بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

 

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟
                          أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟   

أصل الشرك وكيف بدأ وانتشر بين الناس ؟

وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٥٧ 

الشر المستطير والداء الوبيل الذي أدى إلى تهالك الناس في حمئة الشرك والضلال المبين هو " التجسيم والتجسيد " في عبادة الإله الحق سبحانه وتعالى , وكل الشعوب والأمم الغابرة عبر التاريخ البشري المديد كانت تعرف ... بل وتؤمن بالله جل جلاله وتباركت أسمائه .. وتعلم أنه في السماء في علاء العظمة والكبرياء والقدرة العظيمة , وأنه تعالى الخالق لكل شيء , وهذا الإيمان " بالربوبية " مرتكز في فطرة الخلق أجمعين  وقد أكده وزاده تأكيداً الميثاق الذي أخذه رب العزة جل جلاله وتباركت أسمائه على كل ذرية آدم في الملاء الأعلى عندما خُلق آدم عليه السلام ....... لكن من أين يأتيهم الشيطان ليوقهم في شراكه و حمئة الشرك الوبيلة , من خلال فكرة التجسيد الإلهي ... من خلال وسائط تصلهم وتشفع لهم عند الذات الإلهية المتفرد في العلو والعظمة والكبرياء , وهكذا يبدأ الشيطان اللعين دعوته للناس من بداية الإيمان والإقرار , ثم يستدرجهم بخطوات محسوبة ممنهجة عنده خطوة تتبعها آخرى , حتى تأتي الخطوات أكلها وثمرتها المرجوة , ويُخرج الناس من نور الفطرة والإيمان إلى ظلمات  الجحود والكفران , والشرك الماحق لكل الحسنات , يخاطب الناس خطاب الداعي للإيمان , يلقي في روعهم أن الذات الإلهية المقدسة  مشغولة بنفسها عن البشر لأنهم بالنسبة لها ولعظمتها وقدسيتها  مخلوقات ضئيلة وضيعة , وأنهم لابد لهم من شفعاء ووسطاء لهم المكانة الرفيعة عند الله تبارك وتعالى , ليقوموا بقضاء حوائج الخلق , من خلال التفويض الممنوح لهم والقدرة الموهوبة لهم من الذات الإلهية المشغولة بنفسها و لا وقت لديها للنظر في شئون البشر ...... 

وهكذا ـ ومن خلال هذا العرض المختصر الشديد لخطوات الشيطان ـ يلقي الشيطان بذرته الشيطانية في تربة الجهل والتقليد الأعمى وانحطاط التصور عند البشر , ثم يسقيها بماء الأساطير والخرفات التي يفتريها ويبثها في تصورات البشر ومصادرهم المعرفية , ولأنها نبتة شيطانية فهي تخرج مرة وسيطاً وسبباً في شكل عجل , ومرة تخرجه في شكل بقرة , وآخرى في شكل حجراً مصوراً " صنماً " أو حجر غير متشكل " وثناً" ,و أخرى في شكل قبر ومقام لولي أو حتى لحمار !! حتى عندما دعاهم الشيطان لعبادة الشمس " كوسيط " قوى ونافع وقريب المنزلة من الذات الإلهية ,أو الملائكة الذين جعلوهم بنات للذات الإلهية , أو الكواكب والنجوم في السماء ,  صّور لهم صوراً لها لتكون في معابدهم  , في الأرض !!  ولابد أن تكون في الأرض ...!! وهكذا........  حتى لا يرفع الإنسان بصره للسماء أبداً , ولا يتجه إليها أبداً في سؤال حاجاته ودفع بلائه !!  رغم اعترافهم وإقرارهم بان هؤلاء جميعاً من خلق الإله الحق العظيم المتفرد في علاه ـ وهى عندهم ذات الهيه مقدسة مشغولة بنفسها عن البشرـ  وقد لا تكون مبالغةً وشططاً , اذا قلت إن الشيطان يتخذُ منهجاً في غواية البشر ذو نسق وترتيب وخطوات مدروسة تتناسب مع الزمان والمكان وطبيعة الناس فيهما , بل ويضع منهجاً للناس مضاهي لمنهج الله تبارك وتعالى , بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم !! فما من  أمرٍلله تبارك وتعالى بداية من التوحيد وإخلاص الدين لله تبارك وتعالى حتى إماطة الأذى عن الطريق , إلا وجعل الشيطان اللعين له أمر مضاهياً ولكن بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم , كما أن أوامر الله تبارك وتعالى صدق وعدل واستقامة ونور شفاء .


الاثنين، 7 ديسمبر 2020

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم

 

محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم
محنة اليهود في عبادة العجل والتطهير العظيم 


عاد موسى بمعونة ربه جل جلاله وتباركت أسمائه إلى قومه , فاسقط في يده من هول ما رآه ,,,, وجد قومه عاكفون على العجل !!...... بعد كل هذه الآيات .... بعد كل هذه الإنعامات والتكريم , يعكفون على عجل القوم الكافرين الذين ساموهم سوء العذاب , فاشتد غضب نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , وكاد يبطش بأخيه هارون عليه السلام ,. ولو فعل لقتله ...! ولكن الله تبارك وتعالى عصمه وقوّاه على تحمل الأمر المشين غاية الشنآن ! فجمع  قومه أجمعين , ثم  قام فيهم خطيباً , منكسراً ذليلاً لمولاه , باكياً بالدمع السكيب كأنه المطر بلل ثوبه الخشن وفاض إلى قدماه , معتذراً للرب الحليم العظيم , مما كان من قومه إذ دنسوا الماء والهواء والأرض واسماك البحر بشرك عظيم جسيم .. كيف ينساه ؟!

 خاطبهم وصاح فيهم صيحة جلجلت بهم الأرض , وتردد في الأفق صداه , ياأيها الناس ما الذي غركم بالله جل جلاله وتباركت أسمائه , منذ قليل كنتم تمشون على الماء خاشعين لله تبارك وتعالى , ورأيتم بأس الله تبارك وتعالى بالقوم الكافرين , ثم  إلى ماذا صرتم  اليوم ... في وحل الشرك وحمئة الضلال , مالكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً , مالكم اخلفتم عهدي معكم , يصيح بهم مالكم  ويبكي ثم يبكي ,,. حتى جثى القوم على ركبهم باكين منكسي رءوسهم  , ومنهم من حمل التراب يهله على رأسه ووجهه , ونادوا نبي الله تبارك وتعالى , هل لنا من توبة , يارب هدنا إليك, فهب لنا توبة تطهرنا من آثامنا , يارب ظلمنا أنفسنا , وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين , ... فلما رأى نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام , ذلك من قومه , أعرض عنهم بوجهه , وغاب عنهم بجسده المتعثر في حجارة الوادي , يتكأ على عصاه وما تكاد تحمله من ثقل همه وعظيم حزنه على حق مولاه الحق المبين ... كيف هان على قومه  ... رب العالمين تبارك وتعالى ... ؟!!! 

ثم جثى على ركبتيه والليل يطويه عن قومه , ولا يسمعون إلا صوت شاحب متهدج بالنحيب والبكاء , رافعاً يديه إلى السماء , يسأل مولاه وليس له مولاً سواه , أن يتوب على قومه , ولا يمحقهم من الوجود بعدل الجزاء ... وأن يقبل شفاعته فيهم ...فهم عبيده .. ويفعل بهم ما يشاء  فأوحى إليه ربه ومولاه , والقى في روعه , وحياً صادقاً يتردد في الكون صداه , يا موسى .. يا موسى .... صاح موسى باكياً .. لبيك يا مولاي .. لبيك ..عبدك وبين يديك ... وعاد الوحي الصادق يتردد في الكون صداه ... يا موسى .. هؤلاء الذين اتخذوا العجل قد أسخطوني ... ولولا أن رحمتي سبقت عضبي , لمحقتهم محقاً ولجعلتهم عبرة للعالمين  , يا موسى ... مرهم  لكي أتوب عليهم , وينالوا رضاي بعد غضبي , أن يقدموا لي قرباناً من أنفسهم التي سولت لهم عبادة غيري , وتلك الدماء التي ضختها قلوبهم النجسة بمحبة غيري , لابد وأن تسيل على صخور الوادي الذي عكفوا فيه على عبادة غيري ... يا موسى ... وعزتي وجلالي .. لو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم صاروا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .... ولو أن عبادي كلهم إنسهم وجنهم  صاروا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد من ملكي شيئاً ... ولكني خلقتهم ليعرفوني ... فإذا عرفوني احبوني ملاء قلوبهم حتى تفيض من عيونهم دموعاً كالمطر يغسل أدرانهم ويمحوا ذنوبهم ... ثم صمت الوحي ... وخلا الوادي من صدى الوحي , وقام موسى عليه السلام  راجعاً إلى قومه يبشرهم ويأمرهم بأمر ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ....  

وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ  ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٥٤

عاد موسى عليه السلام إلى قومه بأمر ربه , ليلقي أليهم بما أوحاه الله تبارك وتعالى إليه بأمر فيه عذابٌ ظاهرٌ ورحمةٍ باطنةٍ , عاد إليهم فوجدهم ملقون أنفسهم إلى الأرض بين شريد وهائم ,وعازب الفكر متحامل , وجدهم آيسون قد أُسقط في أيديهم , ينظرون للسماء من أين يأتيهم العذاب ؟!! .... فنادهم كليم الله تبارك وتعالى عليه السلام , فاجتمعوا إليه ينظرون إلى حركة شفتيه أتكون مبشرة ً ... ام تحق عليهم كلمة العذاب , وقال يا قومي أما وقد ظلمتم أنفسكم هذا الظلم البين, بتعريضها لمقت الله تبارك وتعالى وسخطه باتخاذكم  العجل , والشرك ظلم عظيم وقد قبل رب العالمين تبارك وتعالى شفاعتي فيكم ولكم , وأمرني أن أخبركم أنكم إذا كنتم صادقين في طلب التوبة , وعازمين على تطهير أنفسكم مما سولت لكم , فقدموها قربناً لله تبارك وتعالى , واقتلوا أنفسكم بأنفسكم فتلقوا ربكم شهداء التوبة والإنابة , مغفوراً لكم .... فنظر القوم بعضهم  إلى بعض نظر الحائرين ... فلما رأى كليم الله تبارك وتعالى ترددهم  .... وأرواحهم قد غارت في أجسامهم .....  وذهب كل أثر للدم في وجههم ... فقام مولياً وجهه عنهم .. وبعد خطوات قليلة إلتفت إليهم , وعيناه تبرق بالوعد وتقذف بالوعيد ! ثم قال لهم كأنه مودعٌ لهم ... وإلا تفعلوا فما أنا عليكم بحفيظ.... ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً..... ثم مضى كليم الله تبارك وتعالى مبتعداً عنهم لينظر ماذا يفعلون , وبعد لحظات قليلة من الصمت الرهيب ... كأنها سنين من الدهر على القوم البائسين .... فقام من بينهم الذين لم يتخذوا العجل معهم , ونهوهم كما نهاهم هارون عليه السلام , قاموا من بينهم .... وتركوا بقية قومهم الذين اتخذوا العجل بائسين حاسرين رؤوسهم  .... ورجعوا إلى انفسهم ملومين ... ماذا تنتظرون , إن لم نمت بأيدينا قتلاً لأنفسنا وصرنا شهداء عند الله تبارك وتعالى , هلكنا بعذاب اليم , وصرنا إلى العذاب المقيم  ... ثم صاح بعضهم ببعض هلموا إلى الشهادة ... هلموا إلى جنات النعيم ... ثم قاموا إلى بعضهم البعض  يتعانقون  يودع بعضهم بعضاً باكين  ... ثم نظروا ..... وقد أظلتهم غمامة بيضاء يتساقط منها قطرات من ماء عليل ,  ونظر القوم حولهم وقد أحاط بهم الغمام حتى توارى كل شيء عنهم ... إلا أجسامهم تبدوا كأشباح في ليل بهيم ... ثم استلوا سيوفهم وخناجرهم  قاصدين بعضهم بعضاً , مستسلمين للقتل لا يتبارزون ... كلما طعن احدهم أخاه  قال غفر الله تبارك وتعالى لك ... وامتلأت الأرض بأجسادهم , وتخضبت الصخور بدمائهم ...ولكن هل تفانوا فلم يبقى منهم أحد , أم تداركهم كليم الله تبارك وتعالى بالعفو من ربهم عمن بقى منهم ... لا ندري ولا نجزم في أمر يحتمل الوجهين .


كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

 

كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟
كيف عاد موسى الكليم من لقاء ربه بالمنهج القويم ؟

عاد موسى عليه الصلاة والسلام من لقاء ربه جل جلاله وتباركت أسمائه ومواعدته , عاد معه الكتاب والمنهج الشامل لكل شيء يحتاج إليه بني إسرائيل لتستقيم حياتهم على الفطرة وفق منهج الله تبارك وتعالى , كما عاد ومعه الفرقان وهو الروح الكاشفة والنور النافذ الفالق لكل الأسماء والصور فتكشف حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , ليخرج بني إسرائيل من الظلمات إلى النور بإذن الله تبارك وتعالى , وبهداية الكتاب والفرقان اللذان آتاهما له مولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه , عاد موسى عليه السلام مملوءً بروح القدس , وهيبة الحق, وجلال الوعد ,..... ثم ماذا بعد .... ينبغي أن نمسك عن محاولة الوصف.....! وكيف يمكن أن نصف من عاد للتو من مواعدة الرب , وسماع كلام من يقول للشيء كن فيكون ؟! كيف ....؟ بأي حروف وكلمات وجمل ....؟ كيف .....؟ وهل نستطيع ....؟ هل نطيق ذلك حقاً....؟ 

تنكسر الأقلام ... وتطيش العقول والأفهام .... وتسجد الحروف والكلمات والجمل ...... هذا أقل تصور لما يمكن حدوثه لو حاولنا .... مجرد محاولة!!!!

وأقسم بالله العظيم غير مستثنىً لا أدري كيف عاد موسى عليه من الله تبارك وتعالى الصلاة والسلام ؟!...... كيف عاد للدنيا مرة ً آخرى ؟!..  كيف تحمل الخروج من غمام الهيبة القدسية ؟!..... كيف تحمل قلبه ولم يتوقف نبضه , عند سماع الكلمة الأخيرة من رب العالمين تبارك وتعالى  ..ثم ...... ثم .... ... ثم ينتهي الوقت المحدد , وينتهي السماع .... ويفقد الأُنس , يهبط فجاءة من العلا إلي الأرض ! في سرعة البرق !  وهل تظن أن موسى عليه السلام عاد من نفسه  وبنفسه إلى نفسه ؟!.... والله وتالله ما عاد نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام إلا بإمر ربه له ... وقد أقامه في نفسه مرة أخرى , وقواه وأعانه وأمضاه ليعود لقومه مرة أخرى , ولولا ذلك ما إستطاع العودة وما حملته رجلاه ..,, 


الأحد، 6 ديسمبر 2020

هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟

 


هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟
هل الفرقان مجرد صفة للكتاب وحسب ؟


وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ٥٣

ولما ذهب موسى عليه السلام للقاء ربه , تتابعت عليه وعلى بني إسرائيل أنعم الله تبارك وتعالى , وآتاه المنهج الرباني المفصل , والفارق بين الحق والباطل , وليخرجهم من ظلمات الشرك والضلال الذي كانوا فيه مع القبط المصريين , والله جل جلاله وتباركت أسمائه لا يترك الناس في الحياة الدنيا حيث الامتحان والإختبار الذي خلقوا من أجله , لا يتركهم من غير منهج مفصّل وميسر لكل البشر , ليتذكروا العهد والميثاق الأول الذى واثقوه مع رب العالمين تبارك وتعالى ,ويهتدوا إلى الحق المبين والصراط المستقيم , وبهذا تمت كلمات ربنا تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً , وتمت حجة الله تبارك وتعالى على العالمين, فلا حجة لأحد على الله تبارك وتعالى بعد هذا , وأصبحت كل نفس ٍ بما كسبت رهينة . والآية الكريمة جمعت بين الكتاب والفرقان بواو عطف بينهما وهما معرفان , وواو العطف والتعريف يقتضى عدم المثلية والمطابقة بينهما , بأن يكون الكتاب هو هو الفرقان , والفرقان هو هو الكتاب , وكذلك واو العطف والتعريف لا يتوافق مع تفسير الفرقان في الآية الكريمة بأنه مجرد صفة ً للكتاب , كما ورد في كتب التفسير ! ومما لا أشك فيه أن الكتاب يحتوي على الفرقان والميزان والحق بحذافيره والهدى والتنوير, ولكن الفرقان في الآية الكريمة جاء معطوفاً على الكتاب ومعرفاً ؟! وهذا يقتضى تغايراً في الدلالة , وأن بينهما علاقة خصوص وعموم وشمول , لقد وجدنا في القرآن الكريم  الكتاب " التوراة " يختص بموسى عليه السلام , بينما يشترك معه أخاه هارون عليه السلام في الفرقان , قال تعالى :  " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٨" سورة الأنبياء  , ففي هذه الآية الكريمة لا يمكننا أن نقول أن الفرقان هو هو نفس الكتاب , لأن الكتاب أختص به موسى عليه السلام ,  كما وجدنا الفرقان ينفصل عن الكتاب في الذكر وفي التنزيل قال تعالى :" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا" 1 سورة الفرقان , وفي هذه الآية الكريمة ورد ذكر الفرقان مستقلاً بصيغة التنزيل , وهذا يقتضى أن الفرقان هنا هو الكتاب الذي نزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو القرآن الكريم , ولكن ... لماذا ذُ كر وسمى بالفرقان هنا في الآية الكريمة  ولم يذكر بالكتاب أو القرآن الكريم كما في كثير من الآيات الكريمة ؟ ألا يقتضي ذلك زيادة في المعنى ؟

وقد ذكر الفرقان أيضا مستقلاً في الإنزال مقترناً بنزول الكتب السماوية الثلاث القرآن الكريم والتوراة والإنجيل, قال الله تبارك وتعالى :    

" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَىٰةَ وَالْإِنجِيلَ  3  مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِءَايَٰتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" 4 سورة آل عمران , ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم والتوراة والإنجيل كلها فرقاناً يفرق بين الحق والباطل , ولكن إستقلال الفرقان في الآية الكريمة بالنزول بعد إنزال الكتب السماوية الثلاث , يعني معنىً زائداً وتابعاً للكتاب , لأن الفرقان يأتي بعد الكتاب في الذكر والتنزيل , ... وبعد هذه الرحلة القصيرة في آيات القرآن الكريم حول العلاقة بين الكتاب والفرقان  , أقول مستعيناً  بمولاي الحق المبين ورب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه , وهو حسبي ونعم الوكيل , الذي يبدو لي والله تعالى اعلم أن الكتب السماوية المنزلة من عند الله تبارك وتعالى , وخصوصاً القرآن الكريم , ليست حروف وكلمات جافة مرصوصة بين دفتي الكتاب , وإن كانت كذلك في ظاهرها , ولكن لها روحاً عظيمة مهيمنة على سائر الأرواح , ينبثق منها نوراً نافذا ً ثاقباَ يفلق صور  الأشياء فيكشف عن حقيقتها , ويفلق الكلام فيكشف حقيقته ومعناه , روحاً قوية نافذه تفلق كل ظواهر الصور والأسماء , وكل ما يتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وآثارها وهيئة تمثلها بهذه الحياة الدنيا التي تخَفَى فيها حقائق الأشياء وجواهر المعاني والأفكار تحت ركام الزينة التي تتحلى بها الحياة الدنيا لتخفي حقيقتها التافهه  , وتتوارى تلك الحقائق والجواهر خلف أستار ساحات اللعب واللهو والشهوات ,التي يرتع فيها الناس ! 

إذاً كلمات الله تبارك وتعالى لها سلطان قاهر تحيط بالخلق أجمعين إحاطة علو ونفاذ وهيمنة لا يجاوزها برٌ ولا فاجر, كما أن لها فرقاناً نافذا فالقاً للصور والأسماء كاشفاً لحقائقها وجوهرها الفذ كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى , وهذا الفرقان لخواص الخلق , كلٌ حسب درجته في سلم الولاية والقرب من الله تبارك وتعالى , فقد آتاه الله تبارك وتعالى لأنبيائه ورسله بنصيب وافر وحظ عظيم , وخصوصاً الرسل الكرام أصحاب الكتب السماوية والصحف كذلك , لأن الفرقان روحٌ متعلق بكلمات الله تبارك وتعالى وينبثق منها في أنحاء الوجود نوراً ثاقباً نافذاً يكشف معاني كلمات الله تبارك وتعالى كما هي حياتها وحركتها بيننا في الحياة الدنيا , بقدر ما تحتمله تصوراتنا وقلوبنا  , ولكنها يوم القيامة تكشف عن الحقائق المطلقة الكاملة التامة لكلمات الله تبارك وتعالى , كما هي علم الله تبارك وتعالى , وهذا هو الوعد الصادق الذي وعدنا الله تبارك وتعالى إياه يوم القيامة , أن يكشف لنا عن تأويل حقائق القرآن الكريم المطلقة كما هي في علم الله تبارك وتعالى , ولا يعلمها ولا يكشفها الله تبارك وتعالى , قال جل جلاله وتباركت أسمائه "  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّٰسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَٰبِ " 7 آل عمران  , ثم يوم القيامة يأتي الوعد الحق المبين  :" هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ"  53سورة الأعراف .

وهذه الروح النافذة الفالقة التي تسمى في كتاب الله تبارك وتعالى " الفرقان" تمت واكتملت بتمام كلمات الله تبارك وتعالى صدقاً وعدلاً بنزول كلمته الأخيرة  للعالمين من المكلفين من الإنس والجن " القرآن الكريم "  قال تعالى " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "115 سورة الأنعام , ولذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , كان له الحظ الأوفر والأتم والأكمل من هذه الروح والفرقان , فقد نزّل الله تبارك وتعالى الفرقان عليه تنزّيلا كما نزّل القرآن الكريم تنزّيلاً , وبثه في روعه  صلى الله عليه وسلم  وحياً  ولم يكن له بصورة الإيتاء كما آتاه الله تبارك وتعالى موسى وهارون عليهما السلام , قال الله تبارك وتعالى " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا 1 سورة الفرقان  وقال تعالى "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَٰبُ وَلَا الْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ" 52 سورة الشورى

وهذه الآية الكريمة من سورة الشورى تكشف لنا هذا المعنى الجليل لهذه الروح الفرقانية , وهى ضرورية ولازمة لكل رسول له كتاب من الله تبارك وتعالى يحتوي كلمات الله تبارك وتعالى , لأنها كاشفة ومبينة لحقائق المعاني المتعلقة بكلمات الله تبارك وتعالى وهيئة تصورها في الواقع  وكاشفة لكل مفردات الصور والأسماء التي تحيط بنا ـ والنفس البشرية جزء منها ـ 

فهذه الروح الفرقانية الفالقة الكاشفة التي أوحها الله تبارك وتعالى للرسول محمد صلى الله علية وسلم  ونفثها في روعه , كشفت له حقائق معانى الكتاب وجوهر الحق المشع في الوجود كله من كلمات الله تبارك وتعالى ونفوذها وفلقها لكل الأسماء والصور لتكشف عن حقيقتها كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى , كما فلقت له الأسماء والعبارات الدالة على الإسلام والإيمان وكشفت له حقائقها كما هي في كلمات الله تبارك وتعالى  وكذلك أتباع الرسل الكرام والمقتدين بهم , المتمسكون بكتاب الله تبارك وتعالى , المؤمنون بكلمات الله تبارك وتعالى , الموقنون بتمامها وكمالها وعزتها وعلوها على كل ما سواها , واستغنائها عن كل ما سواها وافتقار كل ما سواها إليها , وكفايتها وصدقها وعدلها ونورها التام النافذ الفالق لكل الأسماء والصور كاشفاً لحقيقتها في كلمات الله تبارك وتعالى , هؤلاء لهم نصيب من هذه الروح بحسب دراجاتهم في سلم الولاية والتعلق بكلمات الله تبارك وتعالى , والتسليم المطلق لها , فيجعل الله تبارك وتعالى لهم سبباً يدنيهم من فِنائها ويضربون بخيامهم حول سورها العظيم . 

قال تعالى" يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّءَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " 29 سورة الأنفال 

نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم أن يجعلنا حبلاً أو وتداً في إحدى خيامهم فيصيبنا من رذاذ صيبها ,أو وميضاً من نورها الكاشف . 

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين

 

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين


  وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ 51 ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٢ 

يبدو لنا من الآية الكريمة أن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام قد دعا ربه عزوجل وطلب لقاء المناجاة مع الله تبارك وتعالى ليشكر الله تبارك وتعالى على نعمه وآلائه في نجاة بني إسرائيل من العذاب المهين , وليتزود من كلام الله تبارك وتعالى وهيبة القدس ليستعين بهذا الزاد على أداء رسالته لبني إسرائيل , وقيادة وهداية قومه الذين خرجوا من التوحيد إلى الوثنية تحت وطأة معاشرة القبط المصريين الذين اتخذوا آلهة شتى, وعبدوا الحكام والملوك بزعم أن دمائهم من دماء الآلهة المزعومة , ولذلك الآية الكريمة من خلال كلمة "واعدنا" تصف مشهداً لموسى عليه السلام وهو يدعو الله تبارك وتعالى ضارعاً خاشعاً ذليلاً منكسراً لمولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه على نعمة النجاة العظيمة التي أنقذت قومه من الهلاك المحقق والفناء المحتوم الذي كان يسعى إليه الطاغية وقومه , ويسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمن عليه بوعد وموعد يخلو فيه بمناجاته وسماع كلام الله تبارك وتعالى ,ليقدم شكره وخضوعه لمولاه , ويتزود من مناجاته وكلامه القدسي والحضور في ساحة الهيبة القدسية , لإداء رسالته وتمام مهمته مع قومه الذين ضلوا بعد الهداية , وأشركوا بعد التوحيد الذي كان عليه أباءهم الأولين ,  وقد منّ الله تبارك وتعالى على عبده الكليم موسي عليه من الله تبارك وتعالى التسليم , وأجاب دعاءه , وواعده ثلاثين ليلة من المناجاة وسماع كلام الله تبارك وتعالى , وياله من فضل عظيم لا يستطيع وصفه الواصفون , ولكن الكليم عليه السلام رغم سروره  وغبطته بهذا الوعد الحق المبين , إلا إنه طمع في المزيد لما رأى من فضل ربه ومولاه وإجابة دعائه , فسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمد له في الوقت ويبسط له في الوقت لينعم بالقرب من هيبة القدس , وما إن ذهب موسى لميقات ربه تعالى , حتى عبد قومه العجل وعكفوا عليه ! في مشهد غاية في الخسة والانحطاط , هؤلاء القوم الذين كانوا قبل قليل يسامون سوء العذاب على يد المصريين , فمن الله تبارك وتعالى عليهم ورحمهم ومن عليهم بهذا الإنجاء والسلامة والخروج من بين القوم الظالمين , فالقوم أحبوا عبادة العجل " ولد البقرة " بكل قلوبهم , وكانوا عاكفين عليه من قبل مع القبط المصريين , فعبادة العجل كانت معروفة عند المصريين وكانوا يسمونه " هاتون " و"أبيس "  وهذه العبادة منقوشة على جدران معابدهم الشركية   فما بال القوم الذين من نسل النبي الكريم يعقوب عليه السلام يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة من الشرك والضلال البعيد ! يصنعون العجل بأيديهم ثم يعكفون عليه! ورغم ذلك فإن الله تبارك وتعالى لم يعاجلهم بالمحق والهلاك , حتى دعاهم نبيهم للتوبة من ذلك بعدما ندموا على ما فعلوا وفعلوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى به ليتوب عليهم , وليعفوا عنهم , وقد كان لعل القوم يشكرون الله تبارك وتعالى ويخلصوا الدين كله لله تبارك وتعالى . 

السبت، 5 ديسمبر 2020

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

 

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل
الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

بعد خروج بني إسرائيل من مصر تبعاً لخطة مسبقة يرعاها رب العالمين تبارك وتعالى ويقوم على تنفيذها وقيادة بني إسرائيل في كل مراحلها نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام الذي من الله تبارك وتعالى به على بني إسرائيل ونجاهم به من العذاب المهين , وهذا الخروج والإنسلال من بين براثن ظلوم غشوم كفرعون , الذى حول مصر كلها في زمنه الغابر البئيس إلي عيون وجواسيس بعضهم على بعض , وتسليط بعضهم على بعض ولولا ذلك ما تمكن فرعون الظلوم الغشوم القصير الهزيل ,من حكم مصر وهي بلد ذات وزن جغرافي وتاريخي عميق , لذلك لم يكن هذا الخروج والإنسلال هيناً سهلاً , بدلالة كلمة " نجّيناكم " بالتشديد في الآية الكريمة السابقة معنا , فهذه الكلمة القرآنية  التي تصور لنا مشاهد التخطيط والإعداد والترتيب وتقسيم الأدوار وتحديد المراحل الزمانية , وفوق كل ذلك وقبله إخلاص العبودية لله تبارك وتعالى , والتضرع واللجوء إليه سبحانه وتعالى , وصدق التوكل على الله تبارك وتعالى , وتسليم الأمر إليه , والأخذ بأسباب الحيطة والحذر التام , فإن الجدران في مصر يومئذ لها آذان ! ..... لقد تم كتم الأنفاس خلال فترة الإعداد لهذا الخروج والإنسلال ! وتمت كلمة الله تبارك وتعالى الحسنى على بني إسرائيل ونجحت خطة الخروج والإنسلال أيمّا نجاح , وكانت الفرحة والبهجة والسرور تبدو على وجوه القوم دموعاً تنهمر , وأصوات شاحبة من العناء والجهد تتبادل التحية وبث الأمل وتثبيت القلوب حتى يتم الإنسلال تماماً من شرنقة الموت المحقق لو فشلت الخطة , وانكشف أمرها ...... وهذه بعض من المشاهد المصورة التي تعرضها لنا الشاشة القرآنية الكونية من خلال الكلمة المصورة " نجّيناكم "

وفي هذه الآية الكريمة نجد المشاهد المصورة المتممة لمشاهد الخروج والإنسلال , وهي مشاهد مصورة لمعجزة رهيبة , وآية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى ..... لقد اسقط في يدي بني إسرائيل عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة البحر الهادر العميق , الذي لم يكن له أي حساب في خطة الخلاص والإنسلال ! كيف النجاة ؟! وما السبيل ؟! ولماذا لم يكن له حسباناً في الخطة المحكمة التي نجحت بشكل باهر حتي هذه اللحظة البائسة التي ضاعت فيها الثقة , وغابت فيها الفرحة التي مازالت في مهدها , وانقطعت الآمال مع انقطاع الأرض من تحت أقدامهم بسبب البحر , فقد اصبحوا مسجونين خلف هذا الحاجز المائي , ويالا لقوة الصدمة , وعمق الحسرة , وفداحة الخطب لما رأى بني إسرائيل الجيش العرمرم للفرعون , والغبار الذي سد أفق السماء من بعيد من كثافة جيش الفرعون وسرعته في الطلب , وحرصه على الغنيمة التي أصبحت على مرمى البصر ! 

ولكن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام كان له شأنٌ آخر, لقد كان على موعدٍ مع البحر! , لكنه لم يخبر بني إسرائيل بذلك لأسباب قد تكون متعلقة بالخطة وسلامتها وسريتها , وقد يكون بأمر من الله تبارك وتعالى أن تكون الخطة المعلومة لبني إسرائيل على قدر حدود البر , ولا وجود لأي سبب مادي للعبور والخلاص للناحية الأخرى من البحر , وفي ذلك من الحكم العظيمة الباهرة لتدبير الله تبارك وتعالى لهذا الأمر مالا تحيط به العبارة , ولا تطيقه أفهامنا وتصوراتنا المحدودة ! 

كان كليم الله تبارك وتعالى على موعد مع البحر الهادر العميق, وكان البحر على موعدٍ مع كليم الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام وقومه ! ....لقد كان في إنتظارهم !! لقد كان يرقبهم من بعيد , ويدعو الله تبارك وتعالى أن يسلمهم ويحفظهم حتي يصلوا إليه ويحلوا ضيوفاً كراماً عليه!

وقد أعد عدته وأخذ كامل إستعداداته  لتسليم أمانته وعهدته وهم بني إسرائيل كلهم , بكامل متاعهم وأغراضهم إلى صاحبه " البر " من الناحية الأخرى , ليس هذا فحسب أيها الناظر لهذا المشهد الرهيب ,, ولكن دقق النظر جيداً , هذا البحر العجيب نراه في ترقبه لبني إسرائيل في مرمى الأفق البعيد نراه خاشعاً ومستبشراً بوجه حسن ٍ جميل , وعندما ينظر ناحية فرعون الذميم وجيشه العرمرم في أقصى الشرق , نراه  بوجه غير الوجه , غاضب ٌ قد احتدت ملامحه , واشتد نظره وصوبه لهؤلاء القوم المجرمين , وينتظرهم إنتظار الهيم للماء البارد , وقد شكر لربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,أن أذن له في حيازة شرف إبادة هذا الكافر العنيد وجيشه وعتاده أجمعين , لقد سجد البحر شكراً لله تبارك وتعالى على هذه النعمة , أن ينتقم لله تبارك وتعالى أولاً , ثم لهؤلاء المساكين من عباد الله تبارك وتعالى من هؤلاء القوم المجرمين , لكنه أُمر بأمر قدسي علويٍ حكيم , أن يلقي بجثة فرعون,ـ هذا القزم الهزيل , المنتفخ الذميم ـ , إلى صاحبه البر من ناحية مصر , ليكون عبرةً ومثلاً للأولين والآخرين , وآية باقية لكل هزيل منتفخ ذميم مثله !!


الجمعة، 4 ديسمبر 2020

هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟

 


هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟
هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟


إن القرآن الكريم له عمق حركي مصور على شاشة كونية عملاقة , ليس للتاريخ وقصصه فحسب ـ وإن كان هذا الجانب أكثر ظهوراً وأشد وضوحاً ـ ولكن أيضاً لكل موضوعات القرآن الكريم ومحاوره, خصوصاً مشاهد يوم القيامة , كما نجد عرضاً مصوراً لأعماق النفس البشرية وأغوارها ـ وهذه المشاهد أعمقها وأبعدها عن عامة الناظرين في القرآن الكريم, إلا خواص المتدبرين , نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم ...والعرض المصور في الآية الكريمة التي معنا نرى فيه أعمال السخرة التي فرضت على شعب إسرائيل, نجدها ونرها أعمال شاقة ومريرة تم سوقهم أليها سوقاً عنيفاً مهيناً بشوكة السلطة الغاشمة وتعاون الشعب الخانع من القبط المصريين ـ وهذا ديدنهم منذ ذلك الحين ـ والعمل المستمر بلا أي مقابل مادي أو حتي معنوي, لا غذاء يكفي الأجساد المهزولة من هذا العناء, ولا علاج لأمراضهم المستعصية نتيجة الظروف القاسية التي أحاطت بهم , ترحيل قسري لأماكن العمل المصطنعة خصيصاً لشعب إسرائيل وشتات عن الأهل والأولاد, ... ورغم كل ذلك لما لم يغني هذا عنهم شيئاً في إفناء بني إسرائيل والخلاص منهم بالسرعة المطلوبة , شرعوا في توسيع رقعة العذاب وإدخال فئات أخري في حمئة الحقد اللعين, فتوصلوا إلى أن أسرع طريقة لإفناء هؤلاء المستضعفين هو عبر قطع نسلهم تماماً بلا رحمة , وكأنهم في حمئة حقدهم المجنون صاروا وحوشاً قدت قلوبهم من حديد ! فهم يذبحون أبناء شعب إسرائيل ـ بنين وبنات ـ كما يذبحون الخراف والشياه , وهذه جرائم يندى لها جبين البشرية , ووصمة عار لكل من عاصر وحضر أو حتي سمع بهذه المثلات ولم يتبرأ ويخجل منها , 

أما القول بأن التذبيح كان للبنين فقط دون الإناث , فهذا تخصيص للمعنى دون دليل , لأن كلمة "أبناءكم " تشمل البنين والبنات يعبر بها القرآن الكريم عنهما معاً وأحياناً يعبر بها عن البنين فقط , وأحياناً آخرى عن البنات , وإستحياء النساء الوارد في الآية الكريمة ليس معناها  البنات , وكيف تسمى الوليدة الرضيعة حديثة الولادة امرأة  ومن النساء !!, ولو سرنا مع هذا التفسير لضللنا ضلال بعيدا, إذ أننا سنسقط كل أحكام النساء الواردة في القرآن الكريم على البنات الرضيعة والأطفال ! والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وهذا المعني والتفسير أقرب لروح هذه المأساة, والهدف المنشود من ورائها, فهو بالمفهوم الحديث " تطهير عرقي " ومحاولة إفناء شعب وأمة, وإستحياء النساء المصور في هذه المشاهد, المفعمة بالأسى والأنين , فهو غاية العناء ونهاية الليل المظلم البهيم , الذى احتوي شعب إسرائيل , واللهيب الذي اكتوت منه أفئدة هؤلاء المستضعفين , وأفنت ما بقي لديهم من كرامة وماءاً في الوجه الكالح الحزين , إن إيقاع الأذى والمهانة بالنساء شيمة كل لئيم عارٍ من كل الفضائل حقير وذميم , فما بالك بما نراه في هذه المشاهد المفجعة المصورة من خلال شاشة القرآن الكريم الكونية نساء من ذوات الخدور , وأرباب الحجاب , وعنوان العفة والفضيلة يساقونهم اللئام المجرمين للخدمة في بيوت العتاة من حاشية فرعون وباطنته والملاء من القوم المجرمين , وما يصاحب هذا السوق من مهازل يندى لها الجبين , وانتهاك لحيائهن , وذبح لعفتهن يضاهي ذبح الأبناء والبنين , هؤلاء الطغاة اللئام يستحيون نساء الشعب العريق في النسب , كريم الأصل , نجباء الخصيلة , طاهرةً دمائهم من كل نطفة آثمةً وبيلةً 

وقد كان ذلك إبتلاء وإختبار من الله تبارك وتعالى لشعب بني إسرائيل , وهي سنة الله تبارك وتعالى فيمن يريد تطهيرهم وإصطفائهم على العالمين , والتمكين لهم في الأرض , دعاة للحق مخلصين , ولا يفسدوا في الأرض متجبرين , وتأتي النجاة بعد الغرق في حمئة العذاب المهين , ويأتي الخلاص الموعود به في الكتاب الأول من ربقة الإستعباد , وعودتهم للحياة من جديد , وكيف يمكن لفئةٍ من الناس تعرضت لكل هذا الهلاك المحقق مادياً ومعنوياً , ثم ينجوا ويتخلص ويتعافى , ثم .... يعود للحياة الكريمة من جديد ! ... إنها قدرة الله تبارك وتعالى القاهرة لكل الظروف والأسباب ومكر الطغاة المجرمين ,إنها رحمة الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله  البر الرحيم , تداركت شعب إسرائيل , وجعلتهم فوق الطغاة المجرمين , والبلاء المذكور في الآية الكريمة يعنى ويتضمن الاختبار من ناحية العذاب على بني إسرائيل , ويعنى كذلك النعمة العظيمة الوافرة الجسمية التي كانت في إنجاء بني إسرائيل , فهو بلاء عظيم من ناحية ونعمة عظيمة من ناحية آخرى في التطهير والإرتقاء للذرية التي تركت ما كان عليه أسلافهم من التوحيد إلى الوثنية والتنديد , وما كان لهم ذلك أبداً ولا يليق بأولاد الأنبياء ذوات النسب الكريم . 

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة