بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 ديسمبر 2020

القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق

 

القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق



والسورة الكريمة ,بعدما حملت عجلة التاريخ مسرعة ً تطوي المراحل والقرون , ثم هاهي , تبطئ سرعتها , ثم تتئد رويداً  رويداً وعلى مهل عند محطة بني إسرائيل ! لقد جاءت عجلة التاريخ الموجهة مسرعة حتى زمن التنزيل والوحي , ثم استدارة لتعود مرة أخرى للزمن الماضي , فسارت قاصدة ديار وزمن بني إسرائيل , ثم توغلت في تفاصيل حياتهم , لتعرض لنا مشاهد تصوير حية , من تفاعلهم  مع الوحي , وكتاب الله تعالى  الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام , مشاهد تعكس التفاعل الحركي الظاهري , والتفاعل النفسي الباطني ,    النفسية الكامنة وراء التفاعل الظاهري  , وتسليط الضوء على قضية الميثاق والعهد ‏ مما يجعل قصص بني ‏إسرائيل مرتبطة بقصة آدم عليه ‏ السلام التي كانت معنا منذ قليل من خلال السورة الكريمة                

يا أبناء إسرائيل , نبي الله الكريم يعقوب عليه السلام , وهذه  براعة وروعة  الاستفتاح البياني في خطاب هؤلاء القوم الضالين عن أصلهم وطريقة أسلفهم المؤمنين , فلا يبهتهم ويصفعهم بيا أيها الضالون , رغم ضلالهم , ولا ياأيها الكافرون , رغم كفرهم  , ولكن القرآن يخاطبهم خطاب رحيماً رخيماً بصوت عذب رقاق ,وفي نفس الوقت لا يداهن ولا يداعب فسوقهم , ولكن ينطق بالحق ويدعوهم إليه في أسلوب متصاعد الوتيرة ويدعوهم دعوة خاصة , بعد الدعوة العامة التي سبقت في السورة الكريمة " ياأيها الناس اعبدوا ربكم ....."  وذلك تأليفاً لقلوبهم , التي قست من بعد ما جاءتهم البينات من ربهم ! 

وكل دعوة في القرآن الكريم لأهل الكتاب , ليس معناها مخصوص باليهود والنصرى حصراً , ومن يظن ذلك فهو لم يفهم بعد أساليب القرآن الدعوية , والبيانية , فهو بعيد من القرآن لا يرى إلا ظاهر الجدار , ولا يرى ما وراءه ! 

ونرى أن القرآن الكريم ليس فيه خصوص مطلق , وكل نص يبدو من ظاهره خصوص , فهو يحتوي عموم مطلق تحت هذا الخصوص الظاهر وفي أعماقه دلالات وإشارات وإيحاءات مطلقة عن الأشخاص  والزمان والمكان , ولكن يمكننا القول أن ذلك بعض من آثار الأساليب البيانية المتنوعة في القرآن الكريم , تفصيلاً للآيات وتصريفاً للقول من زوايا مختلفة وإطارات متنوعة , إثارة للعقول , وتبصرة للقلوب , وذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد  .


" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٤٠﴾"

يا أبناء النبي الكريم , ألا تذكرون نعمائي عليكم وعلى آباءكم من قبل , والبدء بحديث النعم له أثر بالغ على كل إنسان لم تزل فيه بقية  من روح الله تعالى ومحبته سبحانه , والعهد عام وخاص , العهد العام الذي كان من عموم البشر كأنفس مجردة , والعهد الخاص الذي كان من أهل الكتاب , وأسلوب المشاكلة في القران الكريم , له أثر بالغ على النفس , ولا تطيق العبارة وصفه , والإمساك ارجى للسلامة , وحسن مآب , يدعوهم رب العالمين سبحانه وهو الغني عنهم وعن العالمين للوفاء بالعهد والميثاق الذى اخذ عليهم , فسيجدوا الله تعالى تواباً رحيماً بهم , يقيل عثراتهم , ويكشف ضرهم , ويهدي قلوبهم للحق الذي تركوه منذ زمن بعيد , بل عادوه وابغضوه ! ,, 

وإلا تفعلوا فاحذروا بأسي وإنتقامي , ... وسبحان من هذا كلامه !  أسلوب يأخذ بتلبيب النفس أخذاً , ويحيط بالقلب من كل جهاته !

لين ورفق في بداية الحديث , وتذكير بالنعم  , والعهود والمواثيق , والمقايضة في الوفاء وصدق الوعد , فكأنهم ما أنصتوا وما اهتموا بهذا الخطاب القدسي ـ كعادتهم الذميمة  ـ فإذا بالخطاب يزمجر بهم  ويصفعهم بصوت عالي جليل ,له صدىً يتردد في ساحتهم المكانية والنفسية ,  يخلع القلوب اللاهية , ويبهت الأسماع الساهية  !  "  وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " 

          

وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗالِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١﴾

ثم نرى وتيرة الخطاب في تصاعد  مملوس , يأخذهم من حضيض الفسق والعصيان , إلي أفق الطاعة والإيمان بالله تعالي وبرسوله صلى الله عليه وسلم , يأمرهم بالإيمان بهذا القرآن الكريم , حيث أنه الفرصة الأخيرة للإٌيمان , فلا كتاب بعده من السماء , ولا رسول يأتي بعد هذا النبي الكريم عليه صلوات الله تعالى وسلامه , وقد جاء القرآن الكريم بتصديق الكتب والرسالات السابقة عليه , ويبطل ما افتراه المبطلون الضالون على رسالات الله تعالى ورسله عليهم صلوات الله تعالى وتسليمه , 

جاء القران الكريم مصدقاً ومهيمناَ وحاكماً على ما سبقه , وما يأتي بعده من عصور وأزمنة وأنس ٌ وجانٌ إلى يوم القيامة , أليس هو الخطاب الأخير من الله تعالى لكل المكلفين الممتحنين إلى يوم الدين , لذلك القران الكريم جمع كل العلوم والمعارف , والهداية والرشاد , والحكمة والسداد , بشيراً ونذيراً , وسراجاً منيراً , وشفاء ورحمة للمؤمنين به , الآميّن إلى رحابه , الطآئفين بمعانيه ودلالاته .

‏‏يقول ربنا تبارك وتعالى , يا من أنتم أهل كتاب منزل من السماء , من عند الله تبارك وتعالى , آمنوا بما نزل من عند الله تبارك وتعالى على خير الأنبياء وخاتم النبيين , النبي صلى الله عليه وسلم  , وقد كان أدعى بكم أن تكونوا أول المؤمنين به , المنافحين عنه ضد كل كفار عنيد , ألستم تزعمون الإيمان بالله وباليوم الآخر , وانكم خير الناس وأحبهم إلى الله تبارك وتعالى , فكيف بكم أن تكونوا أول الكافرين به ! ويلكم ...كيف تشترون الضلالة بالهدى , وتستبدلون الذى هو أدنى بالذي هو خير , و القرآن الكريم خير لكم مما سواه مما حرفتموه وزيفتموه ثم نسبتموه لله تبارك وتعالى , ولا تشتروا بكفركم بهذا القرآن الكريم ثمناً قليلاً ـ والدنيا كلها من أولها لأخرها ثمناً قليلاً ـ  فإن هذا القرآن الكريم  أعظم من كل حطام الدنيا الفانية , وهو حظكم من الله تبارك وتعالى , فإن أخذتموه بقوة أخذتم بالحظ الأوفر , وإن تركتموه خسرتم كل شيء , و الله تبارك وتعالى يعظكم لعلكم تذكرون , وتعلمون أنه تعالى شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهياه , فَمَنّ غيُر الله تبارك وتعالى ترهبون  وتجعلون له على أنفسكم ألف حساب وحساب , وختام الآية يزمجر بهم في نبرة عالية تلفح قلوبهم العاتية , وتصفع أحاسيسهم المتبلدة  , وقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.   

الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟

 

طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟
طريقة القرآن الكريم في القصص , وهل هناك تكرار وإعادة ؟


قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٣٨﴾

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿٣٩

لمن الخطاب هنا في الآية الكريمة, ولمن الهبوط؟ وليس هناك تكرار في القران الكريم بالمعنى الحرفي , وإنما مشاهد معادة من زوايا تصويرة مختلفة , تؤدى معنىً خاصاً بسياقه ,إضافةً إلى المعاني الأخرى في السياقات الأخرى , وهذا من إعجاز القرآن البياني , لا يقذف بالمعاني  والحكم والمواعظ جملة واحدةً , وينتهى من موضوع أو قضية ما  ,ليبدء في موضوع وقضية أخرى ... وهكذا ! 

إن القرآن لا يفعل ذلك , ولا يشبه ذلك , إنه ينثر المعاني والحكم المتعلقة بالقضية الواحدة عبر آياته المتفرقة في السور , تشويقاً وإثارة للحس , فتتنوع داخل السورة الواحدة الموضوعات والحكم والمواعظ , تنوع البستان بأزهاره , حمراء وصفراء تسر الناظرين , في نسيج ملتحم يتلألأ بنجوم تومض , كوميض النجوم في السماء , وكل ذلك تيسيراً للذكر , وتقريباً للفهم , وإحياءً للقلب , ومعراجاً للروح , وترويحاً للنفس , ... هكذا وقعها وحسها عند المؤمن , أما بليد الحس , بعيد الفهم , حطيط الهمة , سقيم القلب , ضعيف العقل  فيراها مكررة ومعادة ً بلا فائدةً , ويرها اختلافا وتناقضاً يشتت الفكر!   وسبحان الله العظيم " يهدي به كثير ويضل به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين "  ما نراه في الآية الكريمة أنه خطاب لنا جمعياً نحن البشر , وهذا الهبوط لابد منه لكل واحدٍ منا , فقد تم خلقنا جميعاً "كأنفس مصورة" مع خلق آدم عليه السلام , ومنذ ذلك الوقت ونحن في موات مؤقت أشبه بالحياة , فإذا جاءت لحظة البداية لبدء الامتحان , في ساحة الإبتلاء في عالم الحياة الدنيا , يأمر رب العزة والجلال تعالى النفس بالهبوط والتلبس بجسدها المعد لها لضرورة الإختبار , ثم يتفضل عليها المولى تعالى , بإعطائها الدفعة القوية الأخيرة في الإتجاه والطريق الممهد لها والمسخر بين يديها بأسبابه , وهذه الدفعة هي الروح العلوية الطاهرة الزكية التي تنفخ فيها , وهى الفطرة التي ينفطر كل الناس منها وعنها .

ثم ماذا بعد أن يملك الإنسان أمره , ويصبح قيما على نفسه بصيراً , يبدأ إمتحانه , ويجري عليه القلم بكل شيء , ولابد أن يختار بين سبيلين ومسارين إما شاكراً , وإما كافوراً .... القدر يحيط به , فأين المفر , لا وزر , إلى ربك يومئذ المستقر  , لا رجوع للوراء , فمحور الزمن يحملنا جميعاً اضطرار وقهراً إلى نقطة النهاية , لآبد من الإختيار , وأن تتحمل عاقبة القرار بنفسك , لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله , وجل الله تعالى أن يقذف بنا في أرحام إمهاتنا بعد الهبوط المقدر المحتوم , ثم  يتركنا هملاً بلا منهجٍ ولا دليل ,  ولكن الله أرحم بنا من أنفسنا بأنفسنا , فقد خاطبنا خطاباً مباشراً , في الزمن الماضي البعيد , بعد خلق أنفسنا وتصويرها , ووعظنا وذكرنا بحقيقتنا , وأخذ علينا الميثاق وأشهدنا على أنفسنا , واعترفنا  بعبوديتنا وفقرنا إليه , وربوبيته وقيوميته على كل شيء , وهذا الخطاب هو الذى أحيانا وأبقانا أحياء في عالمنا الأول المجرد  , وإن كنا من منظور الحياة الدنيا أموات ,   ثم منّ علينا مرة أخرى , فنفخ فينا من روحه , كدفعة قوية تغالب طغيان المادة , وتطفئ لهيبها , وأثر باقٍ فينا من أمر الله تعالى , نفيئ إليه كلما استزلنا الشيطان , ونأوي إليه إذا غابت شمس الدليل وجاء الليل البهيم ,... ثم تتابعت المننّ الربانية , وتسابقت إلينا العطاءات الرحمانية , فقد علم الله تعالى ضعفنا , فرحمنا وتفضل علينا بمنهج علوىٌ سماويٌ , منزه عن الأهواء , بل هو العصمة منها  , يفيض بالهدى فيضاً غامراً دفاقاً , يجمع شملنا فليس بعده إفتراقاً , يعلي شأننا ويرفع ذكرنا , فيا ويح من حرم , ويا سعد من ذاقا , يهدي للتي هي أقوم , ويحكم بالحق , ويقذف به الباطل فيندحر زهوقا , هو كلام الله تعالى الذى قامت به السموات والأرض , ومن خشيته اندكت الجبال وصارت ترابا, فيا ويح من أعرض عنه , كيف يرجوا سعادةً , كيف ينجوا من طغيانه , أم كيف يهتدي من يمشي مكباً على وجهه , فلا يزداد إلا احتراقا  ؟

كتاب الله تعالى المنزل , هو المنهج الأقوم , وهو الصراط المستقيم , من تبعه قاده إلى رضوان الله تعالى والجنة , حيث لا خوف عليهم من أي شيء , لا سقم , ولا موت ,. ولا فوت لكل ما تتمناه النفوس , ولا حزن فيها على شيء فات ومضى  , فهم في جنات النعيم , يتساءلون عن الكافرين المجرمين الذين كذبوا بالكتاب وبما أُرسل به المرسلون , هؤلاء الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة , بأعراضهم عن كتاب ربهم شريعة ومنهاجاً , وحكماً قيماً لا عوج فيه , يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم , فمن اتخذ آيات الله تعالى هزواً , كأن يعتقد أنه كتاب وعظ وإرشاد روحي فقط , ولا شأن له بتنظيم حياتنا الدنيا , كأفراد  أو جماعات  أو دول وشعوب , فهذا مكذب بآيات الله تعالى وهو من الكافرين , ,, ومن آمن ببعضه وحكم به , ثم كفر ببعضه فلم يحكم به , تحت أي دعوى , أو  أهواء ملتبسة بلباس العلم , كدعوى المنسوخ , أو التخصيص , أو التشابه , بلا دليل  أو برهان  ولا سلطان من الله تعالى , فهو أيضاً من المكذبين بآيات الله تعالى ومن الكافرين . وأبواب الكفر غير محصورة , لكن أصلها ومنبعها وجذرها هو التكذيب والجحود بآيات الله تعالى كلها أو بعضها , تحت أي دعوى أو مسميات ما أنزل الله بها من سلطان , ولا فرق بينهما إلا في درجة الكفر وزيادته .



يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ﴿٤٠  وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢﴾ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴿٤٣﴾ْ

إن عجلة التاريخ تأتي إلينا ـ عبر السورة الكريمة ـ بخطى سريعة ونقلة هائلة فوق محور الزمان الكوني , فقد بدأت السورة الكريمة التأريخ في الملاء الأعلى , عبر أحداث الخلق والتكوين , ثم نقلة آخري نوعية إلي خلق آدم عليه السلام , فتمهلت عجلة التاريخ قليلاً ـ من خلال السورة ـ عند هذه المرحلة , ثم انطلقت مسرعة تطوي الزمان طياً عبقرياً , تصور وتسجل كل تفاصيل التفاعل البشري مع الزمان والمكان وهدى الله تعالى , كل الحركات , كل الكلمات , بل كل الهماسات!  وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴿٥٢﴾ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴿٥٣﴾‏
والقرآن الكريم الذي يحمل عجلة التاريخ هذه , ويمسكها ويطلقها كيف يشاء تبعاً لضرورة العرض المخصوص من زوايا معينة , لمراحل زمانية ومكانية معينة , فهو يقلبها كيف يشاء في عرض تصويري ثلاثي الأبعاد , تبعاً للحكمة البالغة والقدرة المطلقة لله تعالى .

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام

 

الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام
الدروس المستفادة من قصة آدم عليه السلام


فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ

 وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ﴿٣٦

 وكان الهبوط المدوي , والسقوط المريع , بالأمر القدسي , وعالج آدم وزوجه مرارة الآسي , وامتلاء عن آخره بالحزن , وفاضت نفسه من الألم وبكى كثيراً كثيراً  على ذنبه يعتصره الندم , ولنا أن نتصور مدى إحساس آدم عليه السلام بالفجيعة والخجل من الله تعالى , وقد فقد الأنس الذى كان يشعر به في الجنة بقربه من مولاه , واستولى عليه الحزن , كيف كان ؟ ثم كيف هو الآن؟


فَتَلَقَّىٰٓءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾

ولولا أن تداركه ربه برحمته وعظيم فضله لهلك آدم أسفاً وحزناً على ما فرط في جوار ربه ومولاه , إن حزن آدم عليه السلام وآساه  لم يكن على فقد متاع الجنة الحسي من مطعم ومشرب سهل ميسور , معاذ الله أن تكون هذه همة من خلقه الله تعالى بيده , وكيف وقد أحسن الله تعالى إليه وكرمه ونشر فضله بين المقربين في الملاء الأعلى  , ولكن خجله من ربه ومولاه ,وكيف عصى أمره , في طاعة عدوه المطرود من رحمة الله تعالى , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى الحزن الذى ملكه وأسال دمعه منهمراً , أن فقد جوار ربه ومولاه تعالى , ففقد الأنس والسكينة التي كانت تحيط به وتغشاه , فقد النور الذى يجلله ويهدى خطاه , ألم يحرم من الخطاب , وسماع النداء القدسي إذ ناداه ! تالله لولا أن تداركته رحمة ربه ومولاه , لهلك آدم منذ أن وطأة الأرض قدماه , فيا ترى  ماذا كانت هذه  " الكلمات" القدسية التي انتشت آدم عليه السلام من همه وكربه الذى اجتواه  , لم يخبرنا السياق في الآية الكريمة بسرد هذه الكلمات , ولكن ... اليست هي من كلام رب العالمين ربه ومولاه , فهذا الذى شفاه وقد شرف على الموت حزناً , وهذه الكلمات صارت سلواه في وحشته تهدى في الأرض خطاه , والأنس الذى فقده , عاد إليه متشوقاً , تبرق أساريره , فقد تاب عليه مولاه واجتباه , وقد ملك آدم حبه , فكيف يطيق الحياة بغير كلمات الله ؟! 

وهذا هو الدرس الذى يقدمه القرآن لكل إنسان على وجه الحياة , من نعمة الطاعة والإجتباء , إلى ذل المعصية والخروج عن أمر الله تعالى حيث الهبوط المتحتم مكانةً وقدرا , وذلاً وانكسارا  , إلى ظلال التوبة وفيئها , وبرد الحياة بعد لهيبها , 

وهذه هي معجزات القصص القرآني , مشاهد حية تطرق الحس طرقاً ليستيقظ , وتجذب العقل بلطفٍ ليتدبر , وتأسر القلب ليرى العبرا , وتملك الوجدان ليمتلئ بهجةً وسروراَ .



الاثنين، 30 نوفمبر 2020

هل الجنة التي دخلها آدم عليه السلام هي جنة الآخرة ؟

 


هل الجنة التي دخلها آدم عليه السلام هي جنة الآخرة ؟
هل الجنة التي دخلها آدم عليه السلام هي جنة الآخرة ؟


وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٣٥﴾

فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ﴿٣٦﴾

فَتَلَقَّىٰٓءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾

نرى في الآية الكريمة رسم كلمة يا آدم قد دمج فيها حرف النداء, نفهم منها إشارة لسرعة السكن الذى دخل فيه آدم  , ثم تمة نعمت الله تعالى عليه وشملته رعاية الله تعالى وكلاءته , أن خلق له زوجاً من نفسه ومن جنسه ليسكن إليها وتسكن إليه , فآدم من خلق الله تعالى الذى يسري عليه ناموس الزوجية ولا ينفك عنه , فهو خلق ضعيف ناقص من جهات عدة , ولا تمام له ولا تستقر حياته  إلا بالسكن والإندماج بزوج من جنسه ونفس صفاته وأكثر منه ضعفاً ونقصاً , وليس ذلك تحقيراً لآدم عليه السلام ولا تنقصاً منه , ولكن الله تعالى خلق آدم في أحسن تقويم , وأبهى منظراً , وأحسن صورة ٍ , ولكنه أيضاً ضعيف البنية , رهيف الإحساس , طويل الأمل , له أعداء من خارجه , ومن داخل نفسه , فالضعف محيط بالإنسان , ولا ينفك عنه , لذلك فطر الله تعالى الإنسان على النزوع دوما للإقتران بزوجه والميل إلى النساء كزوجات يسكن لهن , ويأوي إليها من نصب الحياة الدنيا , وتعينه على بلواها , والميل الفطري للجماعة والإئتلاف مع بنى جنسه , وخلق الإنسان بهذا التكوين الضعيف هو مقتضى حكمة الله البالغة , ورحمة بهذا الإنسان المختبر , فهو ذو نوازع شتى وله رغبات وأشواق , وتسكنه الأهواء والشهوات , وهو في وسط ذلك كله يريد الخلاص , ومن بين ثنايا ضعفه يسمو للتمام , ونوازعه تدعوه للطغيان , وتنحو بنحو الربوبية , فلو لم يكن خلق الإنسان  ضعيفاً فقيراً في أصل تكوينه , لا ينفك عنه ذلك أبداً , وهو شاهد على ذلك , لطغى طغيناً كبيراً ولهلك هلاكاً محققا ً لا نجاة منه , وفق مجموع معطيات معادلة خلقه ونشأته والظروف المحيطة به في ساحة الإختبار .

والجنة التي دخلها آدم وزوجه ما هي إلا نموذج مصور من الجنة الحقيقة التي يدخلها المؤمنون في الدار الآخرة , وليست هي جنة الخلود , والفرق بينهما واضح وظاهر , ولا ينبغي الإختلاف عليه , فليس في جنة الخلود إختبار وابتلاء , وليس فيها كافر لعين مثل إبليس , وليس فيها ما يحرم أكله أو شربه , وليس فيها حزناً ولا أسف يصيب أهلها ,  وليس منها خروج أبداً , وهذا كله كان متحققاً في جنة الإختبار هذه التي سكنها آدم وزوجه .  وكان من حكمة الله تعالى البالغة , أن يكون الدرس العملي الأول , والموعظة البليغة , لآدم وزوجه في هذه الجنة "المصورة" من جنة الخلود ليكون الدرس بليغاً , مؤثرا ... فهو وزوجه منعمون مكرمون في هذه الجنة , ولكنه منهىٌ عن هذه الشجرة يحرم عليه مجرد الإقتراب أو اللمس وآدم عليه السلام ما زال بعد يكتشف نفسه , ومازال بعد يحاول أن يؤلف بين نوازعه ونفسه الأمارة بالسوء , وبين روحه الطاهرة المتألقة بجوار ربها ومليكها , ولكن الشيطان الخبيث لم يمهله حتى يملك آدم نفسه , ويسيطر على نوازعه , .. بل بادره الخبيث وهو يعلم حجم الفرصة السانحة له في هذه اللحظة , فآدم عليه السلام  في إرتباك نفسي  , وقد غلبت عليه غفلة عن عدوه اللدود نتيجة شغله بنفسه , والسياق القرآني المعجز , يجعلنا  أمام مشهد مصور كأننا نراه رؤى العين ثلاثي الأبعاد ,  البعد الحركي الظاهر , والبعد النفسي المتواري عنا , والبعد الزمني  , إن القرآن الكريم يصف لنا مجموعة مشاهد مصورة حية من زاويا تصويرية مختلفة , وأبعادها الثلاثية متكاملة , في كلمة واحدة "  فَأَزَلَّهُمَا" ! .... إن الدلالات والإيحاءات والإشارات التي تحملها هذه الكلمة المعجزة ., تمثل قصة كاملة , تامة العبرة , بالغة الحكمة , شاهدةً على ضعف الإنسان وتوقه للخلود , شاهدة على شدة العداوة والبغضاء من عدو الله تعالى إبليس لبني آدم أجمعين .   لم يتم نزول آدم بعد تكريمه وإظهار شرفه بين الملاء الأعلى الكريم , إلى الأرض مباشرةً , ليبدأ البلاء والإختبار , ولكن إقتضت رحمة ربه تبارك وتعالى وحكمته , أن يمر آدم وزجه بهذا الدرس العملي , والموعظة البالغة الأخيرة , قبل بدء الملحمة البشرية مع الأهواء والشهوات , والشيطان الرجيم وجنوده , إن الذى يدفع عربة أمامه في مسار لها ممهد , وهو يريد إن يطلقها بأقصى سرعة عنده حتى تصل إلى منتهاها ونقطة الوصول المرجوة , فهو يسعى بها أولاً ثم يزيد من سرعته تصاعدياً , ثم يدفعها دفعاً شديداً قبل أن يفلتها لتنطلق في مسارها الممهد لها , فهذا مثال نحاول من خلاله أن نقترب من فهم وتصور الحكمة البالغة من هذا التجربة والدرس الأخير لآدم وزجه , فهي كما ورد في المثال بمثابة الدفعة الأخيرة قبل الانطلاق في المسار الأرضي الممهد والمعد سلفاً كما بينا آنفاً .

ولما ذل آدم عليه السلام وزوجه بأكلهما من الشجرة, نالهما ذل المعصية , وأخرجهما  مما كانا فيه آثارها الوخيمة , وأحاطت بهما بعاقبتها , 

فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَ قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ﴿٣٦﴾

 وكان الهبوط المدوي , والسقوط المريع , بالأمر القدسي , وعالج آدم وزوجه مرارة الآسي , وامتلاء عن آخره بالحزن , وفاضت نفسه من الألم وبكى كثيراً كثيراً  على ذنبه يعتصره الندم , ولنا أن نتصور مدى إحساس آدم عليه السلام بالفجيعة والخجل من الله تعالى , وقد فقد الأنس الذى كان يشعر به في الجنة بقربه من مولاه , واستولى عليه الحزن , كيف كان ؟ ثم كيف هو الآن؟


فَتَلَقَّىٰٓءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾

ولولا أن تداركه ربه برحمته وعظيم فضله لهلك آدم أسفاً وحزناً على ما فرط في جوار ربه ومولاه , إن حزن آدم عليه السلام وآساه  لم يكن على فقد متاع الجنة الحسي من مطعم ومشرب سهل ميسور , معاذ الله أن تكون هذه همة من خلقه الله تعالى بيده , وكيف وقد أحسن الله تعالى إليه وكرمه ونشر فضله بين المقربين في الملاء الأعلى  , ولكن خجله من ربه ومولاه ,وكيف عصى أمره , في طاعة عدوه المطرود من رحمة الله تعالى , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى الحزن الذى ملكه وأسال دمعه منهمراً , أن فقد جوار ربه ومولاه تعالى , ففقد الأنس والسكينة التي كانت تحيط به وتغشاه , فقد النور الذى يجلله ويهدى خطاه , ألم يحرم من الخطاب , وسماع النداء القدسي إذ ناداه ! تالله لولا أن تداركته رحمة ربه ومولاه , لهلك آدم منذ أن وطأة الأرض قدماه , فيا ترى  ماذا كانت هذه  " الكلمات" القدسية التي انتشت آدم عليه السلام من همه وكربه الذى اجتواه  , لم يخبرنا السياق في الآية الكريمة بسرد هذه الكلمات , ولكن ... اليست هي من كلام رب العالمين ربه ومولاه , فهذا الذى شفاه وقد شرف على الموت حزناً , وهذه الكلمات صارت سلواه في وحشته تهدى في الأرض خطاه , والأنس الذى فقده , عاد إليه متشوقاً , تبرق أساريره , فقد تاب عليه مولاه واجتباه , وقد ملك آدم حبه , فكيف يطيق الحياة بغير كلمات الله ؟! 

وهذا هو الدرس الذى يقدمه القرآن لكل إنسان على وجه الحياة , من نعمة الطاعة والإجتباء , إلى ذل المعصية والخروج عن أمر الله تعالى حيث الهبوط المتحتم مكانةً وقدرا , وذلاً وانكسارا  , إلى ظلال التوبة وفيئها , وبرد الحياة بعد لهيبها , 

وهذه هي معجزات القصص القرآني , مشاهد حية تطرق الحس طرقاً ليستيقظ , وتجذب العقل بلطفٍ ليتدبر , وتأسر القلب ليرى العبرا , وتملك الوجدان ليمتلئ بهجةً وسروراَ .

ما هي الأسماء التي تعلمها ادم من ربه تعالى ؟

 

ما هي الأسماء التي تعلمها ادم من ربه تعالى ؟
ما هي الأسماء التي تعلمها ادم من ربه تعالى ؟  


        

وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِءُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿٣١﴾

يخبرنا رب العالمين تبارك وتعالى أنه علم آدم عليه السلام الأسماء كلها ... و هذا لعمرو الله مما لا تطيق الكلمات ولا العبارات وصفه ولا رسمه  فأي تكريم وتشريف وتفضيل لآدم ولذريته من بعده  أن يتولى رب العالمين جلاجلاله تعليم آدم بنفسه تعالى المقدسة , ولنا أن نتصور ما مدى سعادة آدم عليه السلام بهذا التعلم القدسي , وهذا الحضور في ساحة القدس , وهذا التلقي المباشر بغير سند ولا أي واسطة ,وقد كان من الممكن أن يبعث الله تعالى ملكاً من الملائكة الكرام مثل جيريل مثلاً عليه السلام ليعلم أدم عليه السلام ما شاء رب العزة سبحانه  ولكن الله تعالى أرد أن يشمل آدم وذريته بمزيد من التشريف والإنعام , بين الملاء الأعلى , فسبحان من أعطانا قبل أن نسأل ,  وكرمنا قبل أن نخلق خلقاً تاماً سوياً  , ولم نك قبل شيئاً .

والأسماء هنا تعنى ـ كما نفهم من الآية الكريمة ـ الأشياء وخواصها وحقائقها, والقوانين والنواميس التي تحكمها, والأسباب وعللها ونتائجها  وكل ما يحتاجه هو وذريته من علوم ومعارف تخص الجواهر والأعراض , ظهرها وباطنها , مما يمثل مؤهلات الخلافة في الأرض , وأساس للإمتحان والإختبار  الذى سيبدأ بعد قليل ,و يبدأ العد التنازلي للزمن الكوني الذى  يحتوى الحياة  البشرية  حتى  منتهاها يوم القيامة . والله تعالى قد خلق آدم معداً ليدرك الأسباب وعللها وجزئياتها , ثم ينطلق منها إلى النتائج  والحقائق الكلية , بناءً صاعداً متدرجاً  , يحمل أساس النهضة والعمران البشرى خلال المسار الزمني  , وهذا كله كان من الغيب الذى لم يطلع عليه أحد من قبل , وأختص المولى عزوجل به آدم عليه السلام , لذلك لما تم سؤال الملائكة الأطهار عن هذه الأسماء ـ وهى ما  سبق بيانه ـ كان السؤال بصيغة أنبئوني . وليس أخبروني , وهو طبعاً سؤال تعجيزي وليس إستفهامي   , وورد السؤال بهذه الصيغة  , يدل على أن هذه الأسماء كانت من الغيب الذى لم يكشفه الله تعالى لأحد قبل آدم عليه السلام  , لأن كلمة "أنبئوني " ـ حسب ورودها في القرآن ـ إقترنت بالأمور الغيبية , فهي من الجذر اللغوي " نبأ  " وكلمة النبي مشتقة منها , والنبي يخبر عن الله تعالى بالأمور الغيبية , وهو الواسطة بين الله تعالى وبين عباده , لذلك  قالت الملائكة  بصوت واحد بكل خشوع وإنكسار وضراعة , سبحانك  سبحانك ,    لا علم لنا مطلقاً  إلا ما علمتنا ,

 

قَالَ يَٰءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٣٣﴾وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِءَادَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَٰفِرِينَ﴿٣٤﴾

ثم جاء الأمر الإلهي  بعد  إحضار  آدم  لهذا الحضور من الملائكة  , لآدم أن يظهر  ما تعلمه من العلوم الزكية , التي تلقها مباشرة من رب البرية سبحانه , فانطلق آدم  يبين  لهم ما لم يكونوا يعلمون  , وكان  هذا  من  أول الدروس العملية لآدم عليه السلام ولذريته من بعده  , تبين فضل العلم وشرفه , إذ أمر من لا يرد  أمره , ولا معقب لحكمه , الملائكة الأطهار أن يسجدوا  لمن شرف وتزكى بالعلم , واعتلى مكاناً  عالياً , وقدراً رفيعاً  بالحكمة الموهوبة له من مولاه الحق  جل جلاله  , فسجدوا  ... هكذا بلا توانٍ ولا تأخر  , وما كان لهم غير ذلك , ولا يتأتى منهم إلا الطاعة المطلقة  .

لماذا أُمر الملائكة بالسجود لآدم , وما معنى حضور إبليس معهم  ؟

لكننا نملح شيئاً عجيباً في الآية الكريمة  , وهو حضور كائن من خلق الله تعالى لهذا المشهد مع الملائكة  , مع انه ليس منهم , إنه إبليس  ,ـ  ولم يكن إبليس يوما واحد من الملائكة ـ,  فهو من الجن الذين فسقوا عن أمر ربهم , والجن مخلوق من نار كما أخبرنا رب العزة تعالى , والذى يبدو لنا من خلال هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي تتناول هذا المشهد من جوانب متعددة  أن إبليس هو المقصود بالأساس من الأمر بالسجود لآدم عليه السلام ,وليس الملائكة الأطهار المقربون , لأنهم لا يعصون ربهم طرفة عين , ويفعلون ما يأمرون , ولكن لماذا تم إصدار الأمر القدسي للملائكة مع إبليس وهو المقصود أساساً بالأمر ؟

والذى يبدو لنا من ذلك والله تعالى أعلم , أنه تم إحضار إبليس لهذا الملاء من الملائكة الأطهار ومن ثم إصدار الأمر القدسي لكل الحضور , مع حضور آدم عليه السلام , حتى لا يكون لإبليس حجة في عصيانه وطغيانه ,لأن الملائكة الذين هم أفضل منه خلقاً وتكويناً وأجمل منه منظراً وتصويراً , وأقرب منه مكاناً وقدراً عند ذي العرش العظيم , وأقوى منه وأشد بأساً وتنكيلاً , سارعوا في تنفيذ الأمر بلا توانٍ , فهذا أدعى ليكون هو أسرع في الإستجابة والطاعة , أما ما هو وجه وجود إبليس في السماء مع الملائكة , وهو ليس منهم إطلاقاً , وإنما هو من الجن ؟ , فهذا ما لم تشير إليه الآية الكريمة , ولا الآيات الأخرى , وقد قيل في ذلك في كتب التفاسير أقوال مختلفة , ولكن لو كان هذا مهما لنا لبينه لنا رب العزة تبارك وتعالى , والأقوال المذكورة في التفاسير ليس عليها دليل , فالأولى بنا الإعراض عما أعرض عنه ربنا تبارك وتعالى ,ولا نقف ما ليس لنا به علم , ... ونرى أن الآية الكريمة مرت مروراً سريعا على مسألة عصيان إبليس وطغيانه وكفره وضلاله , والذى يبدو لنا من ذلك , أن المشهد هنا في الآية الكريمة , هو مشهد إظهار التكريم والتفضيل لأدم عليه السلام , والإحتفاء به  وسط هذا الجمع الكريم من المقربين , فهذا هو المقصود الأساسي من هذا المشهد القدسي , ولهذا لم يلتفت السياق الكريم  للآية لكفر إبليس وإبائه السجود  ومرت عليه سريعاً , وكأنه غير موجود أصلاً , تحقيراً له وتبيان هوان شأنه بين هذا الجمع الكريم , فلا عبرة به ولا كرامة , فليذهب إلى الجحيم غير مأسوف عليه وعلى أمثاله من الطغاة المجرمين من أتباعه إلى يوم الدين . وهذا من عجائب السياق القرآني وإعجازه المتعدد الوجوه والنظائر , إذ أننا لما عشنا مع الآية الكريمة في مشهد التكريم والإحتفاء بنا نحن البشر في صورة أبينا آدم عليه السلام , لا يخرج بنا السياق عن هذا الهدف , ولا يربكنا  في مفاجآت أخرى , ولا  يعرج بنا في آفاق غير أفقه المقصود أساسا , لذلك إبليس وطغيانه وعصيانه , يتوارى سريعا في السياق , ولا نكاد نشعر به , إلا لمحة خاطفة لا تؤثر على جلال المشهد القدسي وبهائه , فسبحان من هذا بيانه , فاللهم لك الحمد على هذا الإفضال والتكريم والإنعام علينا بلا أي سابقة عمل لنا ولا سؤال .

الأحد، 29 نوفمبر 2020

أين كنا قبل هذه الحياة الدنيا وكيف كنا ؟

 

أين كنا قبل هذه الحياة الدنيا وكيف كنا ؟
أين كنا قبل هذه الحياة الدنيا وكيف كنا ؟


كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴿٢٨﴾ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴿٢٩﴾

الرسم القرآني لكلمتي (أموتا فأحياكم )  له دلالة بعيدة المغزى , وإشارة لأمر قريب عند التدبر وإعمال الفكر , فنحن كنا أحياء في علم الله تعالى قبل أن يخلق السموات والأرض , منذ أن كتب الله تعالى كل شيء في أم الكتاب , ثم خلقنا الله تعالى نفوساً مجردة قبل أن يأمر الله تبارك وتعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام , وأخذنا منا الميثاق والعهد , ثم تم خلق آدم عليه السلام نفساً وجسداً ثم نفخ ربنا تبارك وتعالى فيه من روحه , ثم أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد تعليمه وإعداده لبدء التاريخ البشرى كله بعد ذلك على الأرض , .... الشاهد أننا كنا أحياءً في علم الله تعالى في الكتاب الأول , وكنا بعد خلق أنفسنا في حياة نفسية مجردة أشبه بالموت بالنسبة لحياتنا الدنيا , فنحن في هذه المرحلة قبل نزولنا ومجيئا إلى ساحة الإختبار ودار الإبتلاء , كنا أنفساً مجردة مصورة  ذات روح  , لذلك نحن ما نأتي للدنيا من العدم مباشرةً , , بل كل نفسٍ جاءت للدنيا هي مخلوقة في علم الله تعالى قبل أن يخلق السموات والأرض , ثم خلقت كنفس روحانية مجردة مصورة ,لأخذ العهد والميثاق  , إذاً نحن قبل مجيئنا للدنيا كنا في حياة تشبه الموت بمعنى أننا لم نكن عدماً محضاً , ولو كان موتاً كالذي نموته بعد حياتنا هذه لكان مسبوقاً بحياة كتلك التي نحياها , لذلك فكلمة أموتاً ورسمها يدل على هذا المعنى , فكلمة أمواتاً تعني أننا ما كنا في عدم قبل مجيئنا للدنيا , ورسمها يشير إلى أننا كنا أمواتاً من منظور الحياة الدنيا , ولكنه موتٌ أقرب للحياة من موتتنا الأولى بعد ذلك , لذلك فمن جاء للحياة الدنيا خلقاً وجوديا بجسده وروحه , ثم مات كما يموت الناس , يسميهم القرآن  ( موتى ) ومن كان من الأحياء بجسده ونفسه ولكن , فقد الروح الموهوبة له من الله تعالى , ومات قلبه , فهؤلاء يسميهم القرآن  (أَمْوَٰتً )  أيضاً لأنهم شبه موتى , وليس موتاً كاملاً , وعندما تخرج منهم نفوسهم يصبحون موتى .                          

وكلمة ( فأحياكم ) بهذا الرسم المتفرد  تؤكد على هذا المعنى , فنحن جئنا من موت ناقص ً وليس موت تاماً كاملاً وأحيانا ربنا تبارك وتعالى في الحياة الدنيا حياة مؤقتة ناقصة غير تامة لأن الموت يتبعها ويزيلها , فالقرآن يعبر عن هذه النقلة من العالم المجرد للنفس إلى الوجود المادي في الحياة الدنيا بهذا الرسم وقد زال من الكلمة حرف الألف , لأنها حياة دنيا , ولأنها ناقصة , ولأنها إلى فناء وزوال .

كما أنها جاءت بالفاء مما يدل على السرعة والتوالي , لأن العالم الذى كنا فيه أمواتاً ـ بمقياس الحياة الدنياـ شعورنا بالزمن محدود جداً , وربما لا ندركه أصلاً , والله تعالى أعلم .

 

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴿٢٨﴾

سبحان الله العظيم , سبحان من هذه كلامه , آية معجزة بكل المقاييس ـ وكل آيات القرآن كذلك ـ فإنها اختصرت حياة البشر وتاريخهم من أولهم حتي آخرهم في بضع كلمات يسيرة , من غير إخلال بمراحل الخلق والتكوين , مع الإشارة لكل مرحلة ـ من خلال المعنى والرسم ـ بما تختص به وتتميز , وتتابعها كما هي خلقاً وتكويناً حتى بداية العالم والكون الجديد في الآخرة , حيث الجزاء الأوفى ,والمصير لإحدى الدارين الجنة أو النار

والآية الكريمة تحمل استفهاما استنكاريا لازعاً ومفجعاً , كيف تكفرون بالله جل جلاله أيها الناس , ولم تكونوا شيئاً مذكورا , ثم منّ الله تعالى عليكم فذكركم فنلتم الشرف الأسمى , وسبقتم سبقاً بعيداً إذ نسبكم إليه سبحانه وتعالى وقال عز من قائل :يا عبادي , وقال سبحانه : يا أيها الناس , وكرمكم وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً , وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعا ً منه , ولم يهملكم ولم يتركم سدى في العمى والضلالات نهبة ولقطاء للشيطان وجنوده من الجن والأنس , بل أرسل اليكم رسلاً منكم مبشرين ومنذرين , وأنزل معهم الكتاب بالحق والميزان , لتقوم حياتكم الدنيا بالقسط , وبين لكم الآيات وفصل لكم , وضرب الأمثال , ودلكم على كل خير , ونهاكم عن كل شر , وأقام الحجج , وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون , ورزقكم من الطيبات , وأمهلكم في العمر ليتذكر من تذكر , وقد حذركم بطشه وانتقامه ممن عانده واستكبر , وخوفكم من يوم الوعيد , يوم تعودون إليه بلا حول ولا قوة , ولا ولي ولا نصير إلا من أتاه بقلب سليم , وعمل عملاً صالحا سديداً خالصا لوجهه الكريم .  


هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴿٢٩﴾

الآية الكريمة تشير إلى أن تمام خلق الأرض كلها , وما فيها وما عليها , كل ذلك تم  قبل تسوية السموات السبع بزمن بعيد , لأن ( ثم) هنا التي تفصل ما بين إنهاء كل ما يخص الأرض وتمام خلقها بما فيها وما عليها , وبين تسوية السموات سبعاً , تعنى زمناً طويلاً , لأن المتحدث هنا هو الخالق العظيم جل جلاله , وإن من نعم الله تعالى علينا ورحمته أن أخبرنا بهذا التاريخ العريق للكون , وكيف كانت مراحل الخلق , والتكوين  ورسمت كلمتا فَسَوَّاهُنَّ  و سَمَاوَاتٍ  برسم قرآني فريد , , والرسم القرآني له إشارات ومغزى ودلالات عميقة , لا تُكشف إلا للمتدبرين , كلٌ حسب إقباله وطهارته , وفضل الله تعالى قبل كل ذلك , وفوق كل ذلك , والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم , والسماء في أول خلقها كانت رتقاً واحداً , ولما تم تمهيد الأرض وإعداداها لهذا الكائن الجديد " الإنسان" وتزينها بالزينة المناسبة للإمتحان والإختبار , وهى بمثابة القاعدة والأساس للعالم العلوى , وهى البيت الكوني للعامر الجديد " الإنسان"  والبيت لابد له من سقف يتناسب معه طولاً وعرضاَ وارتفاعا ,  وكذلك كان فتم  تسوية السقف لهذا البيت الكوني العظيم , كان السقف في البداية سقفاً واحداً مسمطاً , ثم تم فتقها وتسويتها سبع طبقات على مسافات متساوية من بعضها البعض , وبميزان دقيق , وإحكام وإتقان وجمال ورعة وبهاء كما يليق بالخالق العظيم سبحانه جلت قدرته , ووفق حكمته , وبمقتضى علمه المحيط بكل شيء , ورغم كل هذا الخلق الهائل البديع , فهو سبحانه اقرب إلينا من حبل الوريد , 

    

وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ  أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠

بعد إتمام خلق الأرض وإعدادها , ثم تسوية سقفها الكوني كما أشاره الآية السابقة , لم يبقى إلا خلق الكائن الخليفة الذى تم خلق عالمه وكونه وتجهيزه وإعداده له على أحسن ما يكون , صنع الله الذى أتقن كل شيء , ولكن الله تعالى لم يخلق أدم الخليفة وأبا الخلفاء كما خلق المكونات والموجودات بكلمة" كن" , ولكن الله تبارك اسمه وتعالى جده , أراد تشريف وتكريم هذا الخلق الجديد , فخلقه خلقاً خاصاً يدل على العناية والرحمة الكاملة , وأحاطه بالفضل والتخصيص , منذ توجهت إرادته سبحانه لخلقه وتكوينه , فجاء المخلوق الجديد في أحسن تقويم , وأبهى صورة , وأبدع تكوين , في غاية التناسق , وأفضل التقاسيم  , معتدل الخلق ليس فيه عيب ولا تشويه , وفطره الخالق العظيم سبحانه على محبته والخضوع له والإقرار بربوبيته , وأن إليه المصير , وزوده بالعلوم والفضائل والعقل السديد , كل ذلك ليعرف فضل ربه سبحانه ويتعرف عليه , ويعبده وحده بلا شريك ولا نديد , وأسبغ عليه نعمه وفضله , وأحاطه بالحفظ والتأييد , ووكل به ملائكته تقوم على رعايته وتسهيل أمره بلا كلل ولا تفريط , وفتح له أبواب التوبة من كل ذنب , وضاعف له الحسنات بأضعافٍ , ووعده بالمزيد , فسبحان الله تبارك وتعالى العظيم , كيف ينسى فضله ؟ّ!  كيف ينسى ذكره ؟! كيف يشرك به من ليس له شريك ولم تكن له صاحبةً وليس له وليد؟!..... ثم بعد هذا التكريم في الخلق والتكوين , أراد المنعم سبحانه إظهار علو قدره , ونشر فضله في الملاء الأعلى بين الملائكة المقربين  , أولئك الأطهار الأبرار , والجند المجندين لله رب العالمين , خاطبهم الله تعالى خطاب الرحمن الرحيم , خطاباً قدسياً , لمن هم في عبادته آبدين  , ويبدو أن الملائكة الأطهار كانوا في شوقٍ لمعرفة من هو صاحب هذا الفضل والتكريم , ليكون خليفة في الأرض لله رب العالمين , فلما علموا أنه خلقاً من غيرهم , أخذتهم دهشة الفوت , وفجاءتهم غيرة الحرمان , من هذا الفضل والتكريم , وهم من الفضل بمكان , ولكنهم أردوا المزيد , فأظهروا العجب والدهشة قولاً , كيف ليس منا نحن عبيدك الآبدون ؟! إذاً سيكون من المفسدين الضالين, ويتنافسون فيها على الدنيا الفانية متهالكين في سفك الدماء على حطامها غير منتهين ؟!   

قال الرب الخالق العظيم قولا قدسياً جزلاً فاصلاً يختم المشهد القدسي , وينهي جولة الحوار الرحماني , أنه العليم بكل شيء  , سبحانه ليس له مثيل ,والملائكة قد عزرهم مولاهم الحق , إذ تكلموا بقدر علمهم , وما قصروا في بيان شفقتهم على بني أدم , وحرصهم على كل ما يرضي مليكهم ومولاهم الحق , وتنزيهه سبحانه عن هذا الشرك والإفك المبين , والفساد العريض , الذى يترتب على استخلاف هذا الكائن الجديد . 

وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِءُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿٣١﴾ قَالُوا سُبْحَٰنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٣٢﴾ قَالَ يَٰءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٣٣﴾ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِءَادَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَٰفِرِينَ﴿٣٤﴾

نحن الآن في مشهد جديد من سلسلة مشاهد بدء الخلق والتكوين , وكلها تدور في الملاء الأعلى القدسي , فبعد خلق الكون المؤقت بأجل مسمى ـ الأرض بما فيها والسماء سقفها وزينها , ثم خلق آدم عليه السلام  وذريته ـ كأنفس ـ وهو الساكن والمختبر في هذه الأرض الجديدة  , ولكن قبل بدء الاختبار , وبدء العد التنازلي  وإطلاق آلة الزمن لتحتوي وتحيط بالحياة البشرية بين السماء والأرض , كان لابد من تزويد البشرية  بكل المعلومات الضرورية اللازمة لحياتهم ومعاشهم  ومعادهم الذي يصيرون إليه , وهذه هي العلوم والمعارف التي تم تلقينها لآدم عليه السلام , وبالتالي أصبحت هذه المعارف كامنةً في بنيه بالقوة والإمكان , ثم تظهر هذه المعارف والعلوم على مدار التقدم البشري على محور الزمان والمكان , وهذا من تمام وكمال وعظيم فضل الله تعالى على الناس , فكل المعارف والعلوم التي ظهرت وتفيأ بظلالها الناس وتمتعوا بآثارها وتنعموا , ليست من خلقهم ولا من بنات أفكارهم وإختراعهم ,  وإنما هي علوم ومعارف جعلها رب العالمين تبارك وتعالى كامنة في أصل تكوينهم الفطري , وأساس بنائهم  العقلي , وهذا التيه والزهو الذى تحياه البشرية في هذه القرون الأخيرة من عمرها الذى قارب النهاية , بسبب تقدم العلوم والمعارف وما يسمى بثورة المعلومات والتكنولوجيا , والذى أدى بكثير منهم للكفر والإلحاد , وانتشرت فيهم مذاهبه وفنونه ومجونه , بسبب ظنهم الفاسد ومعتقدهم الباطل أن ذلك ليس عطاء ومحض فضل من الله تبارك وتعالى , وإنما من خلقهم وإختراعهم المحض , وهذا هو غاية الكفر والجحود الذى دعاهم إليه" شياطين ألأنس والجن , يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه ,فذرهم وما يفترون " كما قال ربنا تبارك وتعالى , ولكن المؤمنين الصادقين من عباد الله تعالى لا يستخفهم ولا يستزلهم , شيء  مما يرون من تقدم حضاري وعمراني , لأنهم يعلمون أن كل ذلك بقدر مسبق , ومحض فضل من مولاهم الحق , وأن كل العلوم والمعارف الظاهرة والباطنة ليس لها إلا مصدر واحد وهو الله رب العالمين , لأننا نفهم من هذه الآية الكريمة أن آدم عليه السلام في هذا المشهد  إنما يمثل البشرية كلها , في التكليف والتشريف والعطاءات الربوبية , فآدم عليه من الله تعالى السلام هو أصل الصلب البشري الممتد عبر الزمان والمكان كمحور لحياة ذريته وأبنائه , وهذا الصلب الممتد تتناسل منه البشرية , وهو الحامل لكل البيانات والشيفرات الوراثية , كما يحمل المسار الإرتقائي للعقل البشري وأطواره.


هل الحياء صفة من صفات الله تعالى؟

 



إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَٰسِقِينَ﴿٢٦﴾ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّـهِ مِن  بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٢٧﴾

الحياء من شمائل الفضائل وكريم الأخلاق  , وهو من صميم الفطرة وقرين الإيمان , ومشتق من الحياة , ومؤشر صادق وصحيح للرصيد الروحي عند الإنسان , لذلك أكثر الناس حياءً هم الأنبياء والرسل , كما ورد في القرآن الكريم عن حياء النبي صلى الله عليه وسلم ( ....  إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ  ....) الآية 53 الأحزاب 

  ثم الصالحون  الأمثل فالأمثل , حتى لا يبقي منه شيئاً عند من لا رصيد روحي وإيماني عندهم وهم المشركين , والشرك نجاسة معنوية قلبية ,  وموات نفسي  , وخواء روحي  , فمن أين يأتيهم الحياء ولذلك القرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة قائلاً : "  الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾"

فهذا في حقنا نحن البشر , لأننا ناقصون وخاطئون ولنا عورات حسية ومعنوية , فالحياء لنا زينةً وستر وفضيلة  , أما بالنسبة لله جل في علاه , فتعالى ربنا وتقدس عن ذلك كله  , لذلك الحياء – بهذا المعني - ليس من صفات الله تعالى ولا من أفعاله , وأسماء الله تعالى وصفاته لا نتلقها إلا من القرآن الكريم  حصراً  , فالذات الإلاهية وصفاتها  , لا نتلقى عنها خبراً ولا وصفاً , ولا إثباتاً ونفياً إلا بهذا السند الزكي الشريف العالي , النبي صلى الله عليه وسلم  عن جبريل عليه السلام عن رب العزة ذي الجلال والإكرام , وهذه السند متنه القرآن وحمله إلينا , ليس بيننا وبين رب العزة تبارك وتعالى إلا رسولين من أفضل الرسل البشريين والملائكيين  , وتولى ربنا تبارك وتعالى بنفسه المقدسة حفظ هذا المتن الشريف العظيم  , فهو لا يأتيه الباطل من أي ناحية  , ولا ريب فيه أنه كلام رب العالمين , أنزله بعلمه وبالحق المبين , والقرآن ينفي عن رب العالمين تبارك وتعالى,  الحياء بهذا المعنى المعروف عندنا , وليس معنى ذلك أنه تعالى مادام  لا يوصف بالحياء  أنه موصوف بضدّه  تعالى ربنا عن ذلك , لأن الحياء وضده لا يليق ولا يصح في حق الله تبارك وتعالى ,   والمعنى في الآية الكريمة  , أن الله تبارك وتعالى  يصرّف ويبين – يضرب _ الأمثال _ وهى الأشباه والنظائر_  في القرآن الكريم  , بقدر حاجة الناس لذلك  , ويجعلها كنزاً ونبعاً فيضاً  بالعلوم والحكم والفوائد إلى يوم القيامة  , فالمثل سواء كان ببعوضة –وهي من الهوان بمكان -  أو بما هو أكبر من ذلك وأرقى في الخلق والتقدير , فإن حكمة الأمثال القرآنية وقيمتها العلمية والتربوية لا تنقص ولا تتردى عن  سموها وجلالها وإمتداد آثارها النفسية والعقلية في هداية من شاء الله تعالى لهم الإهتداء  بها وبسببها , فالبعوضة وما تحتها حتى الذرة  وما فوقها حتى العرش واللوح  , كلها من خلق الله تعالى وله تدين بالوحدانية , في الربوبية والألوهية , والأسماء والصفات  , طوعاً وكرهاً , فلا فرق بالنسبة لله تعالى في سوق المثل وكشف المعاني والدلالات والعبر , ببعوضة مرة , وبعنكبوت مرة , وبرجل , وامرأة ,  في مرات آخري  , فإن الله تعالى يسوق ويضرب الأمثال بما شاء وكيف شاء , ويصرفها كيف يشاء , ويهدى بها من يشاء , ويجعلها سبب في ضلال من يشاء من عباده , كل ذلك تبعاً للحكمة البالغة , والقدرة الكاملة , والعلم الشامل المحيط .والأمثال في القرآن  الكريم لها شأن عظيم , وإهتمام القرآن بها وتكراراها في مواضع كثيرة منه يدل على ذلك , ولأنها من مفاتيح العلوم  , وأبواب للمعارف , وبهجة للناظرين في كتاب الله تعالى , وتحدى قائم للأولين والآخرين , فإن فهمها وإستخراج العبر منها , وقفاً على المتدبرين ذوى العلم والعقل السديد , الذين علموا وأيقنوا أنه من عند الله تعالى صدقاً وعدلاً , لا ريب فيه وبه إهتدوا  وفيه حياتهم وسلواهم  , وبلاغهم إلى مولاهم  الحق , فلا إله  إلا الله , ما طابت  الدنيا إلا بالقرآن وما أطقنا العيش فيها لولا القرآن , ولولاه ما زكى منا أحد ولا بلغنا ولا كنا شيئاً مذكوراً , فلا إله إلا الله  فكيف  لنا أن نوفى نعمة القرآن حقها وشكرها  , اللهم عفوك وغفرانك , ورحمتك بنا وقد أحاط بنا العجز و التقصير والتفريط , ولا ملاذ لنا ولا ملجأ  إلا إليك .

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَٰسِقِينَ﴿٢٦﴾ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّـهِ مِن  بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَٰسِرُونَ ﴿٢٧﴾

  الآية الكريمة تكشف لنا بجلاء إنقسام الناس في مرآة القرآن الكريم إلى قسمين  , مؤمن به ,وكافر به , وذلك من خلال استقبال الفريقين  للقرآن الكريم , وما فيه من منهج قويم  ونهى عن كل ذميم , فمن آمن به كلٌ من عند الله , وتبعه واحتكم إليه  وخضع له ولم يتقدم بين  يديه بمنهج آخر , ولا بحكم آخر , ولا برئ  ولا اجتهاد  , فهذا هو المؤمن في حكم الله تعالى  وله البشرى وحسن مآب , والعكس  بالعكس , فمن تلقى القرآن بشك أو رد  أو تردد في تحكيمه في كل شأن وأمر , أو قدم عليه غيره أياً كان هو , أو يزعم أنه غير كافٍ بنفسه  لكل ما يعنينا من أمور الدنيا والدين , وبالتالي  يحتاج إلى غيره , للتتم  حجته على العالمين  , ويبلغ سلطانه الأولين والآخرين , فهو فاسقٌ كافرٌ مبين , فهؤلاء بينهم وبين القرآن حجاباً مستوراً  وهو عليهم عمى , وعن الصراط ناكبون , لا يفقهون منه شيئاً ولا يسمعون ولا يعقلون , ولقد أسمعهم الله تعالى كلامه , فتولوا وهم معرضون عنه منهاجاً وحكماً عربياً قيماً , فحرموا من وروده والسقيا من شرابه , وطُردوا من جنته ورياضه , وهبطوا من سمائه وعليائه وصحبة أهله وأولياءه , إلى واد سحيق مظلم في أسفل سافلين , ترتاع فيه الشياطين وكل أفاك أثيم  الذى كان يسمع آيات الله تتلى ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها , كأن في أذنيه وقراُ , فهو في العذاب الأليم , وحسبنا الله ونعم الوكيل , نلوذ به ونلجأ إليه ونستغيث به ونتضرع أليه من هذا الحال وذلك المصير .

والرسم القرآني الفريد يرسم هذا المعنى السابق بيانه  - وما خفى  عنا  من المعاني والدلالات أعظم وأكثر وأجل – في كلماته  , فنرى كلمة الفاسقين بغير ألف مرسومة ,ونرها إشارة إلى سرعتهم وتهوكهم في الغواية والضلال والصد عن سبيل الله تعالى , رغم  أن الهداية بين أيدهم , والقرآن يتلى عليهم يناديهم ويفتح لهم أبواب التوبة ويزكيهم , فأبوا إلا الإعراض والنكران , فعاملهم الله تعالى بما يستحقون , جزاءً وافقاً , كما يشير رسم الكلمة  لسفاهتهم وحقارة شأنهم عند الله تبارك وتعالى , فهو تعالى لا يبالى بهم , ولا يعجزونه  , وهو غنى عنهم وعن العالمين , كما نراها إشارة إلى عجيب أمرهم , وإختلال موازينهم , وفساد طريقتهم , إذ كيف يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير  , واعرضوا عن كتاب ربهم وهديه  , وذهبوا في كل طريق بددا يرجون الهدى من غير منبعه , , فنقضوا العهد مع الله تعالى , الذى واثقهم به , واشهدهم على أنفسهم  , فأقروا بالعبودية له والإفتقار إليه , ثم هم يصدفون عن منهجه وهديه المنزل , وشرعه المحكم  , إلى زبالة العقول , وكُناسة الآراء والتصورات والشرائع الوضعية ,فقطعوا أنفسهم عن كل سبب للهدى وكل طريق للنجاة  , وكل فرصة للتوبة والإنابة , وقطعوا الطريق بيهم وبين  فطرتهم, وقطعوا كل أسباب الخير والبركة عن أنفسهم بسبب فسقهم ونقضهم ميثاق ربهم , فلإيمان والعلم الصالح , يصل العبد بخالقه سبحانه ويفتح الطريق  أمام فطرته لتعمل في الإتجاه الصحيح لتتوافق مع فطرة الكون , فيتصل بالأسباب الكونية للبركة والنماء والخيرات الظاهرة والباطنة , والعكس بالعكس  فالكفران والذنوب والآثام , تفسد الحرث والنسل , في البر والبحر . 

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٩٦﴾ الإعراف

ولأن خسارة الفاسقين الذين نقضوا العهد مع الله تعالى , واتجهوا بالأسباب المسخرة لهم , إلى ما تمليه عليهم أهوائهم وأغراضهم العاجلة القريبة , لأن خسارتهم خسارة جسيمة وحقيقةً لا ريب فيها , وواقعة حالاً وماءلاً , ما داموا ناكبون عن الصراط , جاءت جملة (أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَٰسِرُونَ) بهذه الصياغة وهذا الرسم لكلمة خاسرون لتدل على هذا المعنى ,ولتدل على عدم شعورهم بهذا الخسران المبين الفادح الذى لم يبق لهم أهلاً ولا نفسا يوم القيامة , رغم تمتعهم بملذات الدنيا الفانية , التي نقضوا العهد من أجلها وبسببها ! فهم ساعون في الخسران ليلاً ونهاراَ , وبكل جهدهم والأسباب المتاحة المسخرة لهم !


لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة