والبسملة آية من الفاتحة , وآية من أول كل سورة , ولا فرق في ذلك بين الصلاة والقراءة خارجها , لأنها ثابتة في المصحف الشريف في أول كل سورة , وثبوتها في المصحف الشريف كافٍ لكل المؤمنين لأن القرآن الكريم مكتوب على هيئته وصورته في أم الكتاب ولا دخل للصحابة ولا غيرهم في حرفٍ واحد منه إثباتاً أو حذفاً , تقديماً أو تأخيراً , ومن اعتقد غير ذلك فهو تائه ضال ,نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا سواء السبيل , كما يجهر بها في كل المواضع في الفاتحة وبداية كل سورة في الصلاة وغيرها كما يجهر بكل آيات القرآن الكريم , والخلاف الذي يملأ الكتب السلفية وغيرها حول كونها آية من الفاتحة أو ليست آية والجهر بها أو الإسرار فهو لا معنى له وباطل أصلاً وفرعاً , وعلى الذين اتخذوا العلماء والشيوخ أرباباً من دون الله تبارك وتعالى , أن يستفيقوا من غيهم قبل أن تحق الحقائق ويزهق الباطل , ولا تملك نفس لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله تبارك وتعالى , ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله تبارك وتعالى ونعم الوكيل .
في رحاب سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيمٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣
نرى الآية الكريمة بدأة بالحمد بصيغة الشمول والاستغراق لكل المحامد ومن كل الحامدين , الله تبارك وتعالى يحمد نفسه بنفسه لأننا عاجزون عن حمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه , ولو إجتمعنا كلنا إنس وجان , أولنا وآخرنا على قلب رجل واحد , وبلسان واحد , في صعيد واحد , ما إستطعنا وفاء بجزء من جزء من الحمد المستحق له جل جلاله وتباركت أسمائه , ولهذا العجز المحتوم منا , فبرحمة من الله تبارك وتعالى وفضلٍ كفنا مؤنة هذا الواجب المستحق علينا , وقام بحمد ذاته المقدسة على ألسنتنا وبأوتار قلوبنا , جبراً لعجزنا , ورحمةً بضعفنا , وزكاةً وطهارةً لأنفسنا , ومدد روحي في أروحنا, فله الحمد ظاهر وباطناً في كل وقت وحين , ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون , فهو المحمود سبحانه وتعالى على ألوهيته للعالمين بلا شريك له في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً , فهو المحمود سبحانه وتعالى على وحدانيته في الألوهية , ولم يتخذ له صاحبة ولا ولداً ,إذا لهكنا في عبادتهم جميعاً في وقت واحد وسعينا في إرضائهم جميعاً في وقت واحد , وهكذا هو حال المشركين هلكى في عبادة شركائهم المتشاكسون , قال الله تبارك وتعالى :" ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٩.الزمر وهو المحمود على ربوبيته للعالمين خلقاً وإيجاداً ورعاية وإحاطةً للعالمين ,
مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤
الرسم القرآني لكلمة مالك مختلف عن رسمنا , وليس ذلك حذفاً كما يدعي بعض العلماء المعاصرين , وإنما الحذف لحرف كان ثابتاً ثم حُذف , القرآن نزل هكذا على هذه الصورة والرسم , والألف مرسومة بهذا الشكل , فمتى أصبحت برسمنا الإملائي ؟! ثم متى حُذفت ؟! ومن ذا الذي تجرأ على كتاب الله تبارك وتعالى وقام بحذفها؟! فما هكذا تورد الابل يا سعد ! إن الكلام عن كتاب الله تبارك وتعالى ينبغي أن يكون بحلم وعلم ووقار وسكينة , أما الكلام في كتاب الله تبارك وتعالى بألفاظ مثل الحذف أو الإضافة , أو أن هذا حرف زائد !! وهذا مطلق ومحكم نحكمه, وهذا مقيد ومتشابه لا حكم له ولامعنى !!! أو أن هذه الآيات مخصوصة بفلان أو باليهود والنصرى !! ........... فهذا الذي نهانا الله تبارك وتعالى عنه مراراً في القرآن الكريم وحذر منه , وتوعد عليه بأشد الوعيد في آيات كثيرة , والله الموعد , وحسبنا الله تبارك وتعالى في كل من تكلم في كتاب ربنا ومولانا جل جلاله وتباركت أسمائه بغير حلم ولا علم وادعى ما ليس عليه دليل , وما أنزل الله تبارك وتعالى من سلطان , والله الموعد . .. هذا الرسم هو خصوصية وتفرد وتميز للقرآن الكريم رسماً كما هو كذلك معناً وحكمةً وعلماً وتبياناَ لكل شيء ,وحرف الألف الحنجرية له خصوصية في الرسم القرآني , لا نستطيع أن نحيط بها علماً , كما هو شأن القرآن الكريم كله , لا نستطيع أن نحيط به علماً لأنه كلام الله تبارك وتعالى , ومن آثار صفاته وأسمائه الحسنى , جل جلاله وتباركت أسمائه , ولكننا نتكلم في ذلك في حدود إدراكنا ,وما يفتح به مولانا الحق جل جلاله وتباركت أسمائه علينا من الفتوح والبركات .
ماذا يعني قوله تعالى "مالك يوم الدين "؟
من المعلوم قطعاً أن الملك لله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة فهو جل جلاله وتباركت أسمائه الخالق وحده لكل شيء , والمالك وحده لكل شيء , إذاً ما الحكمة من تخصيص يوم الدين بالملكية لله تبارك وتعالى , " مالك يوم الدين " ؟! والله تبارك وتعالى له ملك الدنيا والآخرة , نقول وبالله التوفيق وعليه التكلان , هذا الرسم لكلمة "مالك" وتخصيص الملكية بيوم الدين في الآية الكريمة كلاهما يشير إلى إختلاف حاصل في الملكية يوم الدين عن الملكية لله تبارك وتعالى في الدنيا , "مالك يوم الدين " بهذا الرسم لمالك والتخصيص تعني الملكية الكاملة المطلقة التي لم تدع من الملكية شيئاً لأحد ولو مثقال ذرة ولا مشيئة لأحد ولا تصرف , ولا حتى أن يحرك شفتيه بكلمة إلا بإذنه جل جلاله وتباركت أسمائه . .. في الحياة الدنيا كانت السموات والأرض مسخرة للإنسان بأسبابها , بحكم الإختبار الذي خلق من أجله الإنسان وهذه الساحة الكونية للإختبار الأرض وسقفها وما بينهما , كل ذلك كان مسخراً مذللاً للإنسان بحكم الإختبار وبحكم الخلافة الذي منحه الله تبارك وتعالى لهذا الإنسان , وهداه النجدين إما شاكراً وإما كافوراً , فالإنسان كانت له في الحياة الدنيا ملكية خاصة للأسباب , وما ينتج عنها من ملكية لأعراض ومتاع وزينة , فهذا يقول مالي , وآخر يقول أرضي , وذاك يقوم بيتي ومتاعي , وهكذا كانت الأعراض والمتاع الدنيوي يُنسب إليه , وكثير منهم مساكين ينسى أنه معدوم في صورة الموجود , وفقير في صورة الغني , ومملوك في صورة مالك, لأن الحياة الدنيا كلها أعراض ومتاع , وأسماء وصور , ولعب ولهو , وليست جواهر وحقائق , أما من ناحية الحق والباطل , فإن الحق فيما جاءت به رسل الله تبارك وتعالى وأنبيائه حصراً وقصراً , وكل ما سواه إما فضل علم من ظاهر الحياة الدنيا , وإما باطلٌ صرف , والدنيا زائلة فانية بانتهاء وقت الامتحان, وتذهب معها هذه الأرض وهذه السموات التي كانت مسخرة للإنسان بأسبابها , ويُنشئ الله تبارك وتعالى كوناً جديداً بموصفات آخرى ونواميس قابلة للخلود ومعدة لذلك , وليس للإختبار كما كان الحال في الحياة الدنيا , فيوم الدين لا أسباب مسخرة لأحد , ولا مشيئة لأحد , ولا تصرف من أي نوع إلا بإذن الله تبارك وتعالى , حتى يفرغ الناس من الحساب , فريق في الجنة لهم ملكية كاملة على ما فيها , تسخير كامل و غير محدود ـ كما كان التسخير في الدنيا ـ , والأسباب فيها كاملة ً تامة غير منقوصة ومبتورة ـ كما كان الأمر في الحياة الدنيا ـ, ففي الدنيا كانت مشيئتهم غير مطلقة والأسباب كذلك غير مطلقة " وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " أما في الجنة " لهم فيها ما يشاءون خالدين ..." الآية , أما النار وأهلها ـ نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية ـ فعكس ذلك تماما ً فلا مشيئة فيها لأهلها ولا أسباب مسخرة لهم البتة , ولا يقدرون على فعل أي شيء , وليس لهم إلا إرادة خاوية ليس لها أي سبب , وأماني ذاهبة عنهم بعد فترة من العذاب !