بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 نوفمبر 2020

هل للإنسان إرادة في الكفر والإيمان أم هو مجبور على ذلك؟

 



إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦

الآية جاءت بصيغة التأبيد حيث لا تنفعهم النذر فجعلت بعض المفسرين يقولون ويجنحون إلى عقيدة الجبرية  وأن الذين كتب الله تعالى عليهم الكفر وقدر ذلك عليهم بلا عمل لا يؤمنون , ولا شك ان الله تعالى علم كل شيء أزلا وكتب كل ذلك عنده وقدر كل شيء تقديرا  ولكن ذلك لا يتعارض مع حرية الإرادة الإنسانية التي منحها الله تعالى له ليختبره ويبتليه  إما شاكرا وإما كافورا ولكن الحق أن الذين علم الله تعالى بعلمه الأزلي أنهم سيكفرون بإختيارهم ومحض إراداتهم رغم النذر والبينات فهؤلاء لن يأمنوا أبداً وهذا الختم على قلوبهم وأسماعهم هو نتيجة إصرارهم على الكفر وجزاء في نفس الوقت  حتى ماتوا عليه  , ولكننا نرى في نفس الوقت أن هذه الآية بدأت بهذه الصياغة لتؤكد أن الذين تتحدث عنهم على النقيض تماما مع السابق ذكرهم في الآيات الخمس الأولى من السورة الكريمة فهي تؤكد على الإنفصال التام والمباينة عن المؤمنين المتقين . كما أننا نلمح في صيغة التأبيد في الآية الكريمة أن هؤلاء الصنف من الناس نفذ ما لديهم من رصيد الفطرة الذى فطرهم الله تعالى عليه وبالتالي نفذت منهم النفخة الروحانية التي وهبها الله تعالى إياهم  فأصبحوا أموات غير أحياء كما وصفهم الله تعالى في آيات آخري , فهم قبور تمشى بأصحابها , فهؤلاء صم بكم عمى لا يفقهون شيئا ولا يرجعون عن غيهم وضلالهم مهما كانت الآيات والنذر التي تأتيهم , والله تعالى أعلم. 

                

خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿٧

جاءت كلمة أبصارهم وغشاوة  في الرسم القرآني بغير الف مرسومة  إشارة إلى أن الغشاوة على أبصارهم النفسية المعنوية وليست المادية الحسية ,فهي غشاوة غير حسية وغير مرئية لأنها على بصائرهم النفسية وليست الحسية  , فهي موجودة حقيقة من منظور عالم الحقائق الذى تنتمى إليه النفس ولا يمكننا أن نرها في عالم الصور والأسماء  , لذلك فهم ينظرون بأعينهم الأشياء ولكن لا يبصرون ولا يدركون حقائقها ومعناها الذى لا تدركه إلا النفس المجردة عندما تطل على عالم الحقائق المجردة .

                                     

      وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْءَاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨

نرى هذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن الصنف الغالب والأكثر من الناس نرها بدأت بحرف عطف , فهذا الصنف من الناس معطوفون على الصنف السابق ذكرهم (الكافرين) صراحة بلا إدعاء للإيمان والإسلام  , في حين نرى أن الآيتين السادسة والسابعة التي تتكلم عن الكافرين صراحة الأموات جاءت بصيغة إنشائية جديدة لا صلة لها بما قبلها من الآيات التي تحمل صفات المتقين مما يدل على البراءة التامة الواقعة من المؤمنين لهؤلاء الكافرين  نرى أن الآيات الكريمة التي تتحدث وتصف حال أكثر الناس بدأت بهذه البداية العاطفة على ما قبلها إشارة إلى أنهم وإن كانوا يدعون  الإيمان - من أهل الكتاب السابقين – والمنتسبين إلى الإسلام - من هذه الأمة المحمدية- بظاهرهم إلا أنهم لا يبعدون عن الكافرين السابق ذكرهم كثيراّ فهم قريبون منهم  , مشابهون لهم في القلوب وحقيقة وصفهم , رغم كل محاولات الخداع والتلون والإدعاء فإن الله تعالى يفضحهم ويبين حالهم للمؤمنين ويخزيهم ويكبتهم بوصف الكافرين في قوله تعالى (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَٰفِرِينَ).

ونظراّ لأنهم هم الأكثرون  في الناس وهم الغالبون على أمر الناس بدلالة الواقع ونظراّ لخطر شأنهم وفساد دينهم وعقيدتهم  فإن الله تعالى يستطرد ويفصّل في وصف حالهم للمؤمنين عبر ثلاثة عشرة آية   تتضمن مائة وواحد وسبعون كلمة 171 يحملها سبع مائة وستة وثلاثون حرفا 736 في كتاب الله تعالى حتى لا يغتروا بإدعائهم وشعارتهم المعلنة. 

 

يُخَٰدِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ 10

وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ ١١ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ ١٣

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ﴿١٤﴾


في الآية الكريمة  إشارة إلى أنهم شياطين منهم هم  من أنفسهم من البشر وليسو من الجن  فهم شياطين انسيين مردوا في النفاق والكفر    كما هو مبين في قوله تعالى (   وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ),  وكلمة( قالوا) في القرآن تحمل من الدلالات ما هو أكثر من مجرد القول باللسان , كالأمر والنهى والقضاء والإعتقاد وظاهر الحال والعمل  ويتحدد معناها ودلالتها من كل ذلك حسب موضعها في الآيات , والمرجع في فهم المعنى والدلالة هو قاموس القرآن نفسه والنسق الذى يحكم ويربط كل كلماته وآياته , والله تعالى أعلم.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟

 لماذا أمر الله تعالى بني إسرائيل بدخول القرية سجداً ؟ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَد...

مشاركات شائعة