ما هي الأسماء التي تعلمها ادم من ربه تعالى ؟ |
وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِءُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿٣١﴾
يخبرنا رب العالمين تبارك وتعالى أنه علم آدم عليه السلام الأسماء كلها ... و هذا لعمرو الله مما لا تطيق الكلمات ولا العبارات وصفه ولا رسمه فأي تكريم وتشريف وتفضيل لآدم ولذريته من بعده أن يتولى رب العالمين جلاجلاله تعليم آدم بنفسه تعالى المقدسة , ولنا أن نتصور ما مدى سعادة آدم عليه السلام بهذا التعلم القدسي , وهذا الحضور في ساحة القدس , وهذا التلقي المباشر بغير سند ولا أي واسطة ,وقد كان من الممكن أن يبعث الله تعالى ملكاً من الملائكة الكرام مثل جيريل مثلاً عليه السلام ليعلم أدم عليه السلام ما شاء رب العزة سبحانه ولكن الله تعالى أرد أن يشمل آدم وذريته بمزيد من التشريف والإنعام , بين الملاء الأعلى , فسبحان من أعطانا قبل أن نسأل , وكرمنا قبل أن نخلق خلقاً تاماً سوياً , ولم نك قبل شيئاً .
والأسماء هنا تعنى ـ كما نفهم من الآية الكريمة ـ الأشياء وخواصها وحقائقها, والقوانين والنواميس التي تحكمها, والأسباب وعللها ونتائجها وكل ما يحتاجه هو وذريته من علوم ومعارف تخص الجواهر والأعراض , ظهرها وباطنها , مما يمثل مؤهلات الخلافة في الأرض , وأساس للإمتحان والإختبار الذى سيبدأ بعد قليل ,و يبدأ العد التنازلي للزمن الكوني الذى يحتوى الحياة البشرية حتى منتهاها يوم القيامة . والله تعالى قد خلق آدم معداً ليدرك الأسباب وعللها وجزئياتها , ثم ينطلق منها إلى النتائج والحقائق الكلية , بناءً صاعداً متدرجاً , يحمل أساس النهضة والعمران البشرى خلال المسار الزمني , وهذا كله كان من الغيب الذى لم يطلع عليه أحد من قبل , وأختص المولى عزوجل به آدم عليه السلام , لذلك لما تم سؤال الملائكة الأطهار عن هذه الأسماء ـ وهى ما سبق بيانه ـ كان السؤال بصيغة أنبئوني . وليس أخبروني , وهو طبعاً سؤال تعجيزي وليس إستفهامي , وورد السؤال بهذه الصيغة , يدل على أن هذه الأسماء كانت من الغيب الذى لم يكشفه الله تعالى لأحد قبل آدم عليه السلام , لأن كلمة "أنبئوني " ـ حسب ورودها في القرآن ـ إقترنت بالأمور الغيبية , فهي من الجذر اللغوي " نبأ " وكلمة النبي مشتقة منها , والنبي يخبر عن الله تعالى بالأمور الغيبية , وهو الواسطة بين الله تعالى وبين عباده , لذلك قالت الملائكة بصوت واحد بكل خشوع وإنكسار وضراعة , سبحانك سبحانك , لا علم لنا مطلقاً إلا ما علمتنا ,
قَالَ يَٰءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٣٣﴾وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِءَادَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَٰفِرِينَ﴿٣٤﴾
ثم جاء الأمر الإلهي بعد إحضار آدم لهذا الحضور من الملائكة , لآدم أن يظهر ما تعلمه من العلوم الزكية , التي تلقها مباشرة من رب البرية سبحانه , فانطلق آدم يبين لهم ما لم يكونوا يعلمون , وكان هذا من أول الدروس العملية لآدم عليه السلام ولذريته من بعده , تبين فضل العلم وشرفه , إذ أمر من لا يرد أمره , ولا معقب لحكمه , الملائكة الأطهار أن يسجدوا لمن شرف وتزكى بالعلم , واعتلى مكاناً عالياً , وقدراً رفيعاً بالحكمة الموهوبة له من مولاه الحق جل جلاله , فسجدوا ... هكذا بلا توانٍ ولا تأخر , وما كان لهم غير ذلك , ولا يتأتى منهم إلا الطاعة المطلقة .
لماذا أُمر الملائكة بالسجود لآدم , وما معنى حضور إبليس معهم ؟
لكننا نملح شيئاً عجيباً في الآية الكريمة , وهو حضور كائن من خلق الله تعالى لهذا المشهد مع الملائكة , مع انه ليس منهم , إنه إبليس ,ـ ولم يكن إبليس يوما واحد من الملائكة ـ, فهو من الجن الذين فسقوا عن أمر ربهم , والجن مخلوق من نار كما أخبرنا رب العزة تعالى , والذى يبدو لنا من خلال هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي تتناول هذا المشهد من جوانب متعددة أن إبليس هو المقصود بالأساس من الأمر بالسجود لآدم عليه السلام ,وليس الملائكة الأطهار المقربون , لأنهم لا يعصون ربهم طرفة عين , ويفعلون ما يأمرون , ولكن لماذا تم إصدار الأمر القدسي للملائكة مع إبليس وهو المقصود أساساً بالأمر ؟
والذى يبدو لنا من ذلك والله تعالى أعلم , أنه تم إحضار إبليس لهذا الملاء من الملائكة الأطهار ومن ثم إصدار الأمر القدسي لكل الحضور , مع حضور آدم عليه السلام , حتى لا يكون لإبليس حجة في عصيانه وطغيانه ,لأن الملائكة الذين هم أفضل منه خلقاً وتكويناً وأجمل منه منظراً وتصويراً , وأقرب منه مكاناً وقدراً عند ذي العرش العظيم , وأقوى منه وأشد بأساً وتنكيلاً , سارعوا في تنفيذ الأمر بلا توانٍ , فهذا أدعى ليكون هو أسرع في الإستجابة والطاعة , أما ما هو وجه وجود إبليس في السماء مع الملائكة , وهو ليس منهم إطلاقاً , وإنما هو من الجن ؟ , فهذا ما لم تشير إليه الآية الكريمة , ولا الآيات الأخرى , وقد قيل في ذلك في كتب التفاسير أقوال مختلفة , ولكن لو كان هذا مهما لنا لبينه لنا رب العزة تبارك وتعالى , والأقوال المذكورة في التفاسير ليس عليها دليل , فالأولى بنا الإعراض عما أعرض عنه ربنا تبارك وتعالى ,ولا نقف ما ليس لنا به علم , ... ونرى أن الآية الكريمة مرت مروراً سريعا على مسألة عصيان إبليس وطغيانه وكفره وضلاله , والذى يبدو لنا من ذلك , أن المشهد هنا في الآية الكريمة , هو مشهد إظهار التكريم والتفضيل لأدم عليه السلام , والإحتفاء به وسط هذا الجمع الكريم من المقربين , فهذا هو المقصود الأساسي من هذا المشهد القدسي , ولهذا لم يلتفت السياق الكريم للآية لكفر إبليس وإبائه السجود ومرت عليه سريعاً , وكأنه غير موجود أصلاً , تحقيراً له وتبيان هوان شأنه بين هذا الجمع الكريم , فلا عبرة به ولا كرامة , فليذهب إلى الجحيم غير مأسوف عليه وعلى أمثاله من الطغاة المجرمين من أتباعه إلى يوم الدين . وهذا من عجائب السياق القرآني وإعجازه المتعدد الوجوه والنظائر , إذ أننا لما عشنا مع الآية الكريمة في مشهد التكريم والإحتفاء بنا نحن البشر في صورة أبينا آدم عليه السلام , لا يخرج بنا السياق عن هذا الهدف , ولا يربكنا في مفاجآت أخرى , ولا يعرج بنا في آفاق غير أفقه المقصود أساسا , لذلك إبليس وطغيانه وعصيانه , يتوارى سريعا في السياق , ولا نكاد نشعر به , إلا لمحة خاطفة لا تؤثر على جلال المشهد القدسي وبهائه , فسبحان من هذا بيانه , فاللهم لك الحمد على هذا الإفضال والتكريم والإنعام علينا بلا أي سابقة عمل لنا ولا سؤال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق