا يثبت شفاعة مطلقة محققة الوقوع يوم القيامة ,  لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب , بلا قيد أو شرط , وهو كذلك لا ينفي مطلق الشفاعة , بل يثبتها لله تبارك وتعالى وحده ومن أذن له ومن رضى له قولاً وهذه شروط متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى , فهي قد تقع يوم القيامة من الله تبارك وتعالى من نفسه إلى نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , أو من الملائكة المقربين , أو من أولي العزم من الرسل  , أو من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو أحقهم وأولاهم لما له من القدر والمكانة عند الله تبارك وتعالى , وهو صاحب المقام المحمود يوم القيامة , لكننا لا نجزم بها كوعد محقق الوقوع , ولا ننفيها مطلق النفي , لأنها متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة , وهي من الغيب الذي لا نعلمه , والأمر كله راجع لله تبارك وتعالى ولمشيئته , ولا مشيئة لأحد يوم القيامة معه , بل كلهم مستسلمون , لا يتكلمون إلا بإذنه , ولو قدر الله تبارك وتعالى أن تكون شفاعة وشفعاء يوم القيامة فإن ذلك لا يكون بطلب من أحدٍ ولا حق لإحدٍ في ذلك , وإنما يكون ذلك بدايةً من الله تبارك وتعالى إذناً وأمراً , ولذلك لا ينبغي لإحدٍ أن يتعلق بأمر الشفاعة ويركن إليه كأمرٍ واقع لا محالة , لأننا لا ندري ما الله تبارك وتعالى فاعلٌ في هذا الأمر , فينبغي لكل مسلم صادق الإيمان أن يقدم لنفسه العمل الصالح والتوحيد الخالص لله تبارك وتعالى , وليكن على رجاءٍ في الله تبارك وتعالى وحده , أن يقبل شفاعة أعماله الصالحة الخالصة لله تبارك وتعالى , وأن يعامله بالفضل والعفو والمسامحة , فهو سبحانه وتعالى أهلٌ لذلك وأحق به جل جلاله وتباركت أسمائه , وأن يكون في خوفٍ شديد لا يتملل منه ولا يفارقه ليلاً ونهاراً ,... وإلا فما لكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً  , استغفر الله تبارك وتعالى وأتوب إليه والحمد لله تبارك وتعالى .  

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى علىمعنىاليقين؟

 

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟
هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟


ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

الظن يرد في لغة العرب على محمل الشك والريب والتهمة , ومجمل ورود الكلمة في كتاب الله تبارك وتعالى يَرد على محمل الإعتقاد المحمول على دعامتي الرجاء والتمني,  القائم على مقدمات صحيحة أو باطلة ,الإعتقاد الصحيح المبني على مقدمات صحيحة, أو الإعتقاد الباطل الخاطئ تبعاً لمقدماته الخاطئة وفي هذه الحالة فإن الأنسان يعتقد أيضاً أنه على صواب ,ففي الحالة الأولى يقين أشبه بالظن من حيث الرجاء والتمني والخوف  الذي يحمله , وفى الحالة الثانية ظن وتخَرص أشبه باليقين من حيث كونه إعتقاداً مبني على مقدمات ولكنها فاسدة ,   ولكن القرآن الكريم يحدثنا عن حقائق مطلقة لا تخضع لتصوراتنا وأوهمنا , ولا تخضع لقوانين الرؤية والتصور في عالم المادة والأسباب , ويقدم لنا حقائق المسائل والحادثات من حيث هي في حقيقتها المطلقة في عالمها , أما في عالمنا المادي المحسوس فإننا نتعامل مع أسمائها وصورها بالمنطق المادي البحت , ولا نستطيع النفاذ إلى عمق الحقائق إلا بتزكية أنفسنا والإرتقاء بمدركاتها وحواسها النفسية , ولا يمكننا ذلك إلا بطهارة الباطن و بالعمل الصالح, والتفقه والتدبر لكتاب الله تبارك وتعالى ,كمصدر وحيد وكافي وشامل للحقائق المطلقة من حيث هي في عالمها .

والقرآن الكريم يصف ويعبر عن هذه الحقائق المطلقة بالكلمة ورسمها وصوتها ورنينها, وبوضع الكلمة نفسها في سياق الآية الكريمة, وسياق الآية الكريمة في نسيج السورة القرآنية وفي مجموع ورود الكلمة في سياق الآيات الأخرى ؟ 

و الآية الكريمة تصف لنا الخاشعين الذين استعانوا بالصبر والصلاة التامة بأنهم " ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ " وهذا الظن في الآية الكريمة ينطبق عليه التعريف الأول للظن في القرآن الكريم , وهو الإعتقاد المبني على مقدمات صحيحة ويحمله الرجاء والخوف كدعامتين  وورود الآية الكريمة بهذا السياق يدل على أن المقصود باللقاء والرجوع  إنما هو لقاء الجزاء الأوفى ووعد المغفرة , ورجوعهم إليه سبحانه وتعالى رجوع الغريب إلى داره والشريد إلى مأواه , كما قيل في الأثر "القيامة عرس المتقين " " ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله تبارك وتعالى لهذا المعنى جاءت الآية الكريمة  بهذا السياق ولم تأت في سياق يوقنون كما وردت في الآية الكريمة  "  وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ " ٤ في أول السورة الكريمة , لأن الآية الكريمة في أول السورة الكريمة تصف الإيمان باليوم الآخر وهذا لابد فيه من اليقين الجازم الذي لا شك فيه , وإلا فلا إيمان ولا إسلام أصلاً , أما الآية الكريمة التي نحن في رحابها الآن فهي تصف إيمان المؤمنين بالوعد والجزاء الأوفى للعمل الصالح الذي وعدهم به رب العالمين تبارك وتعالى , فهم على يقين بالوعد وصدق الواعد جل جلاله وتباركت أسمائه , ولكنهم من ناحية آخرى على غير ثقة بإيمانهم و بأعمالهم أن تقبل عند الله تبارك وتعالى وتنجيهم من الوعيد وتكون سبباً في تحقق الوعد الكريم  لذلك نرى أن الآية الكريمة جاءت بهذا السياق لتدل على هذه المعنى , فهو إعتقاد قائم على مقدمات صحيحة وهو وعد الله تبارك وتعالى للمؤمنين بالمغفرة والنعيم , وهذا يقين لا شك فيه ,  وفي نفس الوقت هم بين الرجاء أن يكونوا أهلاً لذلك الوعد , والخوف من عدم قبول أعمالهم وقُرباتهم وبالتالي يلحقهم الوعيد , و الله تبارك وتعالى أعلى وأعلم , واستغفره سبحانه وتعالى وأتوب إليه . 


يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤٨

بعد النداء الأول الذي سبق معنا , والذي كان دعوة إلى الإيمان بالمنهج الأخير المنزل من السماء على خاتم الأنبياء محمد صلى الله علية وسلم  وترك العناد والكفر الذي تمادوا فيه منذ تاريخهم البعيد , في أسلوب قرآني فريد يخاطبهم جماعات وفرادى وأمم وشعوب ـ ومن ورائهم ومعهم هذه الأمة المحمدية وسائر الأمم إلى يوم الدين ـ في أسلوب دعويٌ يُحتذى يجمع بين الترغيب والترهيب , والماضي والحاضر , وقد بين لنا مولانا الحق جل جلاله وتباركت أسمائه أسباب الضلال وسبل الغواية وأصحابها وأهلها ومن هم أحق بها ممن هم سبب ضلال الناس في الماضي والحاضر , ويدعو الناس عامة وخاصةً إلى التوبة والإنابة لله تبارك وتعالى . 

ومعنا هذه الآية الكريمة وتحمل النداء الثاني العذب الرخيم يذكرهم بنسبهم لهذا النبي الكريم يعقوب عليه السلام, ثم يعقب النداء بموعظة بليغة لهم ولكل مؤمن بالقرآن الكريم , كأنها موعظة الوداع والنداء الأخير .... ثم كل نفس على نفسها بصيرةً ولو ألقى معاذيره ! 

كلمات قليلة لكنها في العمق البياني والدلالي تملئ ما بين السماء والأرض عبراً ومشاهد مبكية تخلع القلوب وتحطم أقفلها ,وتصك الأسماع صكاً يزيل صممها , يالله  كيف لا تنهمر دموعنا أنهاراً حزناً على قسوة قلوبنا وبلادة حسّنا وتفريطنا في جنب الله تبارك وتعالى فيما مضى من أعمرنا وخوفاً مما هو آت علينا فيغشانا ويسربلنا بسرباله , وينزعنا نزعاً شديد من بين أهلنا وأحبتنا ثم يُفضي بنا إلى ما قدمنا لأنفسنا ونصبح بما كسبنا رهائن مغّلالين في السلاسلا  مسجونين , أو مكرمين في هيئة حسنةٍ نزلا من غفور رحيم , نسأل الله تبارك وتعالى عفواً وتجاوزاً عنا  ..والآية الكريمة تنفي أربعة أشياء عن يوم القيامة  أن تعطي نفسا نفساً آخرى شيئاً من أجرها , وعدم قبول أي شفاعة , وعدم أخذ الفداء من احد يفتدي به نفسه , وعدم النصرة  فلا ينصر أحداٌ أحدا , إنه اليوم الرهيب , يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله تبارك وتعالى بقلب سليم , والآية الكريمة تنفي هذه الأمور وهذه العناصر الأربعة نفياً باتاً قاطعاً , لا يبقي أي أثر لأي آمال معلقة ., ولا لأي أماني مؤجلة , وتغلق أبواب الرجاء في أي سبيل للنجاة إلا باب الرجاء في رحمة الله تبارك وتعالى وشفاعته لعبده عند نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , وباب الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص , هذان بابان فقط يمر منهما وخلالهما عباد الله تبارك وتعالى المؤمنين الصالحين ,والباب الأول عام لكل الناس , أما الثاني فمن داخلة الباب الأول ومن بعده والطريق إليه مرسوم وموسوم بوسم خاص يعرفه المؤمنين وهذا الباب خاص بالأنبياء والمرسلين وأتباعهم  , وسائر الناس بعد ذلك في أرض المحشر هائمون على وجوههم لا يلوي احد على احد 

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "

 

   

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "
جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "  

 

                                      

وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢

وتستمر الآيات الكريمة في مخاطبة القوم الذين يزعمون الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر ـ ومن ورائهم كل زاعم وداعٍ ـ يأمرهم في نبرةٍ صارمة ٍ أن ينتهوا عن الأفك العظيم والضلال المبين الذي ارتكسوا فيه ورتعوا في حمئته , طوال القرون الماضية , إنه التلبيس ... وما ادراك ما التلبيس ؟! إنه فعل إبليس اللعين , ومن ورائه علماء البلاط والسلاطين , الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويأكلون أموال الناس بالباطل , ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى , ويبغونها عوجاً, ولكن لماذا تلبيس الباطل بثوب الحق؟

لأن الباطل لا قوام له بنفسه , ولا تقبله النفوس محضاً خالصاً , فهو معاكس لفطرة الكون والناس ,مناقض للعقل الصحيح , ولكنه موافق للأهواء والشهوات البهيمية , فالباطل لا يرتع إلا في ساحة الأهواء والغواية التي تسكنها الشياطين , وكل غاوٍ أفاكٍ أثيم , وكل من إتجهت إرادته للدنيا طلباً لها وحرصاً عليها بل وتكالب وتصارع من أجلها , فإن الشياطين تستولي عليه , وتأخذهم لهذه الساحات , ليرتع في الباطل الملبس والمزخرف مع الذين سبقوه , ويخوض معهم في الضلال المبين , وهؤلاء هم المتصارعون على الدنيا بأسبابها حلالاً أو حراماً   أما الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويزينون للناس أهوائهم , ويزينون للحكام فسوقهم عن منهج الله تبارك وتعالى , وظلمهم للناس , فهؤلاء ليسوا ممن تستولي عليهم الشياطين وتحضرهم إلى ساحات الغواية , ... بل هم ممن تطيعهم الشياطين وتعمل بأمرهم , فهم القادة الذين تبوء المكانة والصدارة في ساحات التزيين والتلبيس للباطل ببعض الحق !! ومن خلال النظر السريع في كتاب الله تبارك وتعالى نجد أن هؤلاء الصنف من الناس لهم أشد العذاب والإهانة والإبعاد , وذلك لأنهم سبب مؤثر وبالغ في ضلال الأمم والشعوب والأتباع , وهل أفسد يني إسرائيل وأضلهم إلا الحكام والملوك من ناحية والعلماء من ناحية أخرى والجنود المجندة للطاغوت,  للصنفين الحكام والعلماء , فالجنود للحكام الفاسقون , والأتباع العميان للعلماء الغاوون , والرسم القرآني لكلمة الباطل بغير الألف الحنجرية , لأنه من المسائل المعنوية , وليست له حقيقة مادية محسوسة .

وكتمان الحق كله أو بعضه, كذلك هو من أكبر الكبائر , وأشنع الذنوب المتعدية آثارها على الأفراد والشعوب , وهو المقتضى الطبيعي لإظهار الباطل ونشره بين الناس , لأنه يكون على حساب الحق حقيقةً ووجوداً , فكل باطل مزين وملبس بشبه الحق وهيئته يقتضي حتماً إخفاء الحق وكتمانه لأنه لا يجتمع مع الباطل في نفس المكان والزمان , لأن الحق ـ ما دام خالصاً ـ إذا جاء في كامل صورته وهيئته , فإن الباطل يفر مولياً دبره خاسئاً حسيراً زاهقاً , وما رتع الباطل وانتفش واستطال إلا في غياب الحق وكتمانه . 

وختام الآية دالٌ على أن المعنيون بهذا الخطاب بالأساس هم العلماء الذين شرفهم الله تبارك وتعالى بالعلم ثم هم يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة ويخلدون للأرض وللحياة الدنيا فلهم شر مثل في كتاب الله تبارك وتعالى , فهم أمثال الكلاب العاوية ! 

      

۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٤٤وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

    ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

مازال الخطاب في هذه الآية الكريمة للذين آتاهم الله تعالى العلم والكتاب ـ وللناس من ورائهم ـ والاستفهام  للتعجيب من أمرهم , إذ يأمرون غيرهم بالبر ثم ينسون أنفسهم ولا يأتمرون بما يأمرون به الناس , إنه الفصام النكد بين القول والنصح والوعظ  من ناحية , والعمل والتخلق بما يأمرون به من ناحية آخرى , والبر اسم جامع لكل خير ظاهرٍ وباطن , لذلك الدين كله في البر , والبر كله في الدين . وجهان لعملة واحدة , والآية الكريمة تكشف عن داء ومرض خبيث بين الناس عامتهم وخاصتهم , وخاصةً الموسومون برسم العلم ومن حملته ,الذين احترفوا مهنة الوعظ والإرشاد وهم عارون مما يدعون إليه غيرهم , ولا يلزمون أنفسهم به منهجاً عملياً , إن الخطب والمواعظ على رؤوس الناس تلقى هوىً عميقاً في النفوس , وتستلذ بذلك لذة غامرة ً, تنسيها نفسها وتجعلها كالشمعة تحرق نفسها لتضيئ لآخرين , وجسر يعبر عليه الناس ثم ينكسر ويهوي بعد حين ! ... إن النفس البشرية مفعمة بالأهواء والطغيان, تأمر بالسوء وهي متوشحة بوشاح الدين والصلاح , وتخلد للدنيا وملذاتها وهى تتمنى على الله تبارك وتعالى ,

 ولذلك جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم " وهذا يدل على أن مخالفة النفس نجاةٌ , ودالٌ على سلامة العقل , و القرآن الكريم يحمل على أمثال هؤلاء حملةً ضارية في كثير من آياته , لأنهم يأمرون للبر بألسنتهم ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى بأعمالهم وحالهم , فهم في حقيقة حالهم لا دين عندهم ولا تقوى , ولكن يأمرون بالبر لتحقيق أغراض نفسية وشهوانية وطلباً للدنيا وحطامها من غير أبوابها , ويأكلون أموال الناس بالباطل مقابل هذه المواعظ والخطب البليغة المؤثرة !  ...والآية الكريمة تصكهم صكاً في ختامها , وتقرعهم على رؤوسهم ونواصيهم الفارغة من التعقل , أفلا تعقلون !        

وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

وفى هذه الآية الكريمة توجيه للمنهج العملي القويم , الذي يهذب النفس ويزكيها ويرتقي بالروح ويصلها بخالقها العظيم سبحانه , وقوام هذه المنهج في الصلة بالله تعالى ودوام مراقبته في السر والعلانية , والصلاة ذات الخشوع معراج روحي للمؤمنين ,وطهارة للوجدان والضمير , والمداومة عليها في أوقاتها المعلومة يجعلها روحاً وكياناً نورانياً قائماً بذاته تأمر صاحبها بالمعروف وتنهاه عن المنكر , والصلاة ذات الخشوع لله تبارك وتعالى  والتي ينتج عنها كياناً روحياً نورانياً متعلقة بصاحبها وملازمة له, تنير له السبيل القويم , وتأمره بالخُلق الكريم , تحتاج للصبر الجميل في المداومة عليها والخشوع فيها , فالصبر خُلق معين على كل غاية , وتحصيل المكرمات والفضائل , وتحمل مصائب الحياة الدنيا وبلوائها , .. فكأنه قيل وكيف السبيل إلي تحصيل الغايات المرجوة من الطهر والفضيلة والعمل الصالح المقبول وردع الهوى المستطير في النفس وإلجام الشهوات المزينة بالوهم والتضليل ؟ فتأتي الآية الكريمة تبين السبيل وترشد لأسباب النجاة والفلاح وتحقيق مرضاة الله تبارك وتعالى ,وهذه النصيحة وهذا الإرشاد الذي تقدمه الآية الكريمة يبدو أمرا في غاية الصعوبة والمشقة على الذين سيطرة عليهم أهوائهم , واستعبدتهم شهواتهم وأغراضهم العاجلة فهم مشغولون بتحصيلها وينفقون العمر في تحصيلها , حتى الصلاة أصبحت عندهم مجرد حركات وتسبيحات وقراءة لا حضور فيها للقلب ولا خشوع , لذلك هذه الصلاة بهذه الصورة المزرية لا ينتج عنها ومنها روحاً وكياناً نورانيا , لأنها صلاة ميتةً بلا روح , وإنما ينتج عنها كياناً شبحياً  مشوهاً مظلماً, يظل جاثما على صدروهم, فتزداد ضيقاً إلى ضيقها, وحرجاً إلى حرجها! ..... لأنهم لا يقومون للصلاة إلا كسالى ولا يذكرون الله تبارك وتعالى فيها إلا قليلاً, إضافةً إلى جزعهم عند حلول المصائب وخوارهم النفسي تجاه مصاعب الحياة.


القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق

 

القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق



والسورة الكريمة ,بعدما حملت عجلة التاريخ مسرعة ً تطوي المراحل والقرون , ثم هاهي , تبطئ سرعتها , ثم تتئد رويداً  رويداً وعلى مهل عند محطة بني إسرائيل ! لقد جاءت عجلة التاريخ الموجهة مسرعة حتى زمن التنزيل والوحي , ثم استدارة لتعود مرة أخرى للزمن الماضي , فسارت قاصدة ديار وزمن بني إسرائيل , ثم توغلت في تفاصيل حياتهم , لتعرض لنا مشاهد تصوير حية , من تفاعلهم  مع الوحي , وكتاب الله تعالى  الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام , مشاهد تعكس التفاعل الحركي الظاهري , والتفاعل النفسي الباطني ,    النفسية الكامنة وراء التفاعل الظاهري  , وتسليط الضوء على قضية الميثاق والعهد ‏ مما يجعل قصص بني ‏إسرائيل مرتبطة بقصة آدم عليه ‏ السلام التي كانت معنا منذ قليل من خلال السورة الكريمة                

يا أبناء إسرائيل , نبي الله الكريم يعقوب عليه السلام , وهذه  براعة وروعة  الاستفتاح البياني في خطاب هؤلاء القوم الضالين عن أصلهم وطريقة أسلفهم المؤمنين , فلا يبهتهم ويصفعهم بيا أيها الضالون , رغم ضلالهم , ولا ياأيها الكافرون , رغم كفرهم  , ولكن القرآن يخاطبهم خطاب رحيماً رخيماً بصوت عذب رقاق ,وفي نفس الوقت لا يداهن ولا يداعب فسوقهم , ولكن ينطق بالحق ويدعوهم إليه في أسلوب متصاعد الوتيرة ويدعوهم دعوة خاصة , بعد الدعوة العامة التي سبقت في السورة الكريمة " ياأيها الناس اعبدوا ربكم ....."  وذلك تأليفاً لقلوبهم , التي قست من بعد ما جاءتهم البينات من ربهم ! 

وكل دعوة في القرآن الكريم لأهل الكتاب , ليس معناها مخصوص باليهود والنصرى حصراً , ومن يظن ذلك فهو لم يفهم بعد أساليب القرآن الدعوية , والبيانية , فهو بعيد من القرآن لا يرى إلا ظاهر الجدار , ولا يرى ما وراءه ! 

ونرى أن القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق , وكل نص يبدو من ظاهره خصوص , فهو يحتوي عموم مطلق تحت هذا الخصوص الظاهر وفي أعماقه دلالات وإشارات وإيحاءات مطلقة عن الأشخاص  والزمان والمكان , ولكن يمكننا القول أن ذلك بعض من آثار الأساليب البيانية المتنوعة في القرآن الكريم , تفصيلاً للآيات وتصريفاً للقول من زوايا مختلفة وإطارات متنوعة , إثارة للعقول , وتبصرة للقلوب , وذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد  .


" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٤٠﴾"

يا أبناء النبي الكريم , ألا تذكرون نعمائي عليكم وعلى آباءكم من قبل , والبدء بحديث النعم له أثر بالغ على كل إنسان لم تزل فيه بقية  من روح الله تعالى ومحبته سبحانه , والعهد عام وخاص , العهد العام الذي كان من عموم البشر كأنفس مجردة , والعهد الخاص الذي كان من أهل الكتاب , وأسلوب المشاكلة في القران الكريم , له أثر بالغ على النفس , ولا تطيق العبارة وصفه , والإمساك ارجى للسلامة , وحسن مآب , يدعوهم رب العالمين سبحانه وهو الغني عنهم وعن العالمين للوفاء بالعهد والميثاق الذى اخذ عليهم , فسيجدوا الله تعالى تواباً رحيماً بهم , يقيل عثراتهم , ويكشف ضرهم , ويهدي قلوبهم للحق الذي تركوه منذ زمن بعيد , بل عادوه وابغضوه ! ,, 

وإلا تفعلوا فاحذروا بأسي وإنتقامي , ... وسبحان من هذا كلامه !  أسلوب يأخذ بتلبيب النفس أخذاً , ويحيط بالقلب من كل جهاته !

لين ورفق في بداية الحديث , وتذكير بالنعم  , والعهود والمواثيق , والمقايضة في الوفاء وصدق الوعد , فكأنهم ما أنصتوا وما اهتموا بهذا الخطاب القدسي ـ كعادتهم الذميمة  ـ فإذا بالخطاب يزمجر بهم  ويصفعهم بصوت عالي جليل ,له صدىً يتردد في ساحتهم المكانية والنفسية ,  يخلع القلوب اللاهية , ويبهت الأسماع الساهية  !  "  وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " 

          

وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗالِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١﴾

ثم نرى وتيرة الخطاب في تصاعد  مملوس , يأخذهم من حضيض الفسق والعصيان , إلي أفق الطاعة والإيمان بالله تعالي وبرسوله صلى الله عليه وسلم , يأمرهم بالإيمان بهذا القرآن الكريم , حيث أنه الفرصة الأخيرة للإٌيمان , فلا كتاب بعده من السماء , ولا رسول يأتي بعد هذا النبي الكريم عليه صلوات الله تعالى وسلامه , وقد جاء القرآن الكريم بتصديق الكتب والرسالات السابقة عليه , ويبطل ما افتراه المبطلون الضالون على رسالات الله تعالى ورسله عليهم صلوات الله تعالى وتسليمه , 

جاء القران الكريم مصدقاً ومهيمناَ وحاكماً على ما سبقه , وما يأتي بعده من عصور وأزمنة وأنس ٌ وجانٌ إلى يوم القيامة , أليس هو الخطاب الأخير من الله تعالى لكل المكلفين الممتحنين إلى يوم الدين , لذلك القران الكريم جمع كل العلوم والمعارف , والهداية والرشاد , والحكمة والسداد , بشيراً ونذيراً , وسراجاً منيراً , وشفاء ورحمة للمؤمنين به , الآميّن إلى رحابه , الطآئفين بمعانيه ودلالاته .

‏‏يقول ربنا تبارك وتعالى , يا من أنتم أهل كتاب منزل من السماء , من عند الله تبارك وتعالى , آمنوا بما نزل من عند الله تبارك وتعالى على خير الأنبياء وخاتم النبيين , النبي صلى الله عليه وسلم  , وقد كان أدعى بكم أن تكونوا أول المؤمنين به , المنافحين عنه ضد كل كفار عنيد , ألستم تزعمون الإيمان بالله وباليوم الآخر , وانكم خير الناس وأحبهم إلى الله تبارك وتعالى , فكيف بكم أن تكونوا أول الكافرين به ! ويلكم ...كيف تشترون الضلالة بالهدى , وتستبدلون الذى هو أدنى بالذي هو خير , و القرآن الكريم خير لكم مما سواه مما حرفتموه وزيفتموه ثم نسبتموه لله تبارك وتعالى , ولا تشتروا بكفركم بهذا القرآن الكريم ثمناً قليلاً ـ والدنيا كلها من أولها لأخرها ثمناً قليلاً ـ  فإن هذا القرآن الكريم  أعظم من كل حطام الدنيا الفانية , وهو حظكم من الله تبارك وتعالى , فإن أخذتموه بقوة أخذتم بالحظ الأوفر , وإن تركتموه خسرتم كل شيء , و الله تبارك وتعالى يعظكم لعلكم تذكرون , وتعلمون أنه تعالى شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهياه , فَمَنّ غيُر الله تبارك وتعالى ترهبون  وتجعلون له على أنفسكم ألف حساب وحساب , وختام الآية يزمجر بهم في نبرة عالية تلفح قلوبهم العاتية , وتصفع أحاسيسهم المتبلدة  , وقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.   

الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟

 

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟
طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟


قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٣٨﴾

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿٣٩

لمن الخطاب هنا في الآية الكريمة, ولمن الهبوط؟ وليس هناك تكرار في القران الكريم بالمعنى الحرفي , وإنما مشاهد معادة من زوايا تصويرة مختلفة , تؤدى معنىً خاصاً بسياقه ,إضافةً إلى المعاني الأخرى في السياقات الأخرى , وهذا من إعجاز القرآن البياني , لا يقذف بالمعاني  والحكم والمواعظ جملة واحدةً , وينتهى من موضوع أو قضية ما  ,ليبدء في موضوع وقضية أخرى ... وهكذا ! 

إن القرآن لا يفعل ذلك , ولا يشبه ذلك , إنه ينثر المعاني والحكم المتعلقة بالقضية الواحدة عبر آياته المتفرقة في السور , تشويقاً وإثارة للحس , فتتنوع داخل السورة الواحدة الموضوعات والحكم والمواعظ , تنوع البستان بأزهاره , حمراء وصفراء تسر الناظرين , في نسيج ملتحم يتلألأ بنجوم تومض , كوميض النجوم في السماء , وكل ذلك تيسيراً للذكر , وتقريباً للفهم , وإحياءً للقلب , ومعراجاً للروح , وترويحاً للنفس , ... هكذا وقعها وحسها عند المؤمن , أما بليد الحس , بعيد الفهم , حطيط الهمة , سقيم القلب , ضعيف العقل  فيراها مكررة ومعادة ً بلا فائدةً , ويرها اختلافا وتناقضاً يشتت الفكر!   وسبحان الله العظيم " يهدي به كثير ويضل به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين "  ما نراه في الآية الكريمة أنه خطاب لنا جمعياً نحن البشر , وهذا الهبوط لابد منه لكل واحدٍ منا , فقد تم خلقنا جميعاً "كأنفس مصورة" مع خلق آدم عليه السلام , ومنذ ذلك الوقت ونحن في موات مؤقت أشبه بالحياة , فإذا جاءت لحظة البداية لبدء الامتحان , في ساحة الإبتلاء في عالم الحياة الدنيا , يأمر رب العزة والجلال تعالى النفس بالهبوط والتلبس بجسدها المعد لها لضرورة الإختبار , ثم يتفضل عليها المولى تعالى , بإعطائها الدفعة القوية الأخيرة في الإتجاه والطريق الممهد لها والمسخر بين يديها بأسبابه , وهذه الدفعة هي الروح العلوية الطاهرة الزكية التي تنفخ فيها , وهى الفطرة التي ينفطر كل الناس منها وعنها .

ثم ماذا بعد أن يملك الإنسان أمره , ويصبح قيما على نفسه بصيراً , يبدأ إمتحانه , ويجري عليه القلم بكل شيء , ولابد أن يختار بين سبيلين ومسارين إما شاكراً , وإما كافوراً .... القدر يحيط به , فأين المفر , لا وزر , إلى ربك يومئذ المستقر  , لا رجوع للوراء , فمحور الزمن يحملنا جميعاً اضطرار وقهراً إلى نقطة النهاية , لآبد من الإختيار , وأن تتحمل عاقبة القرار بنفسك , لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله , وجل الله تعالى أن يقذف بنا في أرحام إمهاتنا بعد الهبوط المقدر المحتوم , ثم  يتركنا هملاً بلا منهجٍ ولا دليل ,  ولكن الله أرحم بنا من أنفسنا بأنفسنا , فقد خاطبنا خطاباً مباشراً , في الزمن الماضي البعيد , بعد خلق أنفسنا وتصويرها , ووعظنا وذكرنا بحقيقتنا , وأخذ علينا الميثاق وأشهدنا على أنفسنا , واعترفنا  بعبوديتنا وفقرنا إليه , وربوبيته وقيوميته على كل شيء , وهذا الخطاب هو الذى أحيانا وأبقانا أحياء في عالمنا الأول المجرد  , وإن كنا من منظور الحياة الدنيا أموات ,   ثم منّ علينا مرة أخرى , فنفخ فينا من روحه , كدفعة قوية تغالب طغيان المادة , وتطفئ لهيبها , وأثر باقٍ فينا من أمر الله تعالى , نفيئ إليه كلما استزلنا الشيطان , ونأوي إليه إذا غابت شمس الدليل وجاء الليل البهيم ,... ثم تتابعت المننّ الربانية , وتسابقت إلينا العطاءات الرحمانية , فقد علم الله تعالى ضعفنا , فرحمنا وتفضل علينا بمنهج علوىٌ سماويٌ , منزه عن الأهواء , بل هو العصمة منها  , يفيض بالهدى فيضاً غامراً دفاقاً , يجمع شملنا فليس بعده إفتراقاً , يعلي شأننا ويرفع ذكرنا , فيا ويح من حرم , ويا سعد من ذاقا , يهدي للتي هي أقوم , ويحكم بالحق , ويقذف به الباطل فيندحر زهوقا , هو كلام الله تعالى الذى قامت به السموات والأرض , ومن خشيته اندكت الجبال وصارت ترابا, فيا ويح من أعرض عنه , كيف يرجوا سعادةً , كيف ينجوا من طغيانه , أم كيف يهتدي من يمشي مكباً على وجهه , فلا يزداد إلا احتراقا  ؟

كتاب الله تعالى المنزل , هو المنهج الأقوم , وهو الصراط المستقيم , من تبعه قاده إلى رضوان الله تعالى والجنة , حيث لا خوف عليهم من أي شيء , لا سقم , ولا موت ,. ولا فوت لكل ما تتمناه النفوس , ولا حزن فيها على شيء فات ومضى  , فهم في جنات النعيم , يتساءلون عن الكافرين المجرمين الذين كذبوا بالكتاب وبما أُرسل به المرسلون , هؤلاء الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة , بأعراضهم عن كتاب ربهم شريعة ومنهاجاً , وحكماً قيماً لا عوج فيه , يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم , فمن اتخذ آيات الله تعالى هزواً , كأن يعتقد أنه كتاب وعظ وإرشاد روحي فقط , ولا شأن له بتنظيم حياتنا الدنيا , كأفراد  أو جماعات  أو دول وشعوب , فهذا مكذب بآيات الله تعالى وهو من الكافرين , ,, ومن آمن ببعضه وحكم به , ثم كفر ببعضه فلم يحكم به , تحت أي دعوى , أو  أهواء ملتبسة بلباس العلم , كدعوى المنسوخ , أو التخصيص , أو التشابه , بلا دليل  أو برهان  ولا سلطان من الله تعالى , فهو أيضاً من المكذبين بآيات الله تعالى ومن الكافرين . وأبواب الكفر غير محصورة , لكن أصلها ومنبعها وجذرها هو التكذيب والجحود بآيات الله تعالى كلها أو بعضها , تحت أي دعوى أو مسميات ما أنزل الله بها من سلطان , ولا فرق بينهما إلا في درجة الكفر وزيادته .



يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ﴿٤٠  وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢﴾ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴿٤٣﴾ْ

إن عجلة التاريخ تأتي إلينا ـ عبر السورة الكريمة ـ بخطى سريعة ونقلة هائلة فوق محور الزمان الكوني , فقد بدأت السورة الكريمة التأريخ في الملاء الأعلى , عبر أحداث الخلق والتكوين , ثم نقلة آخري نوعية إلي خلق آدم عليه السلام , فتمهلت عجلة التاريخ قليلاً ـ من خلال السورة ـ عند هذه المرحلة , ثم انطلقت مسرعة تطوي الزمان طياً عبقرياً , تصور وتسجل كل تفاصيل التفاعل البشري مع الزمان والمكان وهدى الله تعالى , كل الحركات , كل الكلمات , بل كل الهماسات!  وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴿٥٢﴾ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴿٥٣﴾‏
والقرآن الكريم الذي يحمل عجلة التاريخ هذه , ويمسكها ويطلقها كيف يشاء تبعاً لضرورة العرض المخصوص من زوايا معينة , لمراحل زمانية ومكانية معينة , فهو يقلبها كيف يشاء في عرض تصويري ثلاثي الأبعاد , تبعاً للحكمة البالغة والقدرة المطلقة لله تعالى .

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام

 

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام
الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام


فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ

 وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ﴿٣٦

 وكان الهبوط المدوي , والسقوط المريع , بالأمر القدسي , وعالج آدم وزوجه مرارة الآسي , وامتلاء عن آخره بالحزن , وفاضت نفسه من الألم وبكى كثيراً كثيراً  على ذنبه يعتصره الندم , ولنا أن نتصور مدى إحساس آدم عليه السلام بالفجيعة والخجل من الله تعالى , وقد فقد الأنس الذى كان يشعر به في الجنة بقربه من مولاه , واستولى عليه الحزن , كيف كان ؟ ثم كيف هو الآن؟


فَتَلَقَّىٰٓءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾

ولولا أن تداركه ربه برحمته وعظيم فضله لهلك آدم أسفاً وحزناً على ما فرط في جوار ربه ومولاه , إن حزن آدم عليه السلام وآساه  لم يكن على فقد متاع الجنة الحسي من مطعم ومشرب سهل ميسور , معاذ الله أن تكون هذه همة من خلقه الله تعالى بيده , وكيف وقد أحسن الله تعالى إليه وكرمه ونشر فضله بين المقربين في الملاء الأعلى  , ولكن خجله من ربه ومولاه ,وكيف عصى أمره , في طاعة عدوه المطرود من رحمة الله تعالى , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى الحزن الذى ملكه وأسال دمعه منهمراً , أن فقد جوار ربه ومولاه تعالى , ففقد الأنس والسكينة التي كانت تحيط به وتغشاه , فقد النور الذى يجلله ويهدى خطاه , ألم يحرم من الخطاب , وسماع النداء القدسي إذ ناداه ! تالله لولا أن تداركته رحمة ربه ومولاه , لهلك آدم منذ أن وطأة الأرض قدماه , فيا ترى  ماذا كانت هذه  " الكلمات" القدسية التي انتشت آدم عليه السلام من همه وكربه الذى اجتواه  , لم يخبرنا السياق في الآية الكريمة بسرد هذه الكلمات , ولكن ... اليست هي من كلام رب العالمين ربه ومولاه , فهذا الذى شفاه وقد شرف على الموت حزناً , وهذه الكلمات صارت سلواه في وحشته تهدى في الأرض خطاه , والأنس الذى فقده , عاد إليه متشوقاً , تبرق أساريره , فقد تاب عليه مولاه واجتباه , وقد ملك آدم حبه , فكيف يطيق الحياة بغير كلمات الله ؟! 

وهذا هو الدرس الذى يقدمه القرآن لكل إنسان على وجه الحياة , من نعمة الطاعة والإجتباء , إلى ذل المعصية والخروج عن أمر الله تعالى حيث الهبوط المتحتم مكانةً وقدرا , وذلاً وانكسارا  , إلى ظلال التوبة وفيئها , وبرد الحياة بعد لهيبها , 

وهذه هي معجزات القصص القرآني , مشاهد حية تطرق الحس طرقاً ليستيقظ , وتجذب العقل بلطفٍ ليتدبر , وتأسر القلب ليرى العبرا , وتملك الوجدان ليمتلئ بهجةً وسروراَ .



لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة