بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 ديسمبر 2020

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين

 

عكوف اليهود على العجل بعد الخروج والنجاة من العذاب المهين


  وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ 51 ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٢ 

يبدو لنا من الآية الكريمة أن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام قد دعا ربه عزوجل وطلب لقاء المناجاة مع الله تبارك وتعالى ليشكر الله تبارك وتعالى على نعمه وآلائه في نجاة بني إسرائيل من العذاب المهين , وليتزود من كلام الله تبارك وتعالى وهيبة القدس ليستعين بهذا الزاد على أداء رسالته لبني إسرائيل , وقيادة وهداية قومه الذين خرجوا من التوحيد إلى الوثنية تحت وطأة معاشرة القبط المصريين الذين اتخذوا آلهة شتى, وعبدوا الحكام والملوك بزعم أن دمائهم من دماء الآلهة المزعومة , ولذلك الآية الكريمة من خلال كلمة "واعدنا" تصف مشهداً لموسى عليه السلام وهو يدعو الله تبارك وتعالى ضارعاً خاشعاً ذليلاً منكسراً لمولاه الحق جل جلاله وتباركت أسمائه على نعمة النجاة العظيمة التي أنقذت قومه من الهلاك المحقق والفناء المحتوم الذي كان يسعى إليه الطاغية وقومه , ويسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمن عليه بوعد وموعد يخلو فيه بمناجاته وسماع كلام الله تبارك وتعالى ,ليقدم شكره وخضوعه لمولاه , ويتزود من مناجاته وكلامه القدسي والحضور في ساحة الهيبة القدسية , لإداء رسالته وتمام مهمته مع قومه الذين ضلوا بعد الهداية , وأشركوا بعد التوحيد الذي كان عليه أباءهم الأولين ,  وقد منّ الله تبارك وتعالى على عبده الكليم موسي عليه من الله تبارك وتعالى التسليم , وأجاب دعاءه , وواعده ثلاثين ليلة من المناجاة وسماع كلام الله تبارك وتعالى , وياله من فضل عظيم لا يستطيع وصفه الواصفون , ولكن الكليم عليه السلام رغم سروره  وغبطته بهذا الوعد الحق المبين , إلا إنه طمع في المزيد لما رأى من فضل ربه ومولاه وإجابة دعائه , فسأل ربه ومولاه الحق المبين أن يمد له في الوقت ويبسط له في الوقت لينعم بالقرب من هيبة القدس , وما إن ذهب موسى لميقات ربه تعالى , حتى عبد قومه العجل وعكفوا عليه ! في مشهد غاية في الخسة والانحطاط , هؤلاء القوم الذين كانوا قبل قليل يسامون سوء العذاب على يد المصريين , فمن الله تبارك وتعالى عليهم ورحمهم ومن عليهم بهذا الإنجاء والسلامة والخروج من بين القوم الظالمين , فالقوم أحبوا عبادة العجل " ولد البقرة " بكل قلوبهم , وكانوا عاكفين عليه من قبل مع القبط المصريين , فعبادة العجل كانت معروفة عند المصريين وكانوا يسمونه " هاتون " و"أبيس "  وهذه العبادة منقوشة على جدران معابدهم الشركية   فما بال القوم الذين من نسل النبي الكريم يعقوب عليه السلام يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة من الشرك والضلال البعيد ! يصنعون العجل بأيديهم ثم يعكفون عليه! ورغم ذلك فإن الله تبارك وتعالى لم يعاجلهم بالمحق والهلاك , حتى دعاهم نبيهم للتوبة من ذلك بعدما ندموا على ما فعلوا وفعلوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى به ليتوب عليهم , وليعفوا عنهم , وقد كان لعل القوم يشكرون الله تبارك وتعالى ويخلصوا الدين كله لله تبارك وتعالى . 

السبت، 5 ديسمبر 2020

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

 

الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل
الخروج والانسلال العظيم لشعب بني إسرائيل

وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

بعد خروج بني إسرائيل من مصر تبعاً لخطة مسبقة يرعاها رب العالمين تبارك وتعالى ويقوم على تنفيذها وقيادة بني إسرائيل في كل مراحلها نبي الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام الذي من الله تبارك وتعالى به على بني إسرائيل ونجاهم به من العذاب المهين , وهذا الخروج والإنسلال من بين براثن ظلوم غشوم كفرعون , الذى حول مصر كلها في زمنه الغابر البئيس إلي عيون وجواسيس بعضهم على بعض , وتسليط بعضهم على بعض ولولا ذلك ما تمكن فرعون الظلوم الغشوم القصير الهزيل ,من حكم مصر وهي بلد ذات وزن جغرافي وتاريخي عميق , لذلك لم يكن هذا الخروج والإنسلال هيناً سهلاً , بدلالة كلمة " نجّيناكم " بالتشديد في الآية الكريمة السابقة معنا , فهذه الكلمة القرآنية  التي تصور لنا مشاهد التخطيط والإعداد والترتيب وتقسيم الأدوار وتحديد المراحل الزمانية , وفوق كل ذلك وقبله إخلاص العبودية لله تبارك وتعالى , والتضرع واللجوء إليه سبحانه وتعالى , وصدق التوكل على الله تبارك وتعالى , وتسليم الأمر إليه , والأخذ بأسباب الحيطة والحذر التام , فإن الجدران في مصر يومئذ لها آذان ! ..... لقد تم كتم الأنفاس خلال فترة الإعداد لهذا الخروج والإنسلال ! وتمت كلمة الله تبارك وتعالى الحسنى على بني إسرائيل ونجحت خطة الخروج والإنسلال أيمّا نجاح , وكانت الفرحة والبهجة والسرور تبدو على وجوه القوم دموعاً تنهمر , وأصوات شاحبة من العناء والجهد تتبادل التحية وبث الأمل وتثبيت القلوب حتى يتم الإنسلال تماماً من شرنقة الموت المحقق لو فشلت الخطة , وانكشف أمرها ...... وهذه بعض من المشاهد المصورة التي تعرضها لنا الشاشة القرآنية الكونية من خلال الكلمة المصورة " نجّيناكم "

وفي هذه الآية الكريمة نجد المشاهد المصورة المتممة لمشاهد الخروج والإنسلال , وهي مشاهد مصورة لمعجزة رهيبة , وآية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى ..... لقد اسقط في يدي بني إسرائيل عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة البحر الهادر العميق , الذي لم يكن له أي حساب في خطة الخلاص والإنسلال ! كيف النجاة ؟! وما السبيل ؟! ولماذا لم يكن له حسباناً في الخطة المحكمة التي نجحت بشكل باهر حتي هذه اللحظة البائسة التي ضاعت فيها الثقة , وغابت فيها الفرحة التي مازالت في مهدها , وانقطعت الآمال مع انقطاع الأرض من تحت أقدامهم بسبب البحر , فقد اصبحوا مسجونين خلف هذا الحاجز المائي , ويالا لقوة الصدمة , وعمق الحسرة , وفداحة الخطب لما رأى بني إسرائيل الجيش العرمرم للفرعون , والغبار الذي سد أفق السماء من بعيد من كثافة جيش الفرعون وسرعته في الطلب , وحرصه على الغنيمة التي أصبحت على مرمى البصر ! 

ولكن نبي الله تبارك وتعالى موسى الكليم عليه السلام كان له شأنٌ آخر, لقد كان على موعدٍ مع البحر! , لكنه لم يخبر بني إسرائيل بذلك لأسباب قد تكون متعلقة بالخطة وسلامتها وسريتها , وقد يكون بأمر من الله تبارك وتعالى أن تكون الخطة المعلومة لبني إسرائيل على قدر حدود البر , ولا وجود لأي سبب مادي للعبور والخلاص للناحية الأخرى من البحر , وفي ذلك من الحكم العظيمة الباهرة لتدبير الله تبارك وتعالى لهذا الأمر مالا تحيط به العبارة , ولا تطيقه أفهامنا وتصوراتنا المحدودة ! 

كان كليم الله تبارك وتعالى على موعد مع البحر الهادر العميق, وكان البحر على موعدٍ مع كليم الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام وقومه ! ....لقد كان في إنتظارهم !! لقد كان يرقبهم من بعيد , ويدعو الله تبارك وتعالى أن يسلمهم ويحفظهم حتي يصلوا إليه ويحلوا ضيوفاً كراماً عليه!

وقد أعد عدته وأخذ كامل إستعداداته  لتسليم أمانته وعهدته وهم بني إسرائيل كلهم , بكامل متاعهم وأغراضهم إلى صاحبه " البر " من الناحية الأخرى , ليس هذا فحسب أيها الناظر لهذا المشهد الرهيب ,, ولكن دقق النظر جيداً , هذا البحر العجيب نراه في ترقبه لبني إسرائيل في مرمى الأفق البعيد نراه خاشعاً ومستبشراً بوجه حسن ٍ جميل , وعندما ينظر ناحية فرعون الذميم وجيشه العرمرم في أقصى الشرق , نراه  بوجه غير الوجه , غاضب ٌ قد احتدت ملامحه , واشتد نظره وصوبه لهؤلاء القوم المجرمين , وينتظرهم إنتظار الهيم للماء البارد , وقد شكر لربه جل جلاله وتباركت أسمائه ,أن أذن له في حيازة شرف إبادة هذا الكافر العنيد وجيشه وعتاده أجمعين , لقد سجد البحر شكراً لله تبارك وتعالى على هذه النعمة , أن ينتقم لله تبارك وتعالى أولاً , ثم لهؤلاء المساكين من عباد الله تبارك وتعالى من هؤلاء القوم المجرمين , لكنه أُمر بأمر قدسي علويٍ حكيم , أن يلقي بجثة فرعون,ـ هذا القزم الهزيل , المنتفخ الذميم ـ , إلى صاحبه البر من ناحية مصر , ليكون عبرةً ومثلاً للأولين والآخرين , وآية باقية لكل هزيل منتفخ ذميم مثله !!


الجمعة، 4 ديسمبر 2020

هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟

 


هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟
هل صحيح أن استحياء النساء معناه عدم ذبح البنات؟


إن القرآن الكريم له عمق حركي مصور على شاشة كونية عملاقة , ليس للتاريخ وقصصه فحسب ـ وإن كان هذا الجانب أكثر ظهوراً وأشد وضوحاً ـ ولكن أيضاً لكل موضوعات القرآن الكريم ومحاوره, خصوصاً مشاهد يوم القيامة , كما نجد عرضاً مصوراً لأعماق النفس البشرية وأغوارها ـ وهذه المشاهد أعمقها وأبعدها عن عامة الناظرين في القرآن الكريم, إلا خواص المتدبرين , نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم ...والعرض المصور في الآية الكريمة التي معنا نرى فيه أعمال السخرة التي فرضت على شعب إسرائيل, نجدها ونرها أعمال شاقة ومريرة تم سوقهم أليها سوقاً عنيفاً مهيناً بشوكة السلطة الغاشمة وتعاون الشعب الخانع من القبط المصريين ـ وهذا ديدنهم منذ ذلك الحين ـ والعمل المستمر بلا أي مقابل مادي أو حتي معنوي, لا غذاء يكفي الأجساد المهزولة من هذا العناء, ولا علاج لأمراضهم المستعصية نتيجة الظروف القاسية التي أحاطت بهم , ترحيل قسري لأماكن العمل المصطنعة خصيصاً لشعب إسرائيل وشتات عن الأهل والأولاد, ... ورغم كل ذلك لما لم يغني هذا عنهم شيئاً في إفناء بني إسرائيل والخلاص منهم بالسرعة المطلوبة , شرعوا في توسيع رقعة العذاب وإدخال فئات أخري في حمئة الحقد اللعين, فتوصلوا إلى أن أسرع طريقة لإفناء هؤلاء المستضعفين هو عبر قطع نسلهم تماماً بلا رحمة , وكأنهم في حمئة حقدهم المجنون صاروا وحوشاً قدت قلوبهم من حديد ! فهم يذبحون أبناء شعب إسرائيل ـ بنين وبنات ـ كما يذبحون الخراف والشياه , وهذه جرائم يندى لها جبين البشرية , ووصمة عار لكل من عاصر وحضر أو حتي سمع بهذه المثلات ولم يتبرأ ويخجل منها , 

أما القول بأن التذبيح كان للبنين فقط دون الإناث , فهذا تخصيص للمعنى دون دليل , لأن كلمة "أبناءكم " تشمل البنين والبنات يعبر بها القرآن الكريم عنهما معاً وأحياناً يعبر بها عن البنين فقط , وأحياناً آخرى عن البنات , وإستحياء النساء الوارد في الآية الكريمة ليس معناها  البنات , وكيف تسمى الوليدة الرضيعة حديثة الولادة امرأة  ومن النساء !!, ولو سرنا مع هذا التفسير لضللنا ضلال بعيدا, إذ أننا سنسقط كل أحكام النساء الواردة في القرآن الكريم على البنات الرضيعة والأطفال ! والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وهذا المعني والتفسير أقرب لروح هذه المأساة, والهدف المنشود من ورائها, فهو بالمفهوم الحديث " تطهير عرقي " ومحاولة إفناء شعب وأمة, وإستحياء النساء المصور في هذه المشاهد, المفعمة بالأسى والأنين , فهو غاية العناء ونهاية الليل المظلم البهيم , الذى احتوي شعب إسرائيل , واللهيب الذي اكتوت منه أفئدة هؤلاء المستضعفين , وأفنت ما بقي لديهم من كرامة وماءاً في الوجه الكالح الحزين , إن إيقاع الأذى والمهانة بالنساء شيمة كل لئيم عارٍ من كل الفضائل حقير وذميم , فما بالك بما نراه في هذه المشاهد المفجعة المصورة من خلال شاشة القرآن الكريم الكونية نساء من ذوات الخدور , وأرباب الحجاب , وعنوان العفة والفضيلة يساقونهم اللئام المجرمين للخدمة في بيوت العتاة من حاشية فرعون وباطنته والملاء من القوم المجرمين , وما يصاحب هذا السوق من مهازل يندى لها الجبين , وانتهاك لحيائهن , وذبح لعفتهن يضاهي ذبح الأبناء والبنين , هؤلاء الطغاة اللئام يستحيون نساء الشعب العريق في النسب , كريم الأصل , نجباء الخصيلة , طاهرةً دمائهم من كل نطفة آثمةً وبيلةً 

وقد كان ذلك إبتلاء وإختبار من الله تبارك وتعالى لشعب بني إسرائيل , وهي سنة الله تبارك وتعالى فيمن يريد تطهيرهم وإصطفائهم على العالمين , والتمكين لهم في الأرض , دعاة للحق مخلصين , ولا يفسدوا في الأرض متجبرين , وتأتي النجاة بعد الغرق في حمئة العذاب المهين , ويأتي الخلاص الموعود به في الكتاب الأول من ربقة الإستعباد , وعودتهم للحياة من جديد , وكيف يمكن لفئةٍ من الناس تعرضت لكل هذا الهلاك المحقق مادياً ومعنوياً , ثم ينجوا ويتخلص ويتعافى , ثم .... يعود للحياة الكريمة من جديد ! ... إنها قدرة الله تبارك وتعالى القاهرة لكل الظروف والأسباب ومكر الطغاة المجرمين ,إنها رحمة الله تبارك وتعالى الرحمن جل جلاله  البر الرحيم , تداركت شعب إسرائيل , وجعلتهم فوق الطغاة المجرمين , والبلاء المذكور في الآية الكريمة يعنى ويتضمن الاختبار من ناحية العذاب على بني إسرائيل , ويعنى كذلك النعمة العظيمة الوافرة الجسمية التي كانت في إنجاء بني إسرائيل , فهو بلاء عظيم من ناحية ونعمة عظيمة من ناحية آخرى في التطهير والإرتقاء للذرية التي تركت ما كان عليه أسلافهم من التوحيد إلى الوثنية والتنديد , وما كان لهم ذلك أبداً ولا يليق بأولاد الأنبياء ذوات النسب الكريم . 

مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين الفراعنة

 


مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين
مأساة شعب بني إسرائيل تحت حكم المصريين


            وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيم 49 وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ 50

الآية الكريمة تذكر بني إسرائيل ـ ونحن معهم  ـ بحدث تاريخي هائل ومأسوي ومفجع ,هم لا يستطيعون نسيانه ولا إنكاره , حتى يكون هذا القصص آية لهم على صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  , فيأمنوا به ويتبعونه فتكون نجاتهم من الكفر والضلال الذي ولغوا فيه منذ زمن بعيد , والآية الكريمة تقدم لنا مشاهد حية متحركة مفعمة بالأسى , نسمع من خلالها أصوات الأنين , ونرى الدموع تترقق في محاجرها , والآهات تشق صمت الليل الحزين , مأساة أمة وشعب , على يد أمة وشعب آخر , الآية الكريمة تنبئنا أن الذى أقام لبني إسرائيل  محافل التعذيب الهمجية هذه هم ءال فرعون , وهم كل المؤمنين بفرعون كحاكم له الحق على الشعب , وليس لاحد من الشعب عليه حق , وكل معاونيه وأوليائه وجنوده أجمعين , ولذلك نرى الآية الكريمة تصف مشاهد التطهير العرقي بصيغة الجمع المضارع  , يسومونكم  ,يذبحون  , يستحيون , وهذا يدل على أن فرعون إستطاع تجنيد قطاع كبير من القبط المصريين للمعاونة والمساندة والدعم اللوجستي والمعلوماتي في هذه الهجمة البربرية المجرمة على شعب بني إسرائيل , ولا ندري الأسباب التي كانت من وراء حملة " التطهير العرقي " هذه , ولكننا نستطيع أن نؤكد على السبب الديني , كسبب رئيس لهذه الحملة المجرمة على شعب بأكمله أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً , رغم أن بني إسرائيل في هذه الفترة من تاريخهم كانوا قد خرجوا من التوحيد إلي الوثنية, التي اكتسبوها ودخلت عليهم من مخالطة الوثنين المصريين , ولكنهم ظلوا محتفظين بعادتهم وتقاليدهم , المخالفة لتقاليد وعادات القبط المصريين , وسبب آخر يمكننا أن نلمحه من خلال هذه المشاهد القرآنية المعجزة , أن الطغاة المجرمون من الحكام أمثال فرعون ـ وأمثاله كثير في التاريخ القديم والمعاصر ـ يريدون إشغال الشعب في ملهاة مصطنعة , أو مأساة مختلقة وملفقة , التي على أثرها يفترق الناس ويختلفون ... وهكذا يستبدون بالملك , ويملكون الناس كما يملكون المتاع الرخيص ! ...

هل صحيح ان سبب حملة التطهيرالعرقي  ضد شعب اسرائيل  رؤيا لفرعون؟

أما ما ذكر في كتب التفسير من أن السبب في ذلك تلك الرؤيا التي رءاها فرعون أنه يولد لبني إسرائيل ولد يكون زول ملكه على يده ! فهذا ليس عليه دليل , وليس له أي ذكر سواء تصريحاً أو تلميحاً في الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكريمة التي صورت لنا المشهد من زوايا مختلفة  ولو كان هذا حقاً لقصه الله تبارك وتعالى علينا كما قص علينا رؤيا ملك مصر من قبل في زمن يوسف عليه السلام !.... ولو كان ذلك حقاً لما أبقى فرعون الطاغية الضنين على ملكه والشعب الخانع الذليل , لما أبقي على موسى عليه السلام , وهو في المهد رضيع ! وأين هذه الرؤيا منه وهو يقوم بتربية غلام ذكر من بني إسرائيل !!, هل نسيها ؟!! أم فقد الذاكرة وهو زميم ؟!! 

والقرآن الكريم يقدم لكل الناس من خلال هذا القصص البالغ التأثير, الوجه الكالح العبوس, للجاهلية عندما تحكم وتسود مجتمعاً يخضع ويرضى بحكم الطاغوت, والحقيقة البائسة, والعاقبة الوخيمة التي تنتظر المجتمعات التي تنتكس في حمأة الشرك والوثنية, وتتردى في معتقدتها وتصوراتها الدينية لربها ومعبودها الحق جل جلاله وتباركت أسمائه, وليس لذلك من عاقبة إلا الذل الهوان تحت أقدام الطواغيت, والعذاب الأليم في الآخرة  فماذا أغنت عنهم طواغيتهم ومعبوداتهم من دون الله تبارك وتعالى ؟ وماذا كسبوا إلا خسران الدنيا والآخرة , قال الله تبارك وتعالى " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين , ولقد أرسلنا فيهم منذرين "

والآية الكريمة تصف هذه الملحمة التي ظللت بني إسرائيل ووسعتهم كباراً وصغاراً, وصفاً حركياً بليغاً مؤثراً  للمشاهد ـ وهو المتدبر لعمق المشاهد المصورة بعين البصيرة ـ وللسامع الذى أنصت للذكر وأقبل بقلبه عليه


الخميس، 3 ديسمبر 2020

هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟

 


هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟
هل تقع يوم القيامة شفاعة من أحد لأحد ؟


و الشفاعة هي أكثر ما يروج عند عامة الناس وخاصتهم ويتعلقون به تعلق الغريق بالقشة , ويروّن فيها روايات مأثورة غير صحيحة بالمرة لأنها تخالف ما قرره كتاب الله تبارك وتعالى في مسألة الشفاعة , والأصل في باب الشفاعة هو هذه الآية الكريمة والآية الكريمة الأخرى التي تليها في نفس السورة الكريمة "  وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْءًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ 123‏" وهذه الآيات الكريمة

 " يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَٰعَةٌ وَالْكَٰفِرُونَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ 254‏ البقرة

" وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "51 الأنعام

‏"وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ ‏وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ‏‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ  70"الأنعام‏

‏"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ ‏فِيكُمْ شُرَكَٰؤُا لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ 94" الأنعام

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ ‏فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ 43" الأعراف

‏"وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَٰؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّءُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي ‏السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" 18 يونس

‏"فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ" 100 الشعراء ‏"وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَٰؤُا وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَٰفِرِينَ" 13 الروم

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ 4" السجدة

‏"ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا وَلَا يُنقِذُونِ "23 يس

" أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْءًا وَلَا يَعْقِلُونَ "43 الزمر

" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر 

‏"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْءَازِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَ مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ" 18 غافر

‏"فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَٰعَةُ الشَّٰفِعِينَ" 48 المدثر 

هذه الآيات الكريمة تنفي تعلق الشفاعة بغير الله تبارك وتعالى نفياً قاطعاً حاسماً باتاً , وهي الأصل في باب الشفاعة لأنها لم ترد بأي إستثناء من أي نوع لا متصل ولا منفصل , وتثبت تعلق الشفاعة بالله جل جلاله وتباركت أسمائه وحده وفقط وليس لأي أحد حج فيها مدخل كائناً من كان .  كما وردت الشفاعة في آيات أخرى مقيدةً بإستثناء ذو حيثيات معينة , لا تعارض الآيات الكريمة السابقة الذكر , ولا تخصصها , وإنما تزيدها تأكيداً وبياناً وتوضيحاً , وهي كما يلى حسب ترتيب المصحف الشريف : 

  ‏"اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ ‏إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ ‏وَلَا يَءُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "255 البقرة ‏ 

‏"إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن ‏بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" 3 يونس  ‏"لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا87" مريم

‏"يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" 109 طه

‏"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ"28 الأنبياء

‏"وَلَا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"23 سبأ

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف

‏"وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَٰوَٰتِ لَا تُغْنِي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ"26 النجم

فكما نرى أن الشفاعة في هذه الآيات الكريمة متعلقة بإذن الله تبارك وتعالى , أو اتخذ عند الرحمن جل جلاله عهداً , أو أذن له الرحمن جل جلاله  ورضى له قولاً , أو شفاعة الملائكة الكرام لمن ارتضى الرحمن جل جلاله  , ... أما الإستثناء الوارد في سورة الزخرف الآية الكريمة 

‏"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" 86 الزخرف  , فنراه استثناء منقطعاً  لأنه وارد على المشركين وشركائهم الذين يدعونهم من دون الله تبارك وتعالى  ,

 إذاً هذه الآيات الكريمة الأخيرة التي وردت فيها الشفاعة مقيدة بحيثيات كلها ترجع إلى الله تبارك وتعالى , كما امرنا الله تبارك وتعالى أن نقول ذلك ونؤمن به إيماناً لا شك فيه كما في الآية الكريمة   ‏" قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 44" الزمر ‏  ... وهذه الحيثيات الواردة في الآيات الكريمة السابقة الذكر كلها من الغيب الذي لا نعلمه ولا نتقدم فيها بين يدي الله تبارك وتعالى بشيء فالإذن والعهد والرضى كشرط للشفاعة كلها تابعة لمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة . 

إذاً القرآن الكريم  لا يثبت شفاعة مطلقة محققة الوقوع يوم القيامة ,  لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب , بلا قيد أو شرط , وهو كذلك لا ينفي مطلق الشفاعة , بل يثبتها لله تبارك وتعالى وحده ومن أذن له ومن رضى له قولاً وهذه شروط متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى , فهي قد تقع يوم القيامة من الله تبارك وتعالى من نفسه إلى نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , أو من الملائكة المقربين , أو من أولي العزم من الرسل  , أو من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وهو أحقهم وأولاهم لما له من القدر والمكانة عند الله تبارك وتعالى , وهو صاحب المقام المحمود يوم القيامة , لكننا لا نجزم بها كوعد محقق الوقوع , ولا ننفيها مطلق النفي , لأنها متعلقة بمشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة , وهي من الغيب الذي لا نعلمه , والأمر كله راجع لله تبارك وتعالى ولمشيئته , ولا مشيئة لأحد يوم القيامة معه , بل كلهم مستسلمون , لا يتكلمون إلا بإذنه , ولو قدر الله تبارك وتعالى أن تكون شفاعة وشفعاء يوم القيامة فإن ذلك لا يكون بطلب من أحدٍ ولا حق لإحدٍ في ذلك , وإنما يكون ذلك بدايةً من الله تبارك وتعالى إذناً وأمراً , ولذلك لا ينبغي لإحدٍ أن يتعلق بأمر الشفاعة ويركن إليه كأمرٍ واقع لا محالة , لأننا لا ندري ما الله تبارك وتعالى فاعلٌ في هذا الأمر , فينبغي لكل مسلم صادق الإيمان أن يقدم لنفسه العمل الصالح والتوحيد الخالص لله تبارك وتعالى , وليكن على رجاءٍ في الله تبارك وتعالى وحده , أن يقبل شفاعة أعماله الصالحة الخالصة لله تبارك وتعالى , وأن يعامله بالفضل والعفو والمسامحة , فهو سبحانه وتعالى أهلٌ لذلك وأحق به جل جلاله وتباركت أسمائه , وأن يكون في خوفٍ شديد لا يتملل منه ولا يفارقه ليلاً ونهاراً ,... وإلا فما لكم لا ترجون لله تبارك وتعالى وقاراً  , استغفر الله تبارك وتعالى وأتوب إليه والحمد لله تبارك وتعالى .  

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى علىمعنىاليقين؟

 

هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟
هل كلمة الظن ترد في كتاب الله تعالى على معنى اليقين؟


ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

الظن يرد في لغة العرب على محمل الشك والريب والتهمة , ومجمل ورود الكلمة في كتاب الله تبارك وتعالى يَرد على محمل الإعتقاد المحمول على دعامتي الرجاء والتمني,  القائم على مقدمات صحيحة أو باطلة ,الإعتقاد الصحيح المبني على مقدمات صحيحة, أو الإعتقاد الباطل الخاطئ تبعاً لمقدماته الخاطئة وفي هذه الحالة فإن الأنسان يعتقد أيضاً أنه على صواب ,ففي الحالة الأولى يقين أشبه بالظن من حيث الرجاء والتمني والخوف  الذي يحمله , وفى الحالة الثانية ظن وتخَرص أشبه باليقين من حيث كونه إعتقاداً مبني على مقدمات ولكنها فاسدة ,   ولكن القرآن الكريم يحدثنا عن حقائق مطلقة لا تخضع لتصوراتنا وأوهمنا , ولا تخضع لقوانين الرؤية والتصور في عالم المادة والأسباب , ويقدم لنا حقائق المسائل والحادثات من حيث هي في حقيقتها المطلقة في عالمها , أما في عالمنا المادي المحسوس فإننا نتعامل مع أسمائها وصورها بالمنطق المادي البحت , ولا نستطيع النفاذ إلى عمق الحقائق إلا بتزكية أنفسنا والإرتقاء بمدركاتها وحواسها النفسية , ولا يمكننا ذلك إلا بطهارة الباطن و بالعمل الصالح, والتفقه والتدبر لكتاب الله تبارك وتعالى ,كمصدر وحيد وكافي وشامل للحقائق المطلقة من حيث هي في عالمها .

والقرآن الكريم يصف ويعبر عن هذه الحقائق المطلقة بالكلمة ورسمها وصوتها ورنينها, وبوضع الكلمة نفسها في سياق الآية الكريمة, وسياق الآية الكريمة في نسيج السورة القرآنية وفي مجموع ورود الكلمة في سياق الآيات الأخرى ؟ 

و الآية الكريمة تصف لنا الخاشعين الذين استعانوا بالصبر والصلاة التامة بأنهم " ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ " وهذا الظن في الآية الكريمة ينطبق عليه التعريف الأول للظن في القرآن الكريم , وهو الإعتقاد المبني على مقدمات صحيحة ويحمله الرجاء والخوف كدعامتين  وورود الآية الكريمة بهذا السياق يدل على أن المقصود باللقاء والرجوع  إنما هو لقاء الجزاء الأوفى ووعد المغفرة , ورجوعهم إليه سبحانه وتعالى رجوع الغريب إلى داره والشريد إلى مأواه , كما قيل في الأثر "القيامة عرس المتقين " " ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله تبارك وتعالى لهذا المعنى جاءت الآية الكريمة  بهذا السياق ولم تأت في سياق يوقنون كما وردت في الآية الكريمة  "  وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ " ٤ في أول السورة الكريمة , لأن الآية الكريمة في أول السورة الكريمة تصف الإيمان باليوم الآخر وهذا لابد فيه من اليقين الجازم الذي لا شك فيه , وإلا فلا إيمان ولا إسلام أصلاً , أما الآية الكريمة التي نحن في رحابها الآن فهي تصف إيمان المؤمنين بالوعد والجزاء الأوفى للعمل الصالح الذي وعدهم به رب العالمين تبارك وتعالى , فهم على يقين بالوعد وصدق الواعد جل جلاله وتباركت أسمائه , ولكنهم من ناحية آخرى على غير ثقة بإيمانهم و بأعمالهم أن تقبل عند الله تبارك وتعالى وتنجيهم من الوعيد وتكون سبباً في تحقق الوعد الكريم  لذلك نرى أن الآية الكريمة جاءت بهذا السياق لتدل على هذه المعنى , فهو إعتقاد قائم على مقدمات صحيحة وهو وعد الله تبارك وتعالى للمؤمنين بالمغفرة والنعيم , وهذا يقين لا شك فيه ,  وفي نفس الوقت هم بين الرجاء أن يكونوا أهلاً لذلك الوعد , والخوف من عدم قبول أعمالهم وقُرباتهم وبالتالي يلحقهم الوعيد , و الله تبارك وتعالى أعلى وأعلم , واستغفره سبحانه وتعالى وأتوب إليه . 


يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤٨

بعد النداء الأول الذي سبق معنا , والذي كان دعوة إلى الإيمان بالمنهج الأخير المنزل من السماء على خاتم الأنبياء محمد صلى الله علية وسلم  وترك العناد والكفر الذي تمادوا فيه منذ تاريخهم البعيد , في أسلوب قرآني فريد يخاطبهم جماعات وفرادى وأمم وشعوب ـ ومن ورائهم ومعهم هذه الأمة المحمدية وسائر الأمم إلى يوم الدين ـ في أسلوب دعويٌ يُحتذى يجمع بين الترغيب والترهيب , والماضي والحاضر , وقد بين لنا مولانا الحق جل جلاله وتباركت أسمائه أسباب الضلال وسبل الغواية وأصحابها وأهلها ومن هم أحق بها ممن هم سبب ضلال الناس في الماضي والحاضر , ويدعو الناس عامة وخاصةً إلى التوبة والإنابة لله تبارك وتعالى . 

ومعنا هذه الآية الكريمة وتحمل النداء الثاني العذب الرخيم يذكرهم بنسبهم لهذا النبي الكريم يعقوب عليه السلام, ثم يعقب النداء بموعظة بليغة لهم ولكل مؤمن بالقرآن الكريم , كأنها موعظة الوداع والنداء الأخير .... ثم كل نفس على نفسها بصيرةً ولو ألقى معاذيره ! 

كلمات قليلة لكنها في العمق البياني والدلالي تملئ ما بين السماء والأرض عبراً ومشاهد مبكية تخلع القلوب وتحطم أقفلها ,وتصك الأسماع صكاً يزيل صممها , يالله  كيف لا تنهمر دموعنا أنهاراً حزناً على قسوة قلوبنا وبلادة حسّنا وتفريطنا في جنب الله تبارك وتعالى فيما مضى من أعمرنا وخوفاً مما هو آت علينا فيغشانا ويسربلنا بسرباله , وينزعنا نزعاً شديد من بين أهلنا وأحبتنا ثم يُفضي بنا إلى ما قدمنا لأنفسنا ونصبح بما كسبنا رهائن مغّلالين في السلاسلا  مسجونين , أو مكرمين في هيئة حسنةٍ نزلا من غفور رحيم , نسأل الله تبارك وتعالى عفواً وتجاوزاً عنا  ..والآية الكريمة تنفي أربعة أشياء عن يوم القيامة  أن تعطي نفسا نفساً آخرى شيئاً من أجرها , وعدم قبول أي شفاعة , وعدم أخذ الفداء من احد يفتدي به نفسه , وعدم النصرة  فلا ينصر أحداٌ أحدا , إنه اليوم الرهيب , يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله تبارك وتعالى بقلب سليم , والآية الكريمة تنفي هذه الأمور وهذه العناصر الأربعة نفياً باتاً قاطعاً , لا يبقي أي أثر لأي آمال معلقة ., ولا لأي أماني مؤجلة , وتغلق أبواب الرجاء في أي سبيل للنجاة إلا باب الرجاء في رحمة الله تبارك وتعالى وشفاعته لعبده عند نفسه جل جلاله وتباركت أسمائه , وباب الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص , هذان بابان فقط يمر منهما وخلالهما عباد الله تبارك وتعالى المؤمنين الصالحين ,والباب الأول عام لكل الناس , أما الثاني فمن داخلة الباب الأول ومن بعده والطريق إليه مرسوم وموسوم بوسم خاص يعرفه المؤمنين وهذا الباب خاص بالأنبياء والمرسلين وأتباعهم  , وسائر الناس بعد ذلك في أرض المحشر هائمون على وجوههم لا يلوي احد على احد 

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "

 

   

جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "
جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم "  

 

                                      

وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢

وتستمر الآيات الكريمة في مخاطبة القوم الذين يزعمون الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر ـ ومن ورائهم كل زاعم وداعٍ ـ يأمرهم في نبرةٍ صارمة ٍ أن ينتهوا عن الأفك العظيم والضلال المبين الذي ارتكسوا فيه ورتعوا في حمئته , طوال القرون الماضية , إنه التلبيس ... وما ادراك ما التلبيس ؟! إنه فعل إبليس اللعين , ومن ورائه علماء البلاط والسلاطين , الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويأكلون أموال الناس بالباطل , ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى , ويبغونها عوجاً, ولكن لماذا تلبيس الباطل بثوب الحق؟

لأن الباطل لا قوام له بنفسه , ولا تقبله النفوس محضاً خالصاً , فهو معاكس لفطرة الكون والناس ,مناقض للعقل الصحيح , ولكنه موافق للأهواء والشهوات البهيمية , فالباطل لا يرتع إلا في ساحة الأهواء والغواية التي تسكنها الشياطين , وكل غاوٍ أفاكٍ أثيم , وكل من إتجهت إرادته للدنيا طلباً لها وحرصاً عليها بل وتكالب وتصارع من أجلها , فإن الشياطين تستولي عليه , وتأخذهم لهذه الساحات , ليرتع في الباطل الملبس والمزخرف مع الذين سبقوه , ويخوض معهم في الضلال المبين , وهؤلاء هم المتصارعون على الدنيا بأسبابها حلالاً أو حراماً   أما الذين يأكلون الدنيا بالدين , ويزينون للناس أهوائهم , ويزينون للحكام فسوقهم عن منهج الله تبارك وتعالى , وظلمهم للناس , فهؤلاء ليسوا ممن تستولي عليهم الشياطين وتحضرهم إلى ساحات الغواية , ... بل هم ممن تطيعهم الشياطين وتعمل بأمرهم , فهم القادة الذين تبوء المكانة والصدارة في ساحات التزيين والتلبيس للباطل ببعض الحق !! ومن خلال النظر السريع في كتاب الله تبارك وتعالى نجد أن هؤلاء الصنف من الناس لهم أشد العذاب والإهانة والإبعاد , وذلك لأنهم سبب مؤثر وبالغ في ضلال الأمم والشعوب والأتباع , وهل أفسد يني إسرائيل وأضلهم إلا الحكام والملوك من ناحية والعلماء من ناحية أخرى والجنود المجندة للطاغوت,  للصنفين الحكام والعلماء , فالجنود للحكام الفاسقون , والأتباع العميان للعلماء الغاوون , والرسم القرآني لكلمة الباطل بغير الألف الحنجرية , لأنه من المسائل المعنوية , وليست له حقيقة مادية محسوسة .

وكتمان الحق كله أو بعضه, كذلك هو من أكبر الكبائر , وأشنع الذنوب المتعدية آثارها على الأفراد والشعوب , وهو المقتضى الطبيعي لإظهار الباطل ونشره بين الناس , لأنه يكون على حساب الحق حقيقةً ووجوداً , فكل باطل مزين وملبس بشبه الحق وهيئته يقتضي حتماً إخفاء الحق وكتمانه لأنه لا يجتمع مع الباطل في نفس المكان والزمان , لأن الحق ـ ما دام خالصاً ـ إذا جاء في كامل صورته وهيئته , فإن الباطل يفر مولياً دبره خاسئاً حسيراً زاهقاً , وما رتع الباطل وانتفش واستطال إلا في غياب الحق وكتمانه . 

وختام الآية دالٌ على أن المعنيون بهذا الخطاب بالأساس هم العلماء الذين شرفهم الله تبارك وتعالى بالعلم ثم هم يرتكسون في هذه الحمئة الوبيلة ويخلدون للأرض وللحياة الدنيا فلهم شر مثل في كتاب الله تبارك وتعالى , فهم أمثال الكلاب العاوية ! 

      

۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٤٤وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

    ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦

مازال الخطاب في هذه الآية الكريمة للذين آتاهم الله تعالى العلم والكتاب ـ وللناس من ورائهم ـ والاستفهام  للتعجيب من أمرهم , إذ يأمرون غيرهم بالبر ثم ينسون أنفسهم ولا يأتمرون بما يأمرون به الناس , إنه الفصام النكد بين القول والنصح والوعظ  من ناحية , والعمل والتخلق بما يأمرون به من ناحية آخرى , والبر اسم جامع لكل خير ظاهرٍ وباطن , لذلك الدين كله في البر , والبر كله في الدين . وجهان لعملة واحدة , والآية الكريمة تكشف عن داء ومرض خبيث بين الناس عامتهم وخاصتهم , وخاصةً الموسومون برسم العلم ومن حملته ,الذين احترفوا مهنة الوعظ والإرشاد وهم عارون مما يدعون إليه غيرهم , ولا يلزمون أنفسهم به منهجاً عملياً , إن الخطب والمواعظ على رؤوس الناس تلقى هوىً عميقاً في النفوس , وتستلذ بذلك لذة غامرة ً, تنسيها نفسها وتجعلها كالشمعة تحرق نفسها لتضيئ لآخرين , وجسر يعبر عليه الناس ثم ينكسر ويهوي بعد حين ! ... إن النفس البشرية مفعمة بالأهواء والطغيان, تأمر بالسوء وهي متوشحة بوشاح الدين والصلاح , وتخلد للدنيا وملذاتها وهى تتمنى على الله تبارك وتعالى ,

 ولذلك جاء في الحكمة "إذا أعجبك الكلام فاصمت , واذا أعجبك السكوت فتكلم " وهذا يدل على أن مخالفة النفس نجاةٌ , ودالٌ على سلامة العقل , و القرآن الكريم يحمل على أمثال هؤلاء حملةً ضارية في كثير من آياته , لأنهم يأمرون للبر بألسنتهم ويصدون عن سبيل الله تبارك وتعالى بأعمالهم وحالهم , فهم في حقيقة حالهم لا دين عندهم ولا تقوى , ولكن يأمرون بالبر لتحقيق أغراض نفسية وشهوانية وطلباً للدنيا وحطامها من غير أبوابها , ويأكلون أموال الناس بالباطل مقابل هذه المواعظ والخطب البليغة المؤثرة !  ...والآية الكريمة تصكهم صكاً في ختامها , وتقرعهم على رؤوسهم ونواصيهم الفارغة من التعقل , أفلا تعقلون !        

وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ 45

وفى هذه الآية الكريمة توجيه للمنهج العملي القويم , الذي يهذب النفس ويزكيها ويرتقي بالروح ويصلها بخالقها العظيم سبحانه , وقوام هذه المنهج في الصلة بالله تعالى ودوام مراقبته في السر والعلانية , والصلاة ذات الخشوع معراج روحي للمؤمنين ,وطهارة للوجدان والضمير , والمداومة عليها في أوقاتها المعلومة يجعلها روحاً وكياناً نورانياً قائماً بذاته تأمر صاحبها بالمعروف وتنهاه عن المنكر , والصلاة ذات الخشوع لله تبارك وتعالى  والتي ينتج عنها كياناً روحياً نورانياً متعلقة بصاحبها وملازمة له, تنير له السبيل القويم , وتأمره بالخُلق الكريم , تحتاج للصبر الجميل في المداومة عليها والخشوع فيها , فالصبر خُلق معين على كل غاية , وتحصيل المكرمات والفضائل , وتحمل مصائب الحياة الدنيا وبلوائها , .. فكأنه قيل وكيف السبيل إلي تحصيل الغايات المرجوة من الطهر والفضيلة والعمل الصالح المقبول وردع الهوى المستطير في النفس وإلجام الشهوات المزينة بالوهم والتضليل ؟ فتأتي الآية الكريمة تبين السبيل وترشد لأسباب النجاة والفلاح وتحقيق مرضاة الله تبارك وتعالى ,وهذه النصيحة وهذا الإرشاد الذي تقدمه الآية الكريمة يبدو أمرا في غاية الصعوبة والمشقة على الذين سيطرة عليهم أهوائهم , واستعبدتهم شهواتهم وأغراضهم العاجلة فهم مشغولون بتحصيلها وينفقون العمر في تحصيلها , حتى الصلاة أصبحت عندهم مجرد حركات وتسبيحات وقراءة لا حضور فيها للقلب ولا خشوع , لذلك هذه الصلاة بهذه الصورة المزرية لا ينتج عنها ومنها روحاً وكياناً نورانيا , لأنها صلاة ميتةً بلا روح , وإنما ينتج عنها كياناً شبحياً  مشوهاً مظلماً, يظل جاثما على صدروهم, فتزداد ضيقاً إلى ضيقها, وحرجاً إلى حرجها! ..... لأنهم لا يقومون للصلاة إلا كسالى ولا يذكرون الله تبارك وتعالى فيها إلا قليلاً, إضافةً إلى جزعهم عند حلول المصائب وخوارهم النفسي تجاه مصاعب الحياة.


لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة